محمد رعد والقبض على قلوب النّاس.. مشروع حب القتلة

2022.06.30 | 07:09 دمشق

محمد رعد والقبض على قلوب النّاس.. مشروع حب القتلة
+A
حجم الخط
-A

محمد رعد هو الوجه الصّريح والمباشر لحزب الله ومشروعه، بينما تناط بنصر الله، الأمين العام للحزب، وظيفة تحاول اللّعب في مجال السّياسة بما يتطلبه من مواربة وترميز.

تصريح محمد رعد الأخير يذهب في اتجاه خلق تموضع جديد له ولصورته، وربما لصورة الحزب بشكل عام، إذ إنّه يدافع عن مفهوم للسلطة يربط بين شرعيتها وبين النجاح في امتلاك عواطف النّاس ومشاعرهم.

يقول رعد "من يريد القبض على السّلطة عليه قبل كلّ شيء أن يقبض على قلوب الناس". السّلطة في هذا المقام لا تتأتى إلّا لمن يمتلك قلوب النّاس، ولكن تحديد شكل وطريقة الوصول إلى هذا الهدف الذي يراه باباً شرعيّاً للسّلطة يبقى مجهولا.

عليه يمكن، قياساً على تاريخ علاقته وحزبه بفكرة السّلطة وانطلاقاً من شبكة العناوين العريضة والمتسارعة في المنطقة والعالم أن نعرض تأويلنا الخاص للمقاصد الرعديّة.

الجديد الذي لا مفر لإيران من مواجهته يتجلى في المقاربة الأميركيّة الجديدة للمنطقة والّتي جاءت على خلفيّة الأزمة الأوكرانيّة وارتداداتها الكارثيّة على أسواق النفط والاقتصاد العالميّ

تعلم كل قيادات الحزب الإلهي الممسك عمليّاً بزمام السلطة في لبنان أنّ المرحلة القادمة تشهد جملة من التّحولات التي لا تصب في صالحه ولا في صالح مشروعه، وذلك سواء رست الأمور على تصعيد حربيّ أو استقرت ضمن إطار تفاوض ينتج تفاهماتٍ واتفاقات. المشكلة باتت تتعلق بوجوده الّذي بات مفتقدا لدورٍ يشرعنه بوصفه محركاً للملفات ومنتجاً للأزمات الّتي تستخدم في تمكين نفوذ إيران في المنطقة.

الجديد الذي لا مفر لإيران من مواجهته يتجلى في المقاربة الأميركيّة الجديدة للمنطقة والّتي جاءت على خلفيّة الأزمة الأوكرانيّة وارتداداتها الكارثيّة على أسواق النفط والاقتصاد العالميّ.

 من هنا برز مفهوم جديد للأمن الخليجيّ والعربيّ يجعله جزءا من الأمن الأميركيّ، وعنوانا عريضاّ لا يمكن تجاوزه في إطار مساعي أميركا للبقاء في قمة العالم، والتّفرّغ لمعركتها مع الصّين الّتي يمكن النّظر إليها بوصفها الرّابح الأكبر من كلّ ما أثارته الحرب في أوكرانيا من أزمات.

توكيد هذه المقاربة يمنح الزيارة المنتظرة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية في شهر تموز المقبل خصوصيّة بارزة لأنها تأتي بعد فترة كانت فيها إدارته الديمقرطيّة تناصب السعودية العداء بشكلٍ علنيّ ومباشر، وتبدي استهتاراً واضحاً بأمن المنطقة بشكل عام، وتستخف بمشكلاتها مع إيران، لا بل تنتهج سياسة تكاد تكون أقرب إلى التّحالف معها وخصوصاً مع فكرة إزالة الحرس الثّوري من قائمة الإرهاب والّتي لم تعد مطروحة الآن.

إزاء كلّ هذا التّصعيد الّذي يشي بإنهاء حالة التّغوّل الإيرانيّ بالتّفاوض أو بالحرب، تعود إيران إلى منهج التّفاوض بالتّصعيد والعمل على زيادة التّخصيب في محاولة لتسريع إنتاج سلاح نوويّ والدفع بميليشياتها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، إلى سلوك درب التّوتير والتّهديد بفتح حرب مع إسرائيل من لبنان تحت عنوان الدّفاع عن الثّروة النّفطيّة.

من هنا نفهم سعي محمد رعد لتركيب مفهوم الحب كعنوان لسلطات لم تكن يوما سوى تسلطٍ صرف، ذلك أن الأتون الّذي تستعد إيران لزجّه فيه أو التّحولات الّتي تجد نفسها مجبرةً على التّعامل معها من شأنها أن تجرّه إلى مكان حرج لا يمكن أن تغطيه الشّعارات ولا السّياسات المخادعة ولا أيّ نوع من أنواع البروباغندا بالمعنى المباشر الّذي يتصل بفكرة نشر الإيمان.

المجال الوحيد الذي يعتقد أنه يمكن أن يكون مفتوحاً أمامه هو العواطف، وبشكل خاص الحب، وخوض حرب امتلاك القلوب.

من هنا لا حليف فعليا للحزب سوى انهيار يدفع في اتجاهه ويرعاه ويدافع عنه، لأنّه ينزع عن النّاس أيّ عقلانيّة ويجعلهم أسرى الغرائز والأوهام والهذيانات.

يتناغم هذا المشروع مع درجة قصوى من الانهيار. لا شك أن ملامح هذه المرحلة تنضج، فالبلاد تعيش في ظل انقطاع الماء، الكهرباء، الخبز، والارتفاع الجنونيّ في أسعار السّلع، وتوقف معظم مؤسّسات الدّولة عن العمل، وخروج السواد الأعظم من اللّبنانيّين من دائرة الفقر ودخولهم في تصنيف البائسين والمعدمين.

أن نحب القتلة هو السّياق النّهائيّ الّذي تدفعنا إليه سلاسل المجازر المفتوحة، والتي اكتسبت شرعيتها من تردي أحوالنا وانعدام طاقتنا على الصّراع

كل ذلك يدعم مشروع استجلاب السلطة وشرعنتها وامتلاك القلوب خارج السّياسة والعقلانيّة، فمن سيكون المعشوق بالنسبة للجائع؟ أليس ذلك الذي سيرمي له كسرة خبز؟.

تحت ظلال التّجويع وغياب مقومات العيش الضروريّة لن يكون أمامنا سوى أن نحب القتلة والسجانين، لأن معرفتنا لما هم عليه لن تستطيع التّحول إلى وعي وأن تؤسس أيّ فعل. هكذا يتم عزل المعرفة عن سياقاتها الاجتماعيّة والسّياسيّة وتحويلها إلى مجرد معلومة عمياء لا ترى نفسها ولا تنير أي طريق.

أن نحب القتلة هو السّياق النّهائيّ الّذي تدفعنا إليه سلاسل المجازر المفتوحة، والتي اكتسبت شرعيتها من تردي أحوالنا وانعدام طاقتنا على الصّراع. وفي هذه الحال أساساً لا يبقى الفهم على حاله ولا يمكن للمعرفة أن تتموضع في مكانها الصّحيح بل يمكن للشك أن يطول كلّ يقين وأن يبتلعه.

هكذا لن يكون القاتل قاتلاً حقا حتى في نظر ضحاياه بل ستصبح طيبته المتجلية في واقع أنه لم يقتلنا بعد نوعاً من الرّحمة والحب الّذي يستوجب علينا إعادة تأويل ما نعرفه، ومنحه بعداً جديداً ينسفه من أساسه.

ذاكرات جديدة ستنمو وستعثر على مادتها في مشهديّة قاتل يغدق علينا ربطة خبز أو ومضة سعادة كهربائية. عندها يمكن لتلك السّلطة الّتي ينشدها محمد رعد أن تقوم، وأن نكتشف أنّنا نحبه وأنّه جدير بالحب، ولكن هذا يتطلب قبل كل شيء أن ننزع عنا كلّ ما يجعلنا بشرا مدركين وعاقلين، وأن يصبح بقاؤنا على قيد الحياة بمنزلة تأكيدٍ على متانة موتنا وصلابته.

هذا ما يشدّنا إليه مشروع محمد رعد الغراميّ السّلطوي لأنّه يعلم أنه لا يمكن لأحدٍ أن يحبّه سوى الموتى والجثث.