icon
التغطية الحية

مراصد إنذار مبكر للقصف.. كيف يحمي متطوعون سكّان شمالي سوريا؟

2024.03.18 | 16:41 دمشق

مراصد الثورة
أحد العاملين في رصد الطائرات الحربية شمالي سوريا - 2016 (SMART)
+A
حجم الخط
-A

يراقب عز الدين القاسم، وهو مصوّر ميداني في إدلب، بدقّة مجموعات المراصد في "واتساب"، خاصّة خلال حملة القصف الأخيرة على منطقة شمال غربي سوريا.

يقول "القاسم" وهو مصوّر وكالة "الأناضول" التركية في إدلب: "كان مهماً بالنسبة لي كمصوّر أن أرصد حركة الطيران والهجمات الصاروخية وتواقيتها قبيل الانطلاق نحو موقع التصوير".

لا تميّز هجمات النظام وروسيا على إدلب بين مواقع مدنيّة أو عسكريّة، وهو ما يشكّل "حالة قلق" بالنسبة لـ"القاسم" وزملائه الإعلاميين في المنطقة خلال تغطية عمليات التصعيد في المنطقة، الأمر الذي يفرض عليه أن يولي اهتماماً كبيراً لمتابعة المراصد المحليّة.

ومنذ بدء العمليات العسكرية وحملات القصف على المدنيين في مختلف المناطق السورية، نشطت مراصد محلية تتّبع عمليات الاستهداف وتنبّه المدنيين، ومع انحسار مساحات السيطرة لدى الفصائل، حافظت المراصد على عمليات الرصد في منطقة شمال غربي سوريا، خاصة مع استمرار حملات التصعيد.

وبعد 13 عاماً على انطلاق الثورة السورية، تعد "مراصد الثورة" واحدةً من نتاجات الثورة، والتي حافظت على مسيرتها في تحذير المدنيين وتنبيههم من خطر الهجمات، إلى جانب توعية السكان في مناطق التماس.

ورغم أن وسائل انتشار المراصد، شهدت نقلةً نوعية من القبضات اللاسلكية إلى مجموعات التواصل، إلا أن مهمتها في بث رسائل التحذير، ما زالت ثابتة لدى العاملين فيها، وهو ما جعلهم محط تقدير لدى السكان المدنيين في شمال غربي سوريا.

"الاعتماد كبير"

يعتبر "القاسم" أن "الاعتماد على المراصد المحلية يفوق نسبة 80%، لدورها في رصد عمليات القصف والاستهداف وتكرارها، خاصةً خلال التنقّل في التغطية، إضافةً إلى دورها في رصد الإصابات وحركة الدفاع المدني السوري".

ويدفع التشويش على القبضات اللاسلكية بـ"القاسم" إلى استعمال تطبيقات الإنترنت التي يوفّر عليها المراصد المحلية العاملة في المنطقة معلومات القصف وتحرّكات الفرق الإنسانية".

عمر حاج قدور، وهو مصور صحفي، يقول إن "بداية مشواره المهني في إدلب، رافقه حمل قبضة لاسلكية، ليس فقط من أجل العمل، وإنما من أجل إجراءات السلامة الشخصية أيضاً".

ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "بالنسبة للمراصد، الاعتماد عليها يكمن في سرعة تحصيل المعلومة حول عمليات الاستهداف والطوارئ على العموم من أجل تحرّكاتنا - كصحفيين ومصورين - نحو مناطق الاستهداف والهجمات".

ويشير إلى أن "المراصد ذهبت خدماتها إلى الحياة العامة، مثل الإبلاغ عن الحوادث المرورية، وطلبات إسعاف وغيرها".

كيف بدأت فكرة المراصد؟

أبو أمين، وهو صوت مألوف لدى السكّان في شمال غربي سوريا، والكوادر الإعلامية والإسعافية والإنقاذ، هو أحد كوادر (المرصد 80) العامل في المنطقة، بدأ عمله في النشاط الإعلامي والتنسيقيات من مدينة حمص، حيث مكان دراسته، قبل أن يعود إلى ريف حماة وينشط في رصدِ تحرّكات الأرتال العسكرية والأمنية للنظام السوري، التي كانت تنطلق من مطار حماة العسكري.

يقول "أبو أمين" لـ موقع تلفزيون سوريا: "نشطت في البداية في تحذير الناشطين والثوّار من أرتال واقتحامات قوى الأمن والجيش، بهدف الانتباه من الحملات الأمنية والاعتقالات".

في منتصف العام 2012، اتّجه "أبو أمين" إلى ريف حماة الشمالي، الذي كان تحت سيطرة فصائل المعارضة حينذاك، وكان لافتاً بالنسبة له، غياب أية أصوات تحذيرية للسكّان من هجمات النظام الصاروخية والمدفعية وحتى الجويّة.

يضيف: "كانت القبضة اللاسلكية (16) قد توفّرت لتوّها، أردت أن أنبّه الأهالي من هذه الهجمات، وخاصةً أن وسائل الاتصال كانت شبه معدومة، والبرامج المنتشرة هي سكايب فقط".

يحكي "أبو أمين" عن فكرة تأسيس "المرصد 80" قائلاً: "بعد التنبّه لضرورة تحذير السكان والأهالي والكوادر العاملة في المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام، ارتأيت مع صديق لي (أبو صطيف خطّاب)، وهو علم من أعلام مراصد الثورة، أن نؤسس المرصد، واستطعنا مراقبة تحركات العدو ومراكز انطلاق النيران باتجاه القرى الآمنة، ورصد حركة الطيران الحربي، وتفكيك رموزه ودلالاته، بإمكانيات ضعيفة جداً مقارنةً بالنظام وحلفائه".

يتابع: "هدف المرصد الأساسي، هو إنساني، بقصد تنبيه السكان المدنيين من خطورة الهجمات الجوية والصاروخية ونوايا النظام وحلفائه بقصف المدن والبلدات والمراكز الحيوية الأخرى، إلى جانب دعم الثوّار والمقاتلين لرصد تحرّكات العدوّ".

التدخل الروسي

بحسب "أبو أمين"، فإنّ التدخل الروسي كان علامة فاصلة في عمل المراصد، لما وفّرته القوات الروسية من تشويش على التردد (16)، وهو الأمر الذي أدى إلى انحسار استخدام القبضات اللاسلكية (16)، واتّجهت نحو تأسيس المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، ساعد في ذلك بدء توفر خدمة الإنترنت على نطاق واسع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري".

وكانت الفترة بين عامي 2012 و2015، الفترة الذهبية لطغيان قبضات (16) سواء بين المدنيين أو العسكريين وحتى باقي الكوادر العاملة في مناطق سيطرة المعارضة، بحسب "أبو أمين".

يقول: "بعد التدخل الروسي، وجدنا أن إيصال المعلومات عبر الإنترنت، وخاصةً أنه أصبح متوفراً في كل منزل، الوسيلة الأسرع، وتحوّلت رسائل التحذير إلى صوتيات تبث عبر مجموعات مواقع التواصل، وتحديداً عبر تطبيق واتساب".

"فرق في الإمكانيات"

يتحدث "أبو أمين" عن صعوبة اختراق قوات النظام والقوات الروسية والميليشيات الموالية لهما، وذلك بسبب الفرق الكبير في الإمكانيات والمعدّات، إذ إن معدات مراصد الثورة متواضعة أمام المعدات المتطورة لدى "قوات العدو".

ويجد أن "أهمية عمل مراصد الثورة، لا تقل شأناً عن عمل العسكريين ـ بشهادة السكان المدنيين ـ الذي يعتمدون على عملنا بشكل رئيسي، سواء عبر القبضات اللاسلكية أو مجموعات الواتساب، خاصةً خلال عمليات القصف المختلفة".

ويركز محدثنا على أهمية "التمكّن في مجال عمل الرصد"، وهو يتجسد "بتمكّن المرصد من معلوماته ومصادره وإمكانياته، وقدرته على الوصول إلى مصادر المعلومات وبسرية".

"عملي إنساني"

الراصد "حمود أبو رعد"، بدأت فكرة الرصد لديه، مصادفةً خلال تقليبه في الإذاعة، حينما سمع صوت طيّار يقول إنّه باتّجاه منطقة العمل مع ذكر اسم المدينة أو القرية التي ينوي استهدافها.

يقول "أبو رعد" لـ موقع تلفزيون سوريا: "كنت أعمم على القبضة اللاسلكية بأن طائرة حربية أو مروحية ستقصف قرية أو مدينة معينة، وأنبّه إلى ضرورة إخلاء التجمّعات والتحصّن".

وعن هذا العمل يقول "أبو رعد": إنّ "عملي إنسانيّ بامتياز، وواجبي مستمر في تحذير المدنيين الآمنين في منازلهم وتنبيههم، رغم توقّف المعارك وعمليات التحرير".

ويضيف أنّ "أكثر الفئات المستهدفة هم المدنيّون من أطفال ونساء وأبرياء، ليس لهم ذنب، لذلك نحاول أن نصل إليهم عبر مجموعات الواتساب وباقي مواقع التواصل الاجتماعي".

"عملية تكامليّة"

يعتبر "أبو أمين" أنّ "عمل المراصد والكوادر الإعلامية والإنسانية، عملية تكاملية، إذ يساعد الناشطين في تحرّكاتهم على الأرض، ورصد لحظة ومكان وتوقيت القصف، وأيضاً في حال كان هناك تكرار للقصف على مكان الاستهداف، بالتالي يجنبهم خطورة القصف المزدوج".

ويتفق "أبو رعد" مع رأي "أبو أمين" في "تكاملية العمل الإعلامي مع أعمال الرصد"، ويضيف قائلاً: "نتبادل المعلومات فيما بيننا، وبذلك يكون العمل متكاملاً".