icon
التغطية الحية

"محطة دمشق" رواية لعضو سابق في CIA تتحدث عن سوريا

2021.10.26 | 16:10 دمشق

whatsapp_image_2021-10-26_at_4.37.37_pm.jpeg
فورين بوليسي- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يُذكّر سام جوزيف نفسه بمبدأ: "احم عميلك، فهو كل ما يهمك" وذلك في خضم عاصفة من الأزمات الشخصية والمهنية مع اقتراب شبح الخطر الذي خيم على آلاف الأبرياء.

وجوزيف هذا هو بطل رواية جاسوسية ألفها ديفيد ماكلوزكي، وهو محلل سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، عنونها بـ: "محطة دمشق" وفيها يصور الكاتب بكل حيوية بطل روايته بحيث يبدو كشخصية حقيقية واقعية، ولهذا كان لا بد له من استعراض عواطفه ومشاعره، وأن يحدد العوائق الإدارية التي وضعتها الحكومة الصارمة بكل دقة وبشكل ساخر أيضاً والتي نجدها أيضاً في حالة الجاسوسية، ومع العديد من الأشرار الذين يتعقبونه. ولهذا حتى جيمس بوند شخصياً لن يتمكن من إقناع شخصية ماكلوزكي الساخرة التي تمثل ضابط دعم كبيراً في السن لدى وكالة الاستخبارات المركزية بتغيير مقعده في الدرجة الاقتصادية والانتقال لرتبة أعلى وذلك على متن الرحلة التي تمتد لـ14 ساعة حتى ولو بات العالم بكامله في خطر.

ولا بد للمراقبين في الشرق الأوسط أن يقدروا كيف نسج ماكلوزكي خيوط الحكاية من ثقافة المنطقة وتاريخها، فحوّل بذلك البيئة السورية إلى شخصية أيضاً من شخصيات الرواية، حيث يقدم ماكلوزكي للقراء رؤى وأفكاراً وعطوراً ونكهات ومشاعر وأحاسيس من دمشق التي تعدّ أقدم مدينة بقيت مأهولة على مرّ التاريخ في العالم. أما زمن الحكاية فقد ظل غير واضح عن قصد، إذ تبدأ الرواية بموجات الربيع العربي الصادمة التي وصلت لدمشق في آذار 2011، وما أعقب ذلك من عنف وعدم استقرار أجبرا السفارة الأميركية في دمشق على الإغلاق في شباط 2012، ناهيك عن تصعيد العنف من قبل النظام والقوى الثورية والذي رسم إطار الحكاية التي ستتكثف فيما بعد.

اقرأ أيضاً: إيلي كوهين.. من رصد النازيين في دمشق إلى اختراق نظام الأسد

وإذا وضعنا الدقة من ناحية التسلسل التاريخي جانباً، نجد بأن ماكلوزكي قد استمد كثيراً من تلك الأمور وغيرها من الأحداث الحقيقية، مثل عملية اختطاف ويليام باكلي وتعذيبه التي تمت في عام 1984، ومن ثم مقتله على يد حزب الله، بما أنه كان رئيس مكتب وكالة الاستخبارات المركزية في بيروت، حيث قام حزب الله بذلك ليقوم بجمع المعلومات الاستخبارية وليرسل رسالة مفادها بأن القوانين قد تغيرت. ويشير هذا الكتاب أيضاً إلى اختفاء الصحفي الأميركي الحر أوستن تايس، الذي اختطف في ريف دمشق في 13 آب 2012، ويُرجّح أن قوات النظام هي من قامت باختطافه وتغييبه قسرياً.

اقرأ أيضاً: إدارة بايدن: أوستن تايس ما زال حياً وينتظر منا القدوم إليه

كان من الممكن لمحنة تايس أن تتحول إلى أداة سياسية بيد إدارة ترامب بين عامي 2018-2020، والتي زعمت بأنها ستتراجع عن كل مواقفها لضمان تحريره من سجون النظام السوري، في حين سيطرت مشاعر على وكالة الاستخبارات الأميركية توحي بأنه توفي قبل ذلك بزمن طويل.

ولقد استثمرت إدارة بايدن قضية تايس بالطريقة ذاتها، ولكن بدا موقفها على العلن وكأنها تركز على تحديد مصيره النهائي بدلاً من أن تحاول أن تقنع الناس بأنه ما يزال على قيد الحياة أو أن تحريره أمر ممكن.

اقرأ أيضاً: واشنطن ساعدت بعلاج أسماء الأسد.. تفاصيل جديدة عن مفاوضات الرهائن

ولهذا تطرق ماكلوزكي لعملية الاغتيال التي وقعت في 12 شباط 2008 بدمشق والتي طالت عماد مغنية، وهو قائد عمليات سيئ الصيت تابع لحزب الله، ومسؤول عن مقتل المئات من الأميركيين والإسرائيليين، وذلك عبر تصويره لعملية قتل فتاكة وقانونية قامت بها الولايات المتحدة لتستهدف الشخصية التي "صنفت على أنها إرهابية". وتتناغم تفاصيل تلك العملية مع تقارير صحفية أميركية تدّعي بأن الموساد، أي جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، تواطأا على قتل مغنيّة، كما يشرح كيف نفذ هذان الجهازان ذلك الهجوم عبر تفجير سيارة بعد تحديد موقعها بدقة في إحدى ضواحي دمشق السكنية. وإضافة إلى ذلك، يقدم ماكلوزكي نظرة عادلة عن العملية القانونية والسياسية المتعبة والمطلوبة لإجازة وتنفيذ عملية قتل سرية يمكن إنكارها ظاهرياً، إذ إن هذا النوع من عمليات القتل لا يهدف إلى الثأر بقدر ما يهدف لإحقاق الحق والعدل عبر شكل من أشكال الدفاع عن النفس يعتمد على تبرير قائم على تحذير من قبل الاستخبارات حول هجمات ستحدث قريباً، وهذا النوع من الدفاع عن النفس مطلوب لضمان عدم وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين نهائياً.

guest_7dd1280c-fba0-4e77-9239-4d000b32ac11.jpeg

 

شاهد أيضاً: تفاصيل جديدة عن "إيلي كوهين" جاسوس إسرائيل في سوريا

والحق يقال إن ماكلوزكي أقحم عدداً من الأوغاد الذين تخيلهم بطريقة منطقية ضمن شخصية الرجل السيئ المتعارف عليها في هوليود كونها تنطوي على بُعد وجانب واحد فقط، وهذه الشخصية لا بد من وجودها لرفع وخفض حالة التشويق التي أوجدها المؤلف ببراعة في كتابه. ولكنه بالطريقة ذاتها، صوّر لاعبين أساسيين آخرين في هذه القصة الطويلة، مثل شخصية البطل وغيره من الشخصيات في وكالة الاستخبارات المركزية بالإضافة إلى عدوه السوري الرئيسي، والذي كان شخصية معقدة بحق. ثم إن شخصياته أخذت ترتكب أعمالاً شنيعة تنطوي على عنف ووحشية وذلك ضمن عملها أو أثناء حمايتها للأحباء أو الزملاء. ولكن نجدهم أحياناً وقد تحولوا إلى شخصيات تملؤهم المحبة ضمن عائلاتهم إلى جانب تمتعهم بخصوصية معينة، حيث يهرعون في بعض الأحيان للقيام بأمور لطيفة بشكل عرضي.

فأنا شخصياً جلست وتربعت على الأرض وتقاسمت الخبز والقصص مع إرهابيين وسفاحين من الشرطة السرية يشبهون تلك الشخصيات التي قرأت عنها في ذلك الكتاب، إذ يمكن لهؤلاء أن يكنوا حباً كبيراً لزوجاتهم وأبنائهم، وأن يبكوا عندما يسمعون قصصاً حزيناً، أو عندما يشاهدون أفلاماً عاطفية، ويمكن لأي منهم أن يمتلك سحر ودهاء شخصية الجار المحببة لدى الجميع. وبتلك الطريقة قدم ماكلوزكي العدالة للبشرية جمعاء ولكل الدوافع العاطفية التي تنجرف معها الحسابات بعيداً عن الأعمال الوحشية التي تبدو لنا منفصلة عن الواقع، مع إضفاء لمسة غامضة حول: "الصح والخطأ".

وهنا، لن يفسد العمل إن ورد فيه بأن بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه في وسط الرواية، فالأسد يمثل شخصية في هذه الرواية، بالرغم من بقائه بعيداً عن الأحداث في معظم الوقت، إلا أن شخصيته قد وصفت في الرواية بكل اقتدار، والتفاصيل الأكثر دقة ظهرت عندما وصف الكاتب كيف يتلاعب الأسد بحياة السوريين بكل قوة وجبروت، سواء أكان هؤلاء الناس قد تمسكوا به وبنظامه القمعي من أجل البقاء، وبصرف النظر عن بوصلتهم الأخلاقية، وسواء أشاركوا في القتال حتى الموت سعياً لإزاحته أم لم يشاركوا.

وبوصفها عملاً خيالياً، تقدم قصة ماكلوزكي بديلاً لسياسة "الخط الأحمر" التي انتهجتها الولايات المتحدة أيام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والتي تقوم على التلويح بالقوة العسكرية في حال استخدام الأسد للسلاح الكيماوي.

وبالرغم من أن الاستخبارات الأميركية وغيرها الكثير من المؤسسات الدولية قد توصلت إلى قرار مفاده بأن الأسد قد استخدم السلاح الكيماوي بالفعل في أواخر عام 2012 وأوائل 2013، فإن الأخبار والصور المريعة التي انتشرت عن الهجوم بغاز السارين في آب 2013 والذي قتل بسببه أكثر من ألف شخص في الغوطة بريف دمشق، نقلت الأحداث إلى نقطة تحول خطيرة.

إذ أتذكر الاجتماع الذي أقيم كيفما اتفق ولم يكن مريحاً أبداً في آب 2013 مع أحد قادة الاستخبارات في الشرق الأوسط، والذي استثمرت بلاده بشكل عميق وعلني وصريح في دعم دعوة أوباما الأسد للتنحي، وعندما أسترجع ما جرى، يراودني الإحساس بالدهشة ذاته تجاه عدم قيام الحمقى من حول ذلك الرجل برميي من شباك مكتبه عندما حاولت أن أفهم سبب تخلي الولايات المتحدة عن الشعب السوري وعن حلفائها هناك.

بيد أني بقيت مؤدباً ومتحضراً بصورة مميزة وأنا أغلي من الداخل بكل وضوح عندما كنت أنقل النقاط التي تحدثنا عنها بشكل رسمي حول فكر الرئيس فيما يتصل باعتماده على روسيا وعلى الدبلوماسية بوصفها حلاً أقل عنفاً لمواجهة خطر مواصلة استخدام هذا النوع من الأسلحة.

فالحقيقة التي كنا نعرفها أنا وهو، هي أن الولايات المتحدة فتحت الباب أمام تدخل أكبر من قبل روسيا وإيران بشكل يدعم الأسد وإرادته ويحمل بين طياته سنوات من المعاناة والمآسي. ولذلك لم تعد هنالك أية صدقيّة للتهديدات الأميركية، بل تحولت إلى شيء أشبه بنمر من ورق يتقدم خطوة ثم يتراجع خطوة طوال ذلك النزاع. لقد اعتمدت الاستراتيجية الأميركية على الخطاب، وعلى دعم مقيد للمقاومة، وعلى دعم سري للعديد من فصائل الثوار قُرر له أن يكون مخيباً لآمالهم.

اقرأ أيضاً: كاتب أميركي: حوار الأسد مع واشنطن مرهون بكشف مصير أوستن تايس

كان هنالك برنامج تم تحقيقه بمال دول الخليج وبدعم لوجستي تركي لتقديم السلاح والتدريب لمعارضة فاسدة مفككة يعيش معظم أفرادها في الخارج، ومن بين هؤلاء اختارت الولايات المتحدة لنفسها على الدوام أقل العناصر قيمة وفعالية، ما أدى إلى تقوية روسيا وإيران وتشجيعهما على توسيع وجودهما ونفوذهما على حساب الولايات المتحدة، التي قررت تغيير ديناميكياتها في المنطقة، وشجعت الشركاء ممن لديهم الرغبة للتصرف تحت إمرة الولايات المتحدة مقابل أن ينعموا بالأمن، بالتفكير اليوم بأفضل طريقة لحماية مصالحهم بمفردهم.

 ولمن يرغب بإلقاء نظرة أكثر واقعية على الطريقة التي تتجسس بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على الآخرين، لن يُخيّب هذا الكتاب ظنه، وبما أني نجم محترف في سماء العمليات ولأني أمضيت 34 عاماً في الشوارع وأنا أعمل لصالح مديرية العمليات التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، أجد العديد من القصص سطحية وغير دقيقة أو واقعية، ولكن في الوقت الذي لم أستطع فيه أن أجلس وأتابع حلقة كاملة من Homeland أو  24 أو أفلام 007 التي تعتمد على جعل الواقع مشوقاً، والتي تهدف جميعاً إلى التسلية المحضة، ألفيتني وقد تأثرت وشعرت بامتنان كبير لقدرة ماكلوزكي على دمج قدر كاف من الواقع ضمن أحداث قصته. ومن الإنصاف القول إن الكاتب يعبّر عن اهتمامه بحماية المصادر والأساليب بالإضافة إلى عمليات المراجعة لدى وكالة الاستخبارات المركزية، والتي تؤكد الكثير دون أن تكشف الكثير في الوقت ذاته.

كانت المشاعر هي أكثر شيء فهمه ماكلوزكي بشكل صحيح، فهذا بالنسبة لي أهم من الطريقة التي صوّر بها آليات تنفيذ الاجتماع السري، فالضباط الذين قدمهم ماكلوزكي كانوا عاطفيين ومندفعين ومهووسين بتنفيذ مهامهم وأداء مهنتهم في بعض الأحيان، فلم يبد الأمر كأداء عمل بقدر ما بدا كالحياة نفسها، ولهذا لن تكف عن متابعة الأحداث وأنت في بيتك، خاصة إن كنت في بيئة ميدانية أجنبية بما أن كل شيء تفعله فيها مخطط له ومحسوب بدقة حتى يعبر عن شخصية ونمط حياة يناسب شخصية جاسوس تماماً.

هب أن شخصاً يراقبك ويتتبع تحركاتك على الدوام، من دون أي انقطاع أو إجازة يأخذها بعيداً عنك. ولكن على الرغم من التحديات والعبء الثقيل والزيجات الفاشلة ومعاقرة الكحول بين الحين والآخر، والأخطار المهنية والشخصية الأخرى، ثمة إحساس رائع بالقوة، حيث تهرول مع البطل مسافة طويلة وأنت تخضع للمراقبة ثم تختفي، من دون أن يعلم أحد بك. فالبطل هنا فرد مستقل ومقيد دون أي شبكة إنقاذ من سلاح الفرسان، ناهيك عن عدم وجود أي توجيه لمسار حياته. لكن الليل والشوارع ملك للبطل، وفي الوقت المناسب يقوم البطل بسرقة أهم أسرار خصمه رغماً عنه، من دون أن يترك أي دليل يشير إليه، وهنا يصبح العميل آمناً، ويتم تناقل أسراره، ويتحول البطل إلى ناقل للمعلومة التي بوسعها أن تغير وجه التاريخ.

وكما هي حال الأوغاد من حوله، يبدو بطل رواية "محطة دمشق" إنساناً، ولكن البشر حتى لو كانوا ضباطاً تلقوا تدريباً عالياً ويديرون حالات وملفات مهمة للغاية لا بد أن يرتكبوا أخطاءً. وهنا يذكرنا القول المأثور عن وكالة الاستخبارات المركزية وهو: "لا تقع في حب عميلك" بالمحافظة على الموضوعية تجاه العميل، بل وبضرورة التشكيك بدوافعه ومعلوماته الاستخبارية حتى يتم تقييم صدقيّتهم وقدرتهم على الوصول وتحررهم من سيطرة الطرف المعادي أو النيات الخادعة على الدوام. كما لا بد من إعادة تقييم العميل والسعي لإعادة تجنيده في كل اجتماع لأن هذا ما يحدث في الواقع فعلاً.

يفترض الضباط المسؤولين عن قضية معينة -وعلى مسؤوليتهم- بأن العميل لم يخسر عمله، ولم يغيّر رأيه، ولم يتم القبض عليه أو تهديده، ولم يتغير منذ آخر مرة التقوه؛ لذا فإن الحياة المزدوجة التي يعيشها العميل تسودها الوحدة والرعب. ولكن ثمة مستوى من الانفصال والنأي بالنفس عن الآخرين لا بد من توفره لدى الضابط المسؤول عن تلك الحالة بالرغم من المظهر الذي يتعين عليه الظهور به على الدوام بوصفه عميلاً، إذ يجب على هذا النوع من الضباط أن يظهروا كمركز الكون وكأعز الأصدقاء. ولهذا فإن ماكلوزكي أبلى بلاء حسناً عندما جعل جوزيف يبدو كجاسوس خبير واثق من نفسه، ولهذا بدا كإنسان حقيقي عرضة لأي خطر لذا يجب عليه في النهاية أن يختار بشكل صحيح.

إن رواية "محطة دمشق" رواية تشدّك لمتابعة تفاصيلها كونها كتبت بطريقة رائعة تجعلك لا تفارق الكتاب وأنت تواصل القراءة بسرعة لكونها تشتمل على كثير من التشويق ناهيك عن قصة الحب وقصة الجاسوس التي تسردها، فضلاً عن الجانب الخيالي الذي يعدّ جزء منه موثقاً تاريخياً فيما يتعلق بسوريا والربيع العربي. لذا فإن أي عنصر من هذه العناصر لو أتى وحدَه لا بد أن يجعل من هذه الرواية رواية تستحق القراءة بجدارة، فكيف إذا اجتمعت كل تلك العناصر بطريقة آسرة؟!

 

المصدر: فورين بوليسي