ماذا يعني غياب تركيا عن الاجتماع الثلاثي في القدس؟

2019.06.25 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في إطار التحضير للاجتماع الثلاثي الذي سيضم مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتّحدة وروسيا وإسرائيل في القدس قبيل نهاية الشهر المنصرم، التقى يوم الأحد الماضي مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. تكمن أهمّية الاجتماع الأساسي في كونه الأوّل من نوعه لناحية جمعه مسؤولي البلدان الثلاث لبحث النفوذ الإيراني في سوريا ولاسيما الدور المتعلّق بالحرس الثوري الإيراني.

على مدى السنوات الثماني الماضية، حافظت تل أبيب على علاقات ممتازة مع كل من الولايات المتّحدة وروسيا، وقد ازدادت هذه العلاقة أهمّية مع ازدياد الدور الروسي في سوريا لاسيما منذ تدخّلها عسكرياً في العام 2015. استطاعت إسرائيل توظيف علاقاتها مع القوّتين من أجل تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى. تسعى تل أبيب حالياً إلى تقويض النفوذ الايراني في سوريا وهو هدف تلتقي به بشكل أساسي مع الولايات المتّحدة الأمريكية ولا يتناقض كذلك بالضرورة مع المصلحة الروسية مؤخراً لاسيما مع سعي الأخيرة إلى احتواء هذا النفوذ.

ثمّة تساؤلات حول الثمن الذي ستطلبه روسيا من الولايات المتّحدة وإسرائيل حال موافقها على القيام بالدور المتوقّع منها أن تقوم به بشأن إيران. هناك من يشير الى أنّ روسيا سترفض علناً القيام بهذه المهمّة، لكنّها ستقوم عملياً بتسريع تقليم أظافر إيران في سوريا تحت الطاولة إذا ما وافقت واشنطن وتل أبيب على الاعتراف بشرعية الأسد وبقائه في الحكم.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو "أين تركيا من كل هذا؟". تركيا التي من المفترض أن يكون لها بحكم التاريخ

لم يصدر عن تركيا أي إشارة أو تعليق يفهم منه اهتمامها بهذه المنصّة مع أنّ الأطراف الثلاثة المشاركة فيها تلعب دوراً مهما في سوريا

والجغرافيا دور أكبر فيما يجري داخل سوريا الآن ليس حاضرة على هذه الطاولة تحديداً. وبخلاف إسرائيل، فإن علاقات تركيا مع كل من الولايات المتّحدة وروسيا غير مستقرّة في أفضل الأحوال، وتشهد تناقضات كبيرة مع كلّ منهما حول الأولويات والأهداف في سوريا، ولذلك لم تنجح أنقرة حتى الآن في تسخير الدور الأمريكي والروسي في سوريا بالشكل المطلوب لحماية مصالحها.

وبخصوص الاجتماع الثلاثي، لم يصدر عن تركيا أي إشارة أو تعليق يفهم منه اهتمامها بهذه المنصّة مع أنّ الأطراف الثلاثة المشاركة فيها تلعب دوراً مهما في سوريا. علاوةً على ذلك فإنّ مناقشة النفوذ الإيراني في البلاد مضافاً إليها مستقبل الأسد نفسه كلها مواضيع في غاية الأهميّة بالنسبة إلى أنقرة وقد يؤدي الاتفاق عليها إلى مخرجات تؤثّر على الدور التركي أو المصالح التركية في سوريا مستقبلاً. مسألة النفوذ الإيراني لا تحظى مؤخراً بالأهمية المطلوبة في أنقرة بالرغم من تأثيرها الاستراتيجي والخطير على المصالح التركية.

ربما يفسّر البعض ذلك على إنّه انشغال في أولويات أخرى، لكن لا يجوز في أي حال من الأحوال تجاهل مثل هذا الاجتماع الثلاثي المهم. هناك حاجة لأن تكون تركيا حاضرة على الطاولة كذلك في كل ما من شأنه أن يؤثّر على مستقبل سوريا.  تركيا لا تزال حتى هذه اللحظة الدولة الوحيدة ربما التي تعارض عملياً بقاء الأسد بالسلطة. وبالرغم من أنّ درجة معارضتها هذه تختلف

لا تمتلك تركيا ما يخوّلها الدفع باتجاه منع الأسد من البقاء في السلطة، لكنّها تمتلك ما يمكن من خلاله تصعيب هذه العمليّة

عن الدرجة التي كانت عليها في سنوات الثورة السورية الأولى، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّها تريد أن تقبل ببقاء الأسد بسهولة. السؤال الذي يدور حول هذا الشق بالتحديد هو "ما هي قدرة أنقرة على منع حصول ذلك" لاسيما مع تعاظم الدور الروسي والإيراني في السنوات الماضية وسيطرة الأسد على المزيد من الأراضي.

لا تمتلك تركيا ما يخوّلها الدفع باتجاه منع الأسد من البقاء في السلطة، لكنّها تمتلك ما يمكن من خلاله تصعيب هذه العمليّة لاسيما إذا تلقّت دعماً من قبل الولايات المتّحدة الامريكية. من جهة أخرى، فانّ أي اتفاق أمريكي-روسي- إسرائيلي حول بقاء الأسد في السلطة في مقابل قيام روسيا بتقويض النفوذ الإيراني من سوريا سيجعل من إمكانية معارضة أنقرة لهذا الأمر من الناحية العملية غير ممكنة أو صعبة جداً في أفضل الأحوال. سيترك مثل هذا الأمر تداعيات بالضرورة على وضع ودور تركيا في سوريا، كما أنّه سيصعّب من موقفها الساعي إلى توظيف بعض الانجازات التي تمّ تحقيقها لإعادة صياغة المشهد السوري مستقبلا.