ليربحَ الشّعب السّوريّ على وقع هزيمة بوتين

2022.11.21 | 05:34 دمشق

جدارية لهزيمة بوتين في أوكرانيا
+A
حجم الخط
-A

بخطاً واثِقة يمشي الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين نحوَ نهايته السّياسيّة. يُعميه عن هذه الحقيقة "المُرّة-الحلوة"، تصفيقُ بعضِ "البوتينيين" من ورثة الاتحاد السّوفييتي، وما أكثرهم في لبنان وسوريا.. لا يستطيع "البوتينيّون" أن يُصدّقوا حقيقةً صارَت واضحة: بوتين يبحث عن حفظِ ماء وجهه في أوكرانيا. ولا شيء سوى ذلك.

يعترِفُ الكرملين ووزارة الدّفاع الرّوسيّة بالانسحاب من مدينة "خيرسون" التي ضمّها بوتين قبل أسابيع قليلة. لكنّ "البوتينيين" يجدون له المُبرّرات المُضْحِكَة والتي لم تخطر على بال المُتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.

من نظريّة "الانسحاب التكتيكي" وأنّ الجيشَ الرّوسيّ ينسحِب ليعودَ بخطّة "كمّاشة" يُطبِق بها على الجيش الأوكرانيّ، وسوى ذلكَ من الخطط العسكريّة التي ينبغي أن تكون سرّيّة، لكنّها مُنتشرة بكثرة في أذهانهم ووسائل التّواصل الاجتماعيّ.

لكنّ الواقع يُقرّ بأمرٍ واحد: انسحَبَ بوتين من آلاف الكيلومترات المُربّعة التي احتلّها جيشه قبل 9 أشهر.

فقَدَ "القيصَر" الهالة التي صاغها لجيشه منذ 1999، يومَ أحرَق الشّيشان الضّعيفة. وفي 2008 يومَ استقوى على جورجيا بلحظةٍ دوليّة مُعقّدة، وفي 2015 يومَ اختار الاستقواء على الشّعب السّوريّ، ليصُبّ حمم طائراته فوقَ الأحياء المُهدّمة في حلب وإدلب وريف اللاذقيّة والغوطة الشّرقيّة وغيرها من المُدن السّوريّة.

يقول الواقع إنّه لو حصَلَ الشّعب السّوريّ على ربع المُساعدات العسكريّة الغربيّة التي انهالت على الأوكران من كلّ حدبٍ وصوبٍ، من الولايات المُتحدة، والاتحاد الأوروبيّ، وحتّى من كوريا الجنوبيّة واليابان وكندا، لكن الوضع في سوريا مُختلف 180 درجة.

في سوريا، استقوى بوتين من الجوّ، والأهمّ أنّه لم يكُن يقرع الباب على الدّول الغربيّة. لكنّه يومَ اختار اختبار الدّول الغربيّة، غرِقَ في المُستنقع الأوكرانيّ.

يقول الواقع إنّه لو حصَلَ الشّعب السّوريّ على ربع المُساعدات العسكريّة الغربيّة التي انهالت على الأوكران من كلّ حدبٍ وصوبٍ، من الولايات المُتحدة، والاتحاد الأوروبيّ، وحتّى من كوريا الجنوبيّة واليابان وكندا، لكن الوضع في سوريا مُختلف 180 درجة.

للأسف، لا يملك السّوريّون روابطَ عرقيّة مع الأوروبيين. ولا يجاورون بحدودهم المنطقة الأمنيّة الحسّاسة لحلف النّاتو، ولم يعرض عليهم جو بايدن يوماً أن ينضمّوا إلى حلف شمال الأطلسي، ولا يعيشون بجوار مفاعلٍ نوويٍّ، أو حقول قمحٍ وشعير تُطعم العالم بأسره.

تُرِكوا لمصيرهم، يطيرُ فوقهم زبانية بوتين بما طابَ لهم من طائرات "ميغ" أو "سوخوي" أو "توبوليف" ويصبّون نيرانهم. تُطلّ غوّاصاته رؤوسها من المياه الدّافئة وتُرسِل الصّواريخ المُجنّحة، وتستعرض الصّناعات العسكريّة على أشلاء أطفال سوريا...

كلّ هذا لم يجد سبيلاً في أوكرانيا. انكسَرت شوكة "القيصر"، وصورته التي بناها مُستعرضاً عضلاته وهو عار الصّدر يصطاد نمراً في سبيريا، أو يغطس في مياهها الجليديّة.

ما يأمل به السّوريّون هو أن يصلَ هذا "الكسر" من أوكرانيا إلى سوريا. فبوتين العاجز لم يعد بإمكانه أن يحميَ عناصر وضبّاط جيشه الذين يقعون تحت أيدي الأوكران.. لا يريدُ السّوريّون من الغرب، خصوصاً أولئكَ الذين يُصنّفون أنفسهم مُدافعين عن "العالم الحرّ" سوى أن يُساووهم ببلدةٍ حدوديّة في أوكرانيا. وعندها نرى الحسابات تنقلب.

فقدَ بوتين في أوكرانيا كلّ أوراق قوّته التي جمَعها طوال 15 سنة. لم تعُد روسيا ذلك الدّب الذي لا يُمكن ترويضه، بل كشفَت عن صورتها الحقيقيّة: "ثعلبٌ هائج دخلَ في وكرِ دبابير"، إنّها لا شيء لولا الترسانة النّوويّة، والتي لا ينفكّ بوتين بالتهديد بها، وهي لا شكّ ستكون السّطر الأخير في نهايته إن لجأ إليها.

آنَ لهذا العالم أن يُجرّدَ هذا الحاكم وجنون عظمته من مصير التحكّم بأرواح العالم، خصوصاً سلاح "الفيتو"، الذي استعمله مراراً وتكراراً في وجه أيّ محاولة دوليّة لحماية الشّعب السّوريّ من المجازر التي ارتُكِبَت ضدّه منذ 2011.

تشير معلومات خاصّة إلى أنّ روسيا بدأت تفاوضاً جدّيّاً بعيداً عن الأضواء مع الأميركيين لتسوية الملفّ الأوكرانيّ. يتركّز المطلب الرّوسيّ بضمان "حفظ ماء الوجه"، لإنهاء المعركة التي أنهكَت ظهرَ بوتين، ولم تكن كما توقّعت أجهزة استخباراته، شبيهةً بحربه ضدّ الشّيشان أو جورجيا

وآنَ للعالم أيضاً أن يتعاملَ معه بحجمه السّياسيّ الطبيعيّ، وليسَ بناءً على حجم بلاده الجغرافيّ. أعُطِيَ بوتين أكثر ممّا يستحقّ، وآن الأوان ليترُكَ ما أعطيَ له في لحظةٍ ظنّه الجميع قويّاً، ليظهر على امتداد الخارطة الأوكرانيّة على حقيقته وضعفه ووهن جيشه وآلته العسكريّة التي أحرقَ الأوكرانيّون هالتها.

ها هوَ اليوم يرفع أولى بشائر استسلامه. تشير معلومات خاصّة إلى أنّ روسيا بدأت تفاوضاً جدّيّاً بعيداً عن الأضواء مع الأميركيين لتسوية الملفّ الأوكرانيّ. يتركّز المطلب الرّوسيّ بضمان "حفظ ماء الوجه"، لإنهاء المعركة التي أنهكَت ظهرَ بوتين، ولم تكن كما توقّعت أجهزة استخباراته، شبيهةً بحربه ضدّ الشّيشان أو جورجيا.

هناك فرصةٌ للشّعب السّوريّ، أن يكونَ حاضراً في أيّ مفاوضات غربيّة مع روسيا. فالرّجلُ الذي فوّضَ نفسه وصيّاً على سوريا، آنَ الوقتُ أن يكونَ السّوريّون أوصياءَ على هزيمته...