ما بعد زيارة بايدن الفاشلة: المنطقة تنعطف نحو الصّين وروسيا

2022.07.17 | 05:10 دمشق

ما بعد زيارة بايدن الفاشلة: المنطقة تنعطف نحو الصّين وروسيا
+A
حجم الخط
-A

ليس لدى الرّئيس الأميركي جو بايدن بضاعة ثمينة يبيعها في المنطقة. اتّفاق القدس الّذي وقّعه مع الإسرائيليّين لا يستجيب لطموحاتهم حول التّعامل مع الشّأن الإيراني. علامات عدم الارتياح  بدأت تظهر في التّصريحات التي خرجت على لسان مسؤولين إسرائيليّين مبرزةً تبايناً في وجهات النّظر يرقى إلى مرتبة التّناقض.

يسوِّق بايدن لمنطق دفاعيّ، ويقول إنّه لن يسمح للإيرانيّين بامتلاك سلاح نوويّ، ويعلن كذلك أنّ أيّ صيغة للاتّفاق النّوويّ لن تسحب الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب، ولكن كلّ هذه التّطمينات لا تستجيب للمطالب الإسرائيليّة.

إذا كان الأمر كذلك مع الإسرائيليّين الّذين تغدق عليهم إدارته المساعدات ويجاملهم بإعلان صهيونيّة لا تحتاج أن يكون المرء يهوديّا، فمن غير المتوقع أن تؤدي زيارته إلى السّعودية وما يتخللها من اجتماعات مع قيادات دول مجلس التّعاون الخليجيّ ومع الرّئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الأردنيّ عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى نتائج مغايرة.

التّناقض بين ما يعرضه وبين شبكة المخاوف التي لا تكف السّعودية ودول الخليج عن الإعلان عنها يفرض مقاربة الزّيارة من زاوية تعزِّز حظوظ فشلها.

على الرّغم من إشارة الرّئيس الأميركي إلى استعداده للتّعامل مع الخطر الإيرانيّ عبر استخدام القوة، إلا أنّ ذلك الكلام يبقى في حدود التّصعيد الخطابيّ وحسب، وفق ما تؤكّده مسارات تفاعل أميركا مع كلّ السّاحات الملتهبة في العالم، ومن ضمنها السّاحة الأوكرانيّة.

زيارة بايدن الّتي يمنحها عنوان تصحيح الأخطاء وتعميق العلاقات مع إسرائيل ليست في واقع الأمر سوى استجابة لتبعات الحرب الأوكرانيّة

حتى هذه اللحظة امتنعت أميركا عن إرسال أسلحة هجومية فعّالة إلى أوكرانيا واكتفت بإرسال أسلحة من شأنها إطالة أمد الحرب، وتعزيز قدرة الأوكرانيّين على الصّمود من دون منحهم القدرة على تغيّير المعادلات، بل راهنت على استنزاف طويل الأمد، يخرج بعده بوتين مثخناّ بالجراح، بشكل يخدم إستراتيجيتها وصراعها مع الصين، بغض النظر عن دمار البلد.

زيارة بايدن الّتي يمنحها عنوان تصحيح الأخطاء وتعميق العلاقات مع إسرائيل ليست في واقع الأمر سوى استجابة لتبعات الحرب الأوكرانيّة. تاليا لا يمكن النّظر إليها بوصفها سياقاً إستراتيجيّاً صالحاً للاستمرار والثّبات، بل إن اقترانها المباشر بمفاعيل أزمات النّفط وتدفّق الطّاقة والغذاء المترتبة عن هذه الحرب يمنحها صفات المرحليّة.

تطوّرات المعارك في السّاحة الأوكرانيّة تشي بأن بوتين بصدد أن يحقّق تقدماً عسكريّا لافتاً على العكس من رغبات بايدن، أو أن ذلك يحصل كنتيجة لسوء إدارته للموضوع.

حجم الخراب الهائل واستخدام الروس لأسلحة ثقيلة، وخوف الأوروبيّين من غدر أميركي بهم في حال انخرط الناتو في الحرب، يجعل من قراءة نتائج منطق التّعامل الأميركي مع المسألة الأوكرانية نموذجاً عاماً للسياسة البايدنيّة، يمكن القياس عليه لفهم حركتها ومنطقها.

قبل الزيارة بنت السّعوديّة ومعها دول المنطقة سياسة عامة تقوم على تنويع شبكات العلاقات التّجاريّة، السّياسيّة والأمنيّة، وبذلك أصبحت الصين أكبر شريك إستراتيجي للسّعوديّة في هذه المجالات كلها.

كذلك يمكن النّظر إليها بوصفها الدولة الأكثر انخراطاً في المنطقة، وخصوصا مع حجم استثمارها الكبير في إيران وارتفاع وتيرة حضورها العسكري فيها وسيطرتها على مفاصل اقتصادية حيويّة. تليها في الحضور روسيا الّتي تملك مجموعة مفاتيح فاعلة في ما يخص أمن المنطقة، ترتبط بالقدرة على التّأثير على الحضور الإيراني في سوريا وفي اليمن وفي لبنان عبر حزب الله.

 ولا يخفى على أحد الدور الرّوسيّ الفاعل في صناعة الرّئيس اللبنانيّ القادم بشكل يخالف رغبات الحزب ويحرمه من بسط سلطاته على هذا المركز، ففي حين يرغب في إيصال الوزير جبران باسيل المرفوض خليجيّاً وعربيّاً إلى سدة الرئاسة فإن الإشارات الواردة من روسيا وعبر استثمارها الأبرز في المنطقة بشار الأسد تعلن أن المرشح الرّوسي للرئاسة هو سليمان فرنجية المقبول عربيّا.

يعني ذلك أن الانعطاف نحو المحور الروسي الصيني بدأ يتبلور انطلاقاً من لبنان وهو البلد الذي تؤمن إيران أنها تمسك بمفاصل الأمور فيه بشكل مطلق، وهو محور يتميز بقدرة على التحرك الميدانيّ المباشر وفرض التّغييرات وإنشاء صفقات مقبولة بالنسبة لدول المنطقة، سبق له أن أنتج سلسلة من التفاهمات بين دول المنطقة والنّظام السّوري وكذلك بينها وبين إسرائيل، حيث قد يكون هذا التقارب ليس نتيجة جهد أميركي مباشر، بل قد يكون الدافع إليه، على العكس من ذلك، غياب الحضور الأميركي.

 سلوك بايدن السلبي في ما يخص الأمن السّعودي والخليجي أسّس لحالة عميقة من انعدام الثّقة، بدأت من تقييمه للسعودية بوصفها دولة لا تراعي حقوق الإنسان وتصريحاته الّتي يدعو فيها إلى تحويلها إلى دولة منبوذة، وتكرّست في تعطيل صفقات الصّواريخ الدّفاعية ورفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب.

كلّ تلك الملفات الحرجة لا يمكن معالجتها بممفهوم التّصحيح الّذي يمكن أن يصف هفوة بروتوكوليّة أو زلة لسان، وليس مساراً خلق كتلة صلبة من التّراكمات، كان لها الأثر البليغ في تهديد أمن المنطقة واقتصادها.

لا يمكن إنجاح الزيارة إلا من خلال إعادة تكوين العلاقات، بما يعنيه من نسف للمسار الحالي الذي تراكم منذ عهد أوباما، ولم تقطعه بشكل فاعل مرحلة ترامب، ولا يبدو أن لدى بايدن أكثر مما يعرضه وما سبق له أن عرضه على الإسرائيليّين والذي لا يتعدى بيع صيغة دفاعية بينما المطلوب هو الردع.

تعزيز علاقات المنطقة بالصين وروسيا يبدو المسار الّذي تتجهز المنطقة للدخول فيه، لأن ما يمكن أن ينتجه ينسجم مع مخاوف دول المنطقة

فارق كبير بين الدفاع وبين الردع ومنع التهديد، وهو فارق لا يسهل ردمه وخصوصا أنه لا شيء يشي بأن سياسة الانسحاب وترك الحلفاء يتخبطون قد صارت من الماضي.

من هنا فإن تعزيز علاقات المنطقة بالصين وروسيا يبدو المسار الّذي تتجهز المنطقة للدخول فيه، لأن ما يمكن أن ينتجه ينسجم مع مخاوف دول المنطقة، كما أن حضورهما الميداني في المنطقة والّذي يتعزز مقابل نزعة أميركا الانسحابيّة يجعل من تعميق العلاقة معهما مساراّ إجباريّا لا بديل عنه.

كذلك تجدر الإشارة إلى أن سوق النفط الذي جاء ببايدن إلى المنطقة محكوم باتفاقات صلبة ومُلزِمة ولا يمكن أن يفكّكها سوى ما يتفوق عليها في جدواه ومتانته، ولا يظهر أن الرئيس الأميركي يمتلك أيّ أوراق فاعلة في هذا المجال.

يبقى أن نشير إلى أن آثار هذه الانعطافة تفترض حرباً بدأت إيران تستعدّ لها وتجهز مقدماتها بشكل انتحاري عبّر عنه حسن نصر الله في خطابه الذي تحدث فيه عن أفضليّة الموت في ساحات القتال عن الموت أمام الأفران، مؤكّدا إصراره على حماية حقوق لبنان النّفطيّة بصيغة كاريش وما بعد بعد بعد كاريش.

كل هذا يعكس نية تصعيديّة إيرانيّة واضحة تستشرف أن المحور الّذي كانت تعتبر نفسها جزءا أساسيّا فيه نسج مع أعدائها شبكة مصالح واسعة، فلم يبق لها سوى أن تقاتل بجرّنا إلى دروب المفاضلة بين ماركات الموت.