ما الذي ستجنيه تركيا من مصالحة الأسد؟

2022.12.25 | 07:32 دمشق

ما الذي ستجنيه تركيا من مصالحة الأسد؟
+A
حجم الخط
-A

يدخل إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن عرضه على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي بينه وبين بشار الأسد وبوتين، ضمن المساعي والجهود التركية إلى عقد مصالحة مع نظام الأسد وتطبيع العلاقات معه، بغية تحقيق أهداف تتصل بالأوضاع الداخلية التركية، والتخلص من الهواجس الأمنية التي يثيرها الوضع في الشمال السوري، وإرساء تفاهمات جديدة مع القوى المتدخلة بالشأن السوري.

وإن كانت المساعي والتصريحات التركية في هذا الخصوص ليست جديدة، وتعكس تغير الموقف التركي حيال القضية السورية، إلا أن الجديد هو ما يشبه خريطة طريق طرحها أردوغان للوصول إلى ذلك، تتضمن ثلاث خطوات أو مراحل يجب المرور بها من أجل تحقيق المصالحة والتطبيع، تمرّ بداية عبر بوابة لقاءات أمنية مكثفة بين أجهزة الاستخبارات التركية والأسدية، ثم عقد اجتماعات وتفاهمات عسكرية بين وزارتي الدفاع للطرفين، وصولاً إلى المستوى الديبلوماسي والسياسي عبر وزارتي الخارجية، اللتين ستتكفلان بوضع ترتيبات اللقاء بين أردوغان والأسد.

بوتين حددّ قضية المصالحة بين أردوغان والأسد كأولوية في سياسته حيال الملف السوري

ويأتي إعلان أردوغان عن رغبته في لقاء الأسد بعد أن أكد في 17 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على أنه "ليس هناك خلافات أو عداوات دائمة في السياسة"، تأكيداً على اتباعه المبدأ النفعي والبراغماتي الذي يقدم المصالح على كل شيء، ودرج عليه الساسة في عصرنا الراهن في مختلف علاقاتهم الدولية والمحلية، الأمر الذي تلقفه ساسة موسكو بإيجابية، وأبدوا رغبتهم للتوسط، من أجل فتح قنوات تواصل بين تركيا ونظام الأسد، واستعدادهم لتوفير منصة للقاء أردوغان والأسد، بل إن بوتين حددّ قضية المصالحة بين أردوغان والأسد كأولوية في سياسته حيال الملف السوري.

وتتزامن تصريحات أردوغان مع تراجع الحديث عن قيام تركيا بعملية عسكرية برية، كانت تهدد بشنها من أجل إبعاد قوات سورية الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب الكردية، وكافة مخرجات حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، عن الحدود التركية مسافة 30 كيلومتراً نحو داخل العمق السوري.

ولا يمكن فصل المساعي التركية للمصالحة مع نظام الأسد عن القضايا الداخلية التركية، وذلك في ظل دخول تركيا مرحلة التحضير للانتخابات العامة المفصلية، التي من المزمع إجراؤها في حزيران/ يونيو المقبل، حيث باتت الورقة السورية أهم الأوراق المطروحة في البازار الانتخابي لأحزاب المعارضة وللتحالف الحاكم في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية، وتتركز حول مسألة إعادة اللاجئين السوريين وتطبيع العلاقة مع نظام الأسد، فضلاً عن الهواجس الأمنية التركية حيال المنطقة التي تسيطر عليها القوى الكردية في شمال شرق سوريا.

غير أن اللافت هو أن معظم أحزاب المعارضة التركية لا تكف عن طرح مسألة إعادة العلاقات مع نظام الأسد، وتطرح أفكاراً بالتضاد مع مساعي حزب العدالة والتنمية، على الرغم من أن الأهداف تتلاقى بين الطرفين التركيين المتناكفين. وتدخل في هذا السياق ما أوردته "صحيفة تركيا"، وادعت أنه تفاصيل رسالة بعثها حزب الشعب الجمهوري المعارض إلى بشار الأسد، تتضمن وعوداً بسحب القوات التركية من سوريا، وتقديم تعويضات مالية في حال وصوله إلى الحكم، وذلك لثنيه عن لقاء الرئيس أردوغان. إضافة إلى أن الصحيفة أكدت أن أحزاب المعارضة الستة، المنضوية تحت سقف "الطاولة السداسية"، تعمل على عرقلة الاجتماع المحتمل عقده بين أردوغان والأسد، وأن قادة بعضها أرسلوا طلبات عديدة من أجل لقاء الأسد.

ولا شك في أن تهافت قيادات أحزاب المعارضة التركية على لقاء الأسد، يدخل ضمن حساباتها الانتخابية ومحاولتها منع أردوغان وحزب العدالة التنمية من قطف ثمار إعادة العلاقات مع الأسد. لكن المشكلة هي أن كلاً من أحزاب المعارضة والحزب الحاكم باتت تعتقد أن إعادة تطبيع العلاقات مع الأسد سيجعلها في وضع انتخابي أفضل، لكونها تأمل في أن يستقبل الأسد بالأحضان ملايين السوريين الموجودين على الأراضي التركية، وهو أمر لا يمكن لنظام الأسد تحقيقه، لأنه ببساطة لا يريد إعادة اللاجئين السوريين إلى أماكن عيشهم وسكناهم التي دمرها في حربه على الشعب السوري، وبالتالي لن يتحقق هذا المسعى التركي بتسريع المصالحة مع الأسد.

والأمر الآخر الذي يسعى إليه قادة تركيا، هو إشراك نظام الأسد في محاربة حزب العمال الكردستاني التركي وذراعه السوري ومخرجاته العسكرية والمدنية في الشمال السوري، التي تصنفها كمنظمات إرهابية، وهو أمر متعذر التحقيق، لأن نظام الأسد هو مصدر الإرهاب الأكبر في سوريا، ولا يريد محاربة هذه الميليشيات، وأن أقصى ما يسعى إليه هو أن يعيدها تحت سيطرته من جديد، حيث لم تتوقف روسيا عن تحقيق هذا المسعى، فضلاً عن أن قوات سوريا الديمقراطية ما تزال تستقوي بالدعم المقدم لها من طرف الولايات المتحدة وسائر دول التحالف الدولي ضد "داعش".

تركيا إن أرادت حل مشكلة آثار الكارثة السورية عليها، فالطريق الوحيد هو بذل جهود حقيقية، من أجل التوصل إلى حل سياسي وفق مخرجات القرار الأممي 2254 والقرارات الأممية

ويبدو أن المراهنة السياسية التركية على التطبيع مع نظام الأسد خاسرة لاعتبارات عديدة، تتعلق بطبيعة هذا النظام، الذي بات لا يمثل سوى عصابة فاشلة غير قادرة على تأمين ما يحتاجه السوريون القاطنون في مناطق سيطرتها، وتجارب التطبيع العربية معه، سواء من طرف الإمارات العربية المتحدة أو المملكة الأردنية وغيرها، لم تجلب لها سوى مخدرات الكبتاغون التي يهربها نظام الأسد وحليفه نظام الملالي الإيراني إلى الدول العربية وسائر دول العالم. وإذا أرادت الأحزاب التركية الفوز بالانتخابات فذلك يعتمد على مدى قدرتها على اعتماد برامج تقنع الناخب التركي في الخلاص من الأزمة المعيشية والاقتصادية التي تعصف به. كما أن تركيا إن أرادت حل مشكلة آثار الكارثة السورية عليها، فالطريق الوحيد هو بذل جهود حقيقية، من أجل التوصل إلى حل سياسي وفق مخرجات القرار الأممي 2254 والقرارات الأممية الأخرى الخاصة بسوريا، وتشترك فيه  القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة، كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وإيران، وهذ غير متوفر حالياً، وبالتالي فإن عقد لقاء بين إردوغان وبوتين والأسد لن تجني منه أنقرة ما تطمح إليه، ولن يسهم في حلحلة الوضع السوري، وخاصة في ظل رفض الولايات المتحدة دعم جهود وخطوات التطبيع مع نظام الأسد الإجرامي.