منصة التك توك والسوريون

2022.01.01 | 04:17 دمشق

gettyimages-1228783329.jpg
+A
حجم الخط
-A

في بداية هذا العام الدراسي عاد ابني ذو الستة أعوام من مدرسته طالباً مني أن أريه " التك توك"، فما كان مني إلا أن أريته صورة التك توك الذي أعرفه، وسيلة النقل ذات الثلاث عجلات، والتي تعمل على المحروقات وأحياناً أخرى على الجهد العضلي، وتنتشر كثيراً في مصر، ولكن طفلي قال لي إنه يريد أن يرى فيديوهات كلّمه عنها أصدقاؤه في الصف، فأدركت حينذاك أنه يتكلم على الموقع الشهير في برامج التواصل الاجتماعي، وتفاجأت بأن طلاب الصف الأول الابتدائي باتوا مهتمين، أو ربما يتناقشون فيما بينهم بالمقاطع القصيرة المصورة التي تختص بها هذه المنصة، تتراوح مدتها بين الثلاث ثوانٍ والثلاث دقائق.

وعليه بدأت منذ فترة ليست بالطويلة بمتابعة موقع التواصل الاجتماعي هذا، الذي معظم متابعيه من الأطفال والمراهقين. كثيراً ما كنا نشتكي من السطحية وغياب العمق فيما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي السابقة للـ تك توك، كالفيس بوك وتويتر ويوتيوب وانستغرام وغيرهم، ولكن الانتشار الكاسح للتك توك قد يجعلنا نترحم على محتوى الفيس بوك وتويتر واليوتيوب الذي كنا نرى بعضه هابطاً وتسطيحياً.

ما يميز هذا الموقع الصيني عن غيره هو أن البث المباشر يمكن أن يجلب ربحاً مادياً للـ "تكتوكر" الذين لديهم عدد كبير من المتابعين، لذلك تجد نجوم هذا التطبيق على الهواء لفترات طويلة، ويلعبون ألعاب التحدي، والذي يفوز فيه هو من يحصل على دعم أكبر من المتابعين، كما أن الأخيرين يستطيعون تقديم الهدايا لنجومهم خلال البث المباشر، وهذه أحد أهم موارد صانعي المحتوى، الذين لا يشاركهم التك توك بأرباح الإعلانات، وإنما أرباحهم تأتي من البث المباشر أو عبر التسويق للمنتجات والشركات.

الأرباح هي التي جعلت آلاف المراهقين يلهثون بابتذال وراء أفكار جديدة يصورونها بهواتفهم المحمولة، ويبثونها طالبين من متابعيهم الدعم، عبر كسر حرمة بيوتهم وانتهاك خصوصياتهم وخصوصيات غيرهم وجعلها للعموم، ودائماً يرافق ذلك حمى الشهرة، فيحذو هؤلاء الأمل بأن يصبحوا من مشاهير السوشال ميديا، بأي ثمن وبأي شكل، فلا يهم إن كانوا مشاهير إيجابياً أو سلبياً، ولا يعنيهم إن كان المتابع سيضحك لهم أم عليهم، حتى بات بعضهم يقول إنه سيجعل أمه ترقص أمام الكاميرا، وأخرى تريد أن تخلع حجابها على الهواء، وإذا أردت رؤية كل ذلك فما عليك إلا أن تتابع البث المباشر.

وهذا الذي يصف أحاسيسه في ليلة زواجه الأولى، وتلك التي تمارس حركات الإغراء بالقول والملبس، وذاك الذي يعامل أباه بقلة أدب وعدم احترام، ثم تجد هذه الفيديوهات منشورة في صفحة الأب، طبعاً لن أتكلم على فيديوهات تعليم اللغة، التي بعض ناشريها يعلّم متابعيه بشكل خاطئ، ويلفظ الكلمات بطريقة غير صحيحة.

وهذا التطبيق بلا شك أحد الأسلحة التكنولوجية الذي تريد عبره الصين كسر الاحتكار الأميركي لوسائل التواصل الاجتماعي في العالم، ولولا ذلك لما هدد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بحظر هذا الموقع في الولايات المتحدة

أبو غازي، أم شهد، حسن الرفه، رامي العبد الله، وغيرهم نجوم التك توك السوريون، الذين يتابعهم النشء الجديد، خصوصاً الذين خرجوا من سوريا وباتت وسائل التواصل الاجتماعي الرابط الوحيد الذي يربطهم ببلدهم وأبنائه، وبات جهاز الهاتف في يد الصغير والكبير، واحتل مكان التلفزيون، فمن المعروف أن الأجيال الجديدة قد استغنت عنه لصالح الجوال، فلو حاولنا تحليل مضمون الرسائل التي يبثها ناشطو التك توك لوجدنا أن معظمها ليس ذا قيمة فكرية ومعرفية وأخلاقية. من المؤكد أن من السوريين من ينشر محتوى هادفاً وذا قيمة، ولكن هذا المحتوى قد ضاع في زحمة التفاهة وغياب القيمة، فالعملة الرديئة دائماً تطرد العملة الجيدة.

التيك توك الذي تم إطلاقه من الصين عام 2017، واستطاع بفترة وجيزة أن ينافس التطبيقات القديمة ويتفوق عليها، من خلال الفيديوهات القصيرة خفيفة الدم ذات التحضير السريع والبعيد عن التكلف، والتي كانت تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة، وعبر نحو ملياري مشترك حول العالم، يمكن تشبيهه بالبضاعة الصينية المنتشرة في كل مكان بالعالم، فهي سهلة الاستعمال ورخيصة السعر، ولكنها منخفضة الجودة.

وهذا التطبيق بلا شك أحد الأسلحة التكنولوجية الذي تريد عبره الصين كسر الاحتكار الأميركي لوسائل التواصل الاجتماعي في العالم، ولولا ذلك لما هدد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بحظر هذا الموقع في الولايات المتحدة إذا فشلت مفاوضات شرائه من قبل مايكروسوفت أو أي شركة أميركية أخرى.

ليس هذا المقال للكلام عن التنافس التكنولوجي والحروب السيبرانية بين الدول العظمى، ولكن المهم هو تخيل النتائج على مستوى الجيل الذي سيتربى على يد مؤثري التك توك الذي يكاد يخلو من الرقابة على المحتوى، فحينذاك من دون شك سنترحم على التلفاز وبرامجه الهابطة منها والصاعدة، خصوصاً بالنسبة للسوريين الذين يعيش معظمهم عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي في داخل سوريا وخارجها.