icon
التغطية الحية

مؤتمر التحوّل الرقمي في دمشق.. حديث التقانة في بلاد العتمة وانقطاع الاتصال

2024.05.28 | 17:59 دمشق

آخر تحديث: 28.05.2024 | 18:24 دمشق

سيبلص35فق
تلفزيون سوريا - سعيد اليوسف
+A
حجم الخط
-A

في مشهد يبدو أقرب إلى السخرية، انطلقت فعاليات "المؤتمر العلمي الدولي للتحول الرقمي وانعكاساته على التنمية المستدامة" في جامعة دمشق، أمس الإثنين، وسط ضعف في الإنترنت، تعذّر بسببه الاتصال مع أحد المشاركين.

والمؤتمر الذي عُقد بتنظيم من كلّية الاقتصاد، يُناقش خلال جلساته -الممتدة لـ3 أيام- استراتيجيات التحوّل الرقمي و"الثورة الرقمية"، في ظل بنية تحتية تقنية متهالكة من كهرباء واتصالات وإنترنت، رغم أنّها الأساسيات اللازمة لأي تحوّل رقمي.

ويشارك في المؤتمر -الذي سبق أن عُقدت دورته الثالثة في دمشق، عام 2021- عدد من الباحثين والمختصين من دول عربية وأجنبية، منها: العراق والأردن ومصر والسودان ولبنان والجزائر وسلطنة عمان وإيران والهند وبريطانيا، إلى جانب عددٍ من الوزراء والمسؤولين في النظام السوري.

"مؤتمر رقمي بلا إنترنت"

بحسب موقع "هاشتاغ سوريا"، فقد كان من المقرّر إجراء اتصال عبر الإنترنت من تونس، مع رئيس المكتب التنفيذي لـ"مبادرة الوطن العربي للتنمية المستدامة" واصف يوسف العابد، ليُقدّم كلمة أمام المشاركين، لكنّ سوء الإنترنت أدّى إلى تعذر الاتصال به!

هذه الهزلية السريالية في مؤتمر دولي يتحدّث عن "تحوّل رقمي" داخل بلدٍ غارق في الظلام، يُجسّد تناقضات الواقع السوري، الذي يسوده نظامٌ غارق في الفساد، حيث مؤتمره الرقمي بلا إنترنت، وحديثه عن "ثورة رقمية"، يتزامن مع صعوبة يواجهها المواطن السوري حتّى في إرسال رسالة نصية عبر هاتفه المحمول، مع اضطراره استخدام الشموع ومصابيح الكاز لإنجاز أبسط مهامه اليوميّة.

خطابات النظام عن "التحوّل الرقمي"

وزير التعليم العالي في حكومة النظام السوري بسام إبراهيم -راعي المؤتمر- أشار بـ"فخر" إلى الجهود التي بذلتها وزارته بهدف تحسين جودة التعليم، رغم أن ترتيب الجامعات السوريّة ما يزال متدنياً عالمياً، وسط تردٍّ مستمر للواقع التعليمي في سوريا.

بدوره، تحدّث وزير الاتصالات والتقانة إياد الخطيب، عن الفرص والتحديات في العالم الرقمي، مشيراً إلى أنّ "التحوّل الرقمي يعزّز الشفافية ويقلّل من هدر المال العام"، علماً أنّ الفساد وهدر المال العام من العلامات المميزة في مؤسّسات النظام السوري.

ويؤكّد ذلك، عقد مؤتمرات كهذه، حيث يُهدر فيها المال العام وتُستهلك الموارد، التي كان من المفروض استخدامها في أمور أكثر إلحاحاً بالنسبة للسوريين الآن، الذين يعيشون ظروفاً معيشية واقتصادية صعبة في مناطق سيطرة النظام، تبعد عن "الثورة الرقمية" أكثر من مسافة فارق سعر الصرف بين الليرة السوريّة والدولار، حيث الحديث عن "التحوّل الرقمي" في ظل هذه الظروف، يبدو أشبه بترفٍ لا مكان له في قائمة أولويات السوريين، الذين يكافحون من أجل لقمة العيش.

ولم ينسَ الوزير "الخطيب"، الحديث عن "ثورة الاتصالات والإنترنت" وعن "رؤية سوريا 2030" بتوجيهات من رئيس النظام السوري بشار الأسد، رغم أن الواقع الرقمي على صعيد الاتصالات والإنترنت، ما يزال متردّياً في مناطق سيطرة النظام، فضلاً عن شبه انعدام لبنيته التحتية.

واعتبر رئيس جامعة دمشق محمد أسامة الجبان، أنّ "للتحول الرقمي واستخدام التكنولوجيا في قطاع التعليم العالي، تأثيراً مهماً في طريقة عمل مؤسساته على جميع المستويات، في التدريس والتعليم والبحث العلمي".

أمّا عميد كلية الاقتصاد حسين دحدوح، فرأى أنّه "في ظل التحول الرقمي يصبح تحليل البيانات الداعمة لعمل الحكومات والمؤسسات أكثر سهولة ودقة، ويمكّنها من تحقيق فائدة أكبر منها، ما ينعكس على تحسين الأداء الحكومي ويعزز من المساءلة والشفافية".

صحيح أنّ خطابات وزراء حكومة النظام في المؤتمر، شدّدت على أهمية التحوّل الرقمي وطرق تطبيقه في المجالات كافة، وتعزيز خطط الإدارة الإلكترونية في تحقيق التنمية المستدامة، لكن كل ذلك -ككل وعود النظام السابقة- مجرّد حبرٍ على ورق، وربّما أقصى استفادة للمواطن السوري، هي أن لا تتأخر عليه رسائل "البطاقة الذكية"، لأكثر من شهرين فقط.

"رقمنة الفساد" في النظام السوري

على مر السنوات، كان الفساد -وما يزال- متجذّراً في مفاصل النظام السوري، ومشكلة مستمرة تؤثّر على جميع جوانب الحياة في سوريا، من الرشوة إلى المحسوبية واستغلال المناصب، وهذا الأمر لم يتغيّر مع بدء الحديث عن "التحوّل الرقمي"، بل ربما أُضيفت له أبعاد جديدة.

ورغم أنّ "الرقمنة" في معظم دول العالم، عملية تسعى إلى تبسيط الإجراءات الحكومية وتحسين تقديم الخدمات للمواطنين، لكنّها تُثير المخاوف في دول تسودها الأنظمة الفاسدة والمستبّدة، والتي تسعى إلى تعزيز الفساد بدلاً من مكافحته.

ويمكن لـ"التحوّل الرقمي" أن يزيد من الشفافية ويجعل الفساد أصعب، إلّا أنّ النظام السوري سيجيّره -غالباً- في زيادة نفوذه وسطوته، خاصّةً في ظل سعيه الحثيث على مراقبة السوريين والتجسّس عليهم في كلّ مكان.

وبينما كان وزراء حكومة النظام السوري يتحدّثون في المؤتمر عن "الدفع الإلكتروني" و"الخدمات الإلكترونية"، كان السوريون يواصلون الوقوف في طوابير أمام مؤسسات ومديريات النظام، لدفع الرسوم والضرائب، أو للحصول على أبسط الخدمات.

وفي ظل تباهي وزراء ومسؤولي النظام السوري بإنجازاتهم في مجال "التحوّل الرقمي"، رغم أنّهم لا يملكون حتّى حسابات مصرفية -وفق تقارير عدّة- ويقبضون الرشى بالذهب، ما يزال الملايين من السوريين، يفتقرون إلى أبسط احتياجاتهم الأساسية.

هذا المؤتمر يجسّد -بكل وضوح وبشكل فاضح- تناقضات النظام السوري، الذي يتحدّث عن "التحوّل الرقمي" و"الثورة الرقمية"، إلّا أنّ أساليب إدارته الغارقة في الفساد والاستبداد، تؤكّد أنّه لا مستقبل رقميا لـ سوريا أبداً في ظلّ هذا النظام.

ويبدو أنّ المؤتمر -كغيره من الفعاليات والمؤتمرات التي يعقدها النظام السوري- ليس أكثر من محاولة أُخرى لصرف الأنظار عن الكثير من الأزمات الفعلية التي يعانيها السوريون في مناطق سيطرة النظام، كما أنّها تثير تساؤلات عن أولويات حكومة النظام، وكيفية توزيع الموارد في ظلّ الأزمات، حيث يُنفق الأموال على مؤتمرات وفعاليات وهمية وواهمة، يواصل إهماله لقطاعات التعليم والصحة والخدمات الحيوية التي تهم السوريين.

البطاقة الذكية.. التحوّل الرقمي الوحيد للسوريين

أمام كل هذه المعطيات، فإنّ "التحوّل الرقمي" الوحيد الذي بات يدركه السوريون ويتعاملون به، يتمثل في "البطاقة الذكية" فقط، التي ربط فيها النظام السوري كل ما يطلبه السوريون من خبز وغاز ومازوت وبنزين، وكل الأساسيات الحياتية، طبعاً مجرّد ربط رقمي فقط، دون أن يوفّرها لهم.