ماهر الأسد.. زعيم مافيا الكبتاغون السورية

2023.07.22 | 06:22 دمشق

آخر تحديث: 22.07.2023 | 06:22 دمشق

ماهر الأسد
+A
حجم الخط
-A

ما من شخصية سورية لها علاقة بالفضاء العام يحيط بها الغموض مثلما يحيط بشخصية ماهر الأسد، ثمة شحٌ في المعلومة، وشح في الحديث عن نمط الشخصية وتوجهاتها ومفاهيمها، فهو ليس رجل مخابرات لتحسبه على نمط رجال المخابرات، وليس برجل حزبي لتحسبه على حزبيي العقيدة، وليس برجل سياسة لتقول إنه لاعب محترف في ميادينها.

لعل أبرز توصيف لشخصية ماهر الأسد هو سمات رجال المافيا، حيث تجد أن فيه من صفات "بابلو اسكوبار" أكثر مما فيه من سمات يجتمع فيها معه رفعت الأسد مثلاً، كأنه قرأ أسرة عائلة "اوكاوا" أو سيرة "التشابوجوزمان".

لا يشارك في الشأن العام، يكتفي بلقاء عدد من الندماء يومياً، يسهرون، يشربون، يلعبون "الطرنيب" وتصله يومياً بيانات عن الأرباح من ممكلة الكبتاجون، ومن حواجز فرقته الرابعة المنتشرة في عموم البلاد.

لا تعنيه سوريا كدولة، إلا بمقدار كونها حدوداً مكسيكية، أو جبال كولومبيا، أو أسواق هولندا السوداء لبيع الحشيش...لا مشكلة عنده في التنسيق مع أي دولة بمنع وصول الكبتاجون عنها، أو محاصرة ذلك شرط أن يكون ما يدفعونه أكثر ما يحصل عليه مما يصدره إليها من الكبتاجون. رجال المافيا كما في كل دول العالم، كل شيء لديهم يقبل التفاوض والحل، الأمر يعود إلى فكرة: من يسيطر، ومن يدري ومن هو القوي.

لا كبير عنده، الأمر مرجعه أولاً وأخيراً إلى القوة ومقدار ما تجلب له، كل من عمل معه يجب أن يكون له نهاية، متى ما جاء إلى الساحة من هو أقوى منه أو ممن يستطيع أن يقدم مالاً أكثر أو أذكى مافيوياً أو أقوى.

لا يهوى السفر، ويعدُّ المشاركة في الشأن العام وقتاً مهدوراً. بالقوة وحدها يمكنك أن تحصل على كل شيء. لا يريد أن يعيد سيرة أبناء الأسد بأن استيراد الممنوعات إلى سوريا هو الحل، تلك دريهمات لم تعد تكفي رجل المافيا الخبير، لماذا لا نصدر إلى العالم الممنوعات؟

فلسفة ماهر الأسد أكبر من قضية كبتاجون ومتاجرة وأموال، ماهر الأسد يهوى قوة الفرد وسلطته، يحب فكرة الحريق، والتدمير الكامل، لا شيء يستحق الحياة إلا الأقوياء، إما أن يكون لديك القدرة على البقاء قوياً أو فلتذهب إلى المحرقة،  يمكنك أن توسع آفاقك وتزود العالم بما يمنحه الشعور بالقوة ورباطة الجأش،  تزود الأفراد بما يجعلهم أقوياء، العالم يحتاج إلى القوة الفردية، واقتصاد العالم ليس مهماً فيه الاقتصاد الرقمي، المهم فيه ما يجعل الناس أقوياء وسعداء!

يكره ماهر الأسد رجال السياسة، يكره خطاباتهم، ولا يعرف حتى اللحظة لماذا زُجَّ اسمه باللجنة المركزية لحزب البعث منذ سنوات، وهو الذي لم يحضر اجتماعاً ولم يلتق بمجموعة ولا يعنيه ذلك. ماهر الأسد ينتمي إلى فكرة الغالب والمغلوب والإمبراطوريات ولا يعترف مطلقاً بمفهوم الدولة الحديثة، لذلك بنى إمبراطويرية من كبتاجون تنتشر في العالم وتزرع قيمها فيه، الكل يستفيد في هذه الإمبراطورية، وليس من الضروري أن تكون فكرة حقوق الإنسان هي الوحيدة المعبرة عن مآل العالم، يمكن لمساحة لعالم أن تتسع لأكثر من فكرة وطريقة!

يحب ماهر الأسد جلسات الممثلين، خاصة خفيفي الدم ممن تحضر النكتة على رأس لسانهم، كما حال قصي خولي مثلاً. جلسته نغشة، ومنادمته أمر جميل، واللعب معه كشريك في لعبة الطرنيب مسلية جداً، فلا تنزل عن لسانه كلمة "معلم" هذه المفردة المفضلة لديه، كما يليق برجل مافيا، وليس سيادة اللواء أو سوى ذلك من ألقاب تعكر المزاج! وتشبه خطاباً متخشباً يعتقد أن العالم علوم سياسية أو تحليل أو حسابات!

جوهر فكرة ماهر الأسد عن الدولة أو عن الكيان أو التكتل الجغرافي يتمثل بالقوة، القوة وحدها هي التي تحمي والقوة وحدها هي فرض الشروط والقوة وحدها هي التي تجعل منك شخصاً معاقباً من الولايات المخحتدة الأمريكية، وتدفع عدة دول للتفاوض معك.

حين يرى ماهر الأسد شقيقه بشار برفقة أسماء عبر التلفزيون يقهقه، فلا يعرف حتى اللحظة، ما هي المتعة التي يحققانها بظهورهما الإعلامي، ولماذا يضطران لمجاملة العالم ومسايرته، غير أنه في لحظة ما يقول لمن يجلس بجانبه: لنتركهم حالياً وإن ظنوا أنهم أقوى "سنطرنب" عليهم!

نادراً ما يضطر لأن يلبس اللباس المرقط، لكنه لا يضع رتبة على كتفه، منذ أن أصبح زعيماً لرجال المافيا، يضحك على من يضعون رتباً عسكرية، فهو أقوى من الرتبة، وماذا تفيده، وهو أقوى منها بكثير.

لا يهمه من حزب الله إلا خبراته في تصدير الحشيش، وكيفية إدارة الأموال والتنسيق معه في لعبة التحصيل، ولا مانع عنده من التنسيق مع الإيرانيين إن كانوا يقدمون له خبرات مختلفة في مجالات عمله، أما كل انتشارهم الديني وما تذكره وسائل الإعلام عنهم فلا يعنيه إلا بكون أحياء طهران الفقيرة سوقاً للكبتاجون، ولديه شعور بأنه قادر على سحقهم بساعات، ويقلقه جداً أن تتحول العراق إلى مصنع للكبتاجون، هذه منافسة غير عادلة!

أسماء الأسد بالنسبة إليه ليست أكثر من امرأة، والمرأة وفقاً لماهر ليست إلا مرحلة ما قبل الجماد، وبالتالي لا خوف منها، أو يحسب حسابها، لو كانت تستطيع أن ترتقي لارتقت إلى رجل وقي، إنها إرادة الله!

لا كبير عند "المعلم" ماهر، آصف شوكت أو رستم غزالي أو غازي كنعان أو رامي مخلوف أو غسان بلال، كل من يعتقد نفسه أكثر من شغيل عند "المعلم" بلحظة وَهم؛ سيصفيه المعلم بطريقة ما، يمكنك أن تعيش برغد شديد وأن تحصل على سلطة كبيرة وأن تؤمن عائلتك ومعارفك مالياً، كل ذلك طبيعي في ظل عمل المافيات، ستكون النهاية بانتظارك حين تتوهم أنك يمكن أن تقوم بفعل دون علم "المعلم" أو بعيداً عن سلطته، لن يتردد الزعيم بإنهائك فوراً.

متعة ماهر الأسد الأبرز ليست في التواصل مع أكبر قدر ممكن من النساء كما حالة كثير من الرجال، بل في القوة وصنع قوانينه الخاصة وفرضها على الآخرين، وتجاوز ما تعارف عليه الناس، لذلك تشكل فكرة التهريب أساساً رئيسياً من أسس حياته بصفتها فكرة تجاوز عبر القوة.

يتابع "أندرو تيت" يعجبه تفكير هذا النمط من الرجال، يظن ماهر الأسد "أن الماتريكس" يقيدون العالم ويشدونه إلى مايريدون من موضات وماركات وموجات تسويق، تعجبه فكرة صناعة عالم مواز من الأفكار والتجاوزات، لذلك حزن كثيراً حين تم توقيفه في رومانيا، يرى ماهر الأسد في أندرو تيت فكرة التغلب على القانون والماتريكس الرقمي عبر القوة.

السوري الصالح في فكر ماهر الأسد هو السوري الذي يعمل في مملكة الكبتاجون أو السوري الذي يطمح لذلك أو الذي يعمل موزعاً أو يبتكر فكرة جديدة للتهريب أو يغامر بروحه من أجل ذلك.

يضحك ماهر الأسد على أولئك الذين يتحدثون عن سوريا كحضارة عريقة، لا يهمه ذك مطلقاً، يقول لهم: سوريا لديها فرصة لتكون الآن الأقوى عالمياً عبر الكبتاغون، لا بدّ من وسيلة قوة للدول. ويقهقه حين يسمع أن سورياً كتب مقالاً أو تحدث في برنامج تلفزيوني عن كيفية تحول مرموزية سوريا، يقول: العالم لن يعترف بك إلا إنْ كنت قوياً وسبيل قوة السوريين حالياً هو الكبتاجون، فلماذا نضيّع هذه الفرصة التاريخية؟

تجحظ عينا ماهر الأسد حين يسمع محللاً يصف الفرقة الرابعة بأنها جزء من الجيش السوري أو سوى ذلك من أوصاف أرضية، ذلك أن الفرقة بعينيْ ماهر هي أداة حماية لتجارته وتحصيل مالي، لذلك فإن كل ما قامت به لا يدخل في إطار بقاء النظام في سوريا بل في إطار المحافظة على تجارته وقوته كزعيم مافيا كبتاجونية عالمية.

انزعج ماهر الأسد من صديقه يفغيني بريغوجين فما الفائدة من الانقلاب؟ يقول في مكالمة أخيرة معه: لتحدد أهدافك بوضوح يا يفغيني، أنت تحكم أفريقيا يا يفغيني! لماذا تصغر عقلك وتضع بيضك في سلة واحدة، والممولون جاهزون، الأمر بسيط، أنت تقاسمهم على الثروات وأنا أعطيهم ما يجعلهم يشعرون بالقوة والتركيز!

حين تصبح الساعة نحو الرابعة صباحاً، يمجُّ ماهرالأسد آخر ما تبقى من كأس الويسكي ويشير إلى الندماء بالمغادرة. وعلى سرير قريب يلقي بجسده، دون أن تطفأ الأضواء حيث ينام بابلوسكوبار بعمق شديد وهو يحلم بأن يحكم العالم وقد تحول مواطنوه إلى أشخاص أقوياء من عصر الغالب والمغلوب بعد أن شرب كل منهم حبة من الكبتاجون!