icon
التغطية الحية

ما بين المهنية والانحياز..كيف تناول الإعلام الغربي أحداث غزة؟

2023.10.12 | 16:11 دمشق

قصف إسرائيلي على مدينة غزة (أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي على مدينة غزة (أ.ف.ب)
تلفزيون سوريا - نوار الشبلي
+A
حجم الخط
-A

تباينت التغطية الإعلامية الغربية لأحداث الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في غزة، وسط غياب لذكر دوافع الصراع على مر السنوات الماضية، والتي أدت إلى طوفان الأقصى، وحتى إغفال الدوافع القريبة منها كاقتحام مسجد الأقصى الذي سبق عملية حماس. 

تناول الوكالات والشبكات الإعلامية الغربية للصراع يميل بشكل أو بآخر للجانب الإسرائيلي، حتى وإن أخذت على عاتقها الالتزام بالموضوعية، وذلك من حيث تناول أخبار القتلى من الجانبين والقصص الإنسانية للجانب الإسرائيلي دون الجانب الفلسطيني، فضلاً عن مقابلات أجريت مع ذوي القتلى وشهادات منهم، ما يحجب الصورة الكاملة للأحداث ومايجري حقيقة على الأرض. 

فبالنسبة لوسائل الإعلام البريطانية، فقد كانت تغطيتها مائلة من منظور إسرائيلي، وإغفال الانتهاكات التي يمارسها الجيش الإسرائيلي اتجاه المدنيين، فضلاً عن تشويه بعض الحقائق، واستخدام مصطلح "الإرهاب" و"الإرهابيين" تجاه حركة حماس، وغض الطرف عن قتل الجانب الإسرائيلي المدنيين في قطاع غزة وفرض حصار شامل على القطاع، وكأن هجوم حماس يبرر للإسرائيليين ارتكاب المجازر بحق المدنيين. 

وظهر ذلك بشكل واضح لدى شبكة الـ"بي بي سي" البريطانية، كالتعاطي مع القتلى من الجانبين والتباين بينهم من خلال استخدام كلمة "قتل: Killed" للقتلى الإسرائيليين، وكلمة "توفي: Death" للقتلى الفلسطينيين، فضلاً عن ذكر وجود قتلى أطفال ورضع بين الإسرائيليين، دون ذكرهم بين القتلى الفلسطينيين. 

 

وكذلك القناة الرابعة البريطانية التي نقلت قصصاً إنسانية للمدنيين الإسرائيليين، دون عرض قصص مماثلة للفلسطينيين، وصحيفة "ديلي ميل" البريطانية التي اكتفت بتغطية أخبار الجانب الإسرائيلي. 

يضاف إلى ذلك المقابلات والشهادات التي أجرتها شبكة الـ"بي بي سي" لكلا الجانبين، حيث إعطاء المزيد من المساحة والزمن للمتحدثين الإسرائيليين على حساب المتحدثين الفلسطينيين. 

يأتي هذا في الوقت الذي تحدثت فيه صحيفة "تليغراف" البريطانية، عن اتهام شبكة الـ"بي بي سي" بازدواجية المعايير وتعرضها لضغوط سياسية لكي تعدل عن الامتناع عن استخدام مصطلحي "الإرهاب" و"الإرهابي" في تغطية الصراع الإسرائيلي، ووصف مقاتلي "حماس" بـ "المسلحين"، أو بالجماعة "المتشددة"، حيث دعت الجماعات اليهودية الشبكة إلى مراجعة أسلوبها ووصف هجمات حماس ضد إسرائيل بأنها "أعمال إرهابية". 

ونقلت "deadline" عن المتحدث باسم بي بي سي قوله: "نحن دائما نأخذ استخدامنا للغة على محمل الجد. أي شخص يشاهد تغطيتنا أو يستمع إليها سوف يسمع كلمة "إرهابي" مستخدمة عدة مرات - ونحن ننسبها إلى أولئك الذين يستخدمونها، على سبيل المثال، حكومة المملكة المتحدة. وهذا هو النهج الذي تم استخدامه لعقود من الزمن، وهو يتماشى مع نهج المذيعين الآخرين. بي بي سي هيئة تحريرية مستقلة تتمثل مهمتها في تقديم شرح دقيق لما يحدث "على الأرض" حتى يتمكن جمهورنا من إصدار حكمه الخاص." 

أما وسائل الإعلام الكندية، فقد تعرضت لانتقادات لكونها متحيزة لصالح الرواية الإسرائيلية، وتجاهلها للرواية الفلسطينية، حيث انتقد مركز كنديون من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط (CJPME) ترديد مصطلحات حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن المقاومة الفلسطينية ووصفها بأنها "إرهابية" مع غياب الإدانات السياسية الكندية للاستهداف الإسرائيلي "المتعمد" للأبراج السكنية والمستشفى بغارات جوية، فضلاً عن قطع الكهرباء عن أكثر من مليوني مدني في قطاع غزة.  

وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من وسائل إعلام فرنسية التي بدت متحيزة لصالح إسرائيل، حيث تعمدت عرض مشاهد للقتلى الإسرائيليين ورواية قصص ذوي القتلى والأسرى، دون تناول روايات ومشاهد عن القتلى الفلسطينيين، ما يعكس ميولها السياسية وابتعادها عن الحياد، فضلاً عن نقص في المعلومات وقصور في التغطية. 

 

 

في الوقت الذي تباينت، التغطية في نيويورك تايمز في تناول القضية بحسب الصحفيين الذين قاموا بإعدادها، حيث عرضت تقارير للصحفيتين العربيتين "أميرة حرودة" و"رجاء عبد الرحيم" اللتين نقلتا معاناة المدنيين الفلسطينيين داخل قطاع غزة كما هي، كالدمار واكتظاظ المشافي بالجثث وغير ذلك، في حين حملت تقارير وصفاً لما جرى من قتل للمدنيين بأيدي مقاتلي حماس، كاستخدام كلمات أو مصطلحات من قبيل "موجة دموية" و"مذبحة"، بالمقابل لم نجد في التقارير التي تتحدث عن مقتل مدنيين في غزة، استخدام مصطلحات تتحدث عن المجازر، ما أظهر عدم إمكانيتها على تأطير تناولها للصراع بشكل صحيح، بينما نجد الأمر مختلفاً مع "ABC" نيوز التابعة لهيئة الإذاعة الأمريكية والتي تناولت عرض الأحداث بحيادية . 

 

في حين كانت التغطية لوسائل الإعلام الألمانية أكثر مهنية ومتوازنة، وذلك بعرض الأحداث كما هي، والحديث مع شهود مدنيين من الطرفين، ودون تشويه للأحداث وهو ما افتقدته وكالات الإعلام البريطانية والفرنسية. 

كتقرير دويتشه فيله  

 

وعلى نحو مشابه لم تكن التغطية الإعلامية على قدر من المهنية أو الحياد أو ما يعرف بالتوازن في التغطية، وهذا مانجده في تغطية أحداث حي الشيخ جراح أو الاعتداء الإسرائيلي السابق على غزة، وهو ما أظهره تقرير لمركز الرصد الإعلامي التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا (CFMM) في العام 2021. 

وبالنتيجة، في الوقت الذي حاولت فيه وسائل إعلام غربية الحفاظ على مهنيتها وتوازنها من خلال سياستها التحريرية في نقل الأحداث من فلسطين، تناست وكالات ووسائل إعلام غربية تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحقوق المواطنين الفلسطينيين على مدى العقود الماضية، والتي وُثق خلالها العديد من المجازر والانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وصولاً إلى الاستيلاء على منازل المدنيين لصالح المستوطنين، أو تدميرها لبناء آلاف المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، وآخر هذه الأحداث كان اقتحام المسجد الأقصى من قبل آلاف المستوطنين منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبرالحالي، فضلاً عن الحصار الذي فرضه الاحتلال على قطاع غزة منذ سنوات، ما أضعف من بنيته وخدماته الرئيسية. 

وعلى وجه الخصوص، أن الكيان الإسرائيلي يسقط صفة الإنسانية عن المدنيين في قطاع غزة وفي صراعه ضد "حماس"، وهو ما ظهر بشكل صريح للعلن، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، في تصريح له: "إننا نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك".  

ورغم أن الصحافة والإعلام تتطلب مهنية وموضوعية إلا أننا نجد الكثير من وسائل الإعلام تنحاز إلى سياسة حكوماتها، حيث إن القتل المستمر للفلسطينيين والانتهاكات الممارسة بحقهم لا تحظى بأي تعليق من الحكومات الغربية، وأصبحت أمراً واقعاً روتينياً.