icon
التغطية الحية

لماذا انهارت كتل الإسمنت في مخيمات الشمال السوري مع أول عاصفة؟

2020.11.17 | 05:30 دمشق

03.jpg
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

كشفت الهطولات المطرية التي ضربت الشمال السوري مؤخراً هشاشة الأبنية السكنية التي بنتها المنظمات الإنسانية بديلاً عن الخيام، فلماذا انهارت الكتل الإسمنتية بينما صمدت خيام النازحين؟

كُنّا في قمة السعادة عندما انتقلنا في الربيع الفائت من الخيام إلى الكتل الإسمنتية كونها تعطينا الراحة والأمن، لكن بعد الذي حصل معنا تمنيت أن أبقى نائماً مع أطفالي تحت شجرة زيتون أو تحت خيمة على أن أستيقظ وأجدهم تحت أنقاض بناء مهدوم.

بهذه الكلمات وصف إياد العلي لموقع تلفزيون سوريا الحال التي بات عليها بعدما انهارت الكتلة السكنية التي يقطنها بالإضافة لتصدع وانهيار عشرات الكتل الأخرى في مخيم شهداء ترملا بريف إدلب الشمالي، نتيجة تساقط الأمطار لساعات قليلة.

تهجر إياد من بلدته ترملا بريف إدلب الجنوبي قبل عامين مع بدء قوات النظام حملتها العسكرية على ريف حماة الشمالي القريب، وانتقل إلى منطقة قاح على الحدود السورية التركية.

يشرح "العلي" تفاصيل قصته قائلاً: بعد نزوحنا إلى قاح قمنا باستئجار قطعة أرض لنبني عليها مخيماً لأهل البلدة كي نخفف عن أنفسنا أعباء وتكاليف السكن بالإيجار، وبعد مدة من إقامتها في الخيام جاء إلينا متعهد بناء يعمل لصالح منظمة IHH التركية، وعرض علينا تحويل المخيم من خيام قماشية إلى أبنية إسمنتية تتكون من غرفتين، فوافقنا على الفور، لكنه اشترط علينا دفع تكاليف بناء ركيزة (تسوية) لكل كتلة سكنية، كون المنظمة تتكلف بالبناء فقط على حد وصفه المتعهد وقمنا بدفع مبلغ مئة وعشرين ألفاً في ذلك الوقت وكانت تعادل مئة وعشرين دولاراً مقابل بناء تسوية لكل كتلة في المخيم المكون من 193 كتلة سكنية.

ويضيف إياد العلي قائلاً: منذ البداية وجدت البناء سيئاً فالجدران توشك على أن تكون رملاً خالصاً لا إسمنت فيها، والعوازل القماشية الذي سقفت فيه الكتل من أسوأ أنواع العوازل الموجودة في السوق، كما أنهم نصبوها فوق أسلاك بدل القضبان والأسياخ الحديدية، كل شيء هش لكننا كنا نظن بأنه أفضل من الخيمة.

محمد الصالح مدير مخيم شهداء ترملا أيضاً تحدث لموقع تلفزيون سوريا واشتكى من خُلّو المخيم من البنى التحتية وقنوات تصريف مياه الأمطار وإقامة الكتل السكنية على مساطب غير مدعومة في الجرف الجبلي وقال بأن الركائز التي مهمتها تثبيت المسطبة الجبلية التي فوقها باتت تستند إلى الكتل السكنية في المسطبة التي تحتها وتهددها بالانهيار.

كما أضاف الصالح قائلاً: بنيت الكتل على تربة هشة وضعت فوق الجبل الصلب وأدى السيل الآن إلى انجراف التربة من تحت الكتل السكنية فحدوث تفسخات في الجدران، مما تسبب بانهيار 18 كتلة سكنية وتفسخ 50 كتلة أخرى مما جعلها مهددة بالانهيار.

يتابع الصالح قائلاً: عندما طالبنا المهندس المشرف على المشروع ببناء قنوات تصريف مطرية وجدران لمنع تسرب المياه والتربة من المساطب رفض المهندس ذلك متذرعاً بعدم وجود ميزانية كافية وعدم امتلاكه الصلاحيات للقيام بهكذا أمر.

وأكد الصالح أنه سأل المهندس المشرف على المشروع خلال مرحلة البناء عن احتمالية تضرر الكتل جراء بنائها على التراب وأن المهندس أخبره بأن ذلك لن يحصل.

كما قدم الصالح لموقع تلفزيون سوريا تسجيلاً صوتياً بينه وبين المهندس بعد انهيار الكتل يلوم فيه المهندس قائلا: ألم أخبرك منذ ثلاثة أشهر بأن الكتل ستنهار؟

وقال بأن المهندس المشرف على المشروع أرسل إليه متحدثاً بصيغة أقرب ما تكون إلى التهديد بأن المنظمة لن تصلح الكتل المتضررة في حال تم بث صور أو فيديوهات عبر وسائل الإعلام.

 

رد المنظمة التي بنت المشروع المتضرر

بدوره قام موقع تلفزیون سوریا بالتواصل مع المهندس نزیه الصلیبي العامل في المكتب الهندسي لمنظمة IHH والمشرف على تنفیذ عدة مشاریع، من بینها مشروع مخیم شهداء ترملا المتضرر.

وأوضح المهندس الصلیبي أن مشروعهم عبارة عن مشروع استبدال لمساكن النازحین من خیام إلى أبنیة إسمنتیة لتكون نواة لمنازل یقیم فیها النازحون ويكملون بناءها حسب إمكانياتهم المادية، ویضیف بأن المنظمة لا تقوم باستملاك أو شراء أو استئجار الأراضي التي تقوم علیها المخيمات بل یقتصر عملها على بناء الغرف الإسمنتیة وسقفها بالعوازل وتركیب الأبواب والنوافذ فقط.

وقال المهندس بأن المنظمة تتفق مسبقاً مع المستفيدين على أن يكون تجهیز البنى التحتیة للمشاریع على عاتق المستفيدين، وأضاف أن منظمة IHH تعمل على مشروع بناء 15 ألف منزل انتهت من تجهیز 9 آلاف منزل منها حتى الآن وأن الأضرار والانهيارات لم تحصل إلا في 200 كتلة سكنية فقط.

كما أضاف بأن معظم حوادث الانهيار حصلت في منازل انتهت المنظمة من بنائها ولم یتم تسلیمها للنازحين المستفيدين أو لم یكونوا موجودين فيها خلال العاصفة المطریة، وعزا المهندس الصلیبي السبب إلى تجمع كمیات كبیرة من المیاه یصل وزنها إلى ما یقارب خمسة أطنان على ظهر العازل مما أدى لسحب الجدران نحو الداخل وحصول انهیارات أفقية في المباني بخلاف ما تحدث عنه النازحون من حدوث انهیارات شاقولیة لأسباب تتعلق بالبناء والتربة وغیرها، وقال المهندس بأن المنازل التي یوجد فیها أصحابها قاموا برفع العوازل لمنع تجمع المیاه فیها ولم تحصل أیة انهيارات أو أضرار وأكد على أن المنازل المتضررة خالیة بدلالة عدم حدوث أي إصابة بشریة.

وبالحدیث عن مخیم شهداء ترملا أفاد المهندس نزیه الصلیبي بأن سكان المخیم تقدموا إلى المنظمة بطلب بناء لاستبدال الخیام بكتل إسمنتية وأن المنظمة قامت بالكشف على الموقع ورفضت تنفیذه كون الأرض عبارة عن سفح جبل ومن ثم قام النازحون بتحویلها إلى مساطب جبلیة متدرجة عبر حفر ونقل الصخور والأتربة وكرروا تقدیم طلبهم إلى المنظمة التي كررت كشفها على الموقع وأوضحت للمستفيدين وجود أخطاء في إنشاء المساطب، ومن ثم بدأت المنظمة بتنفیذ مشروع الاستبدال بعد مناشدات كبیرة من النازحین.

وأكد المهندس على قیامه بإجراء زیارات دوریة إلى موقع المشروع لكن موجة النزوح الأخیرة مطلع العام الحالي وتأثیرات فایروس كورونا على تركیا أجبرت المنظمة على تخفیض أعداد كوادرها ونشرهم على عدد أكبر من المشاریع بالاضافة للإسراع بتنفیذ المشاريع لاستيعاب أعداد النازحين الكبيرة، كما أكد وجود مندوبین عن النازحین قاموا بمتابعة المقاولین خلال عملیة التنفیذ ورفع تقاریر دوریة للمنظمة التي كانت تستجیب على الفور لتقاریرهم.

كما أفاد المهندس بأنه حذر المندوبین من السماح للمقاولين بالبناء في بعض الأماكن ضمن المشروع لخطورتها، لكنهم كانوا یبنون فیها بذریعة صغر مساحة الأرض وكثرة أعداد العائلات النازحة.

كما تحدث عن قیامهم بزیارة موقع المشروع وإجراء الكشوف الهندسية وصیانة الكتل المتضررة قبل تسلیمها للمستفيدين.

وأكد على سعیه لإنشاء بنى تحتیة لمشروع مخيم شهداء ترملا لكن المیزانیة لم تسمح بذلك وأضاف بأنهم رفعوا تقییماً بالأضرار الحاصلة في المخیم والتي نجمت عن أسباب خارج نطاق عملهم وأنهم سیقومون بإجراء الصیانة اللازمة لها.

 

تحذيرات من المختصين وتخوف من النازحين

أما المهندس المدني سارية بيطار فاعتبر بناء الكتل الإسمنتية دون الاهتمام بالبنى التحتية إهدار للمال لا أكثر، وقال البيطار: كل مشروع بحاجة لبنيته الهندسية الخاصة به بحسب طبيعة البناء المراد تشييده، ويجب ألا يكون الهدف مجرد رفع وإقامة جدران، بل يجب دراسة المشروع وتجهيز البنى التحتية الخاصة به لضمان ديمومة البناء وسلامته وسلامة قاطنيه.

واعتبر المهندس بيطار أن البنى التحتية تمثل ما نسبته 70% من أي مشروع سكني لأهميتها في استمرارية الأبنية، كما اعتبر أن المياه هي العدو الأول للأبنية السكنية ومن الضروري عزل المياه عن قواعد وجدران المباني وأن ذلك لا يتطلب الكثير من التكاليف، بل يتطلب الدراسة والتجهيز المسبق قبل البدء بتشييد البناء.

واختتم المهندس سارية البيطار حديثه لموقع تلفزيون سوريا بأن المباني التي يتم تشييدها دون بنى تحتية لا تحتاج لأكثر من عامين كحد أقصى حتى تظهر فيها المشكلات والعيوب.

بدوره اعتبر محمد حلاج مدير فريق منسقو استجابة سوريا والذي يعمل مهندساً أيضاً، أن بناء الكتل السكنية بهذه الطريقة غير منطقي بسبب عدم وجود عتبات بيتونية تحمل الجدران، وتحدث عن ضرورة إنشاء عوارض حديدية (جملون) على السقف كي لا يكون مستوياً ولا تتجمع المياه على سطحه وتسبب انهيارات في الجدران.

كما تحدث حلاج عن رداءة أنواع مواد البناء التي استخدمتها عدة منظمات في المشاريع السكنية التي أقامتها مؤخراً في الشمال السوري، بالإضافة لاستخدام تلك المنظمات لحشوات إسمنتية ضعيفة في البناء، وحذر حلاج من خطورة حدوث انهيارات أخرى مع استمرار تساقط الأمطار خلال فصل الشتاء.

وقال حلاج موجهاً حديثه للمنظمات: الأولى إيقاف هذه المشاريع على الفور، وايقاف إنفاق الأموال فيها بلا جدوى، والتوجه إلى أراضٍ أخرى ودراسة طبيعتها لإنشاء بنى تحتية بشكل سليم فيها ثم بناء مشاريع ذات ديمومة لإسكان النازحين.

أما أمينة الحاج عمر النازحة من ريف إدلب الشرقي فأعلنت انسحابها من المخيم الذي ينوي أهل قريتها بناءه عن طريق إحدى المنظمات بسبب حوادث الانهيار التي حصلت في مخيمات أخرى وأضافت قائلة: أفضل البقاء تحت هذه الخيمة على أن أسكن في غرف إسمنتية تنهار فوق رأسي وأنا نائمة، فهذه الخيمة حتى لو انهارت فهي لن تقتلني كما الجدران الإسمنتية، وأضافت أمينة بأنها دفعت مبلغ مئة دولار عندما اشترى أهل القرية الأرض وأن عليها دفع مئة أخرى مع قدوم المنظمة وبدء تنفيذ المشروع، لكنها ستتصل بالقائمين على فكرة المخيم الإسمنتي علّها تبيع حصتها من الأرض وتستعيد المئة دولار التي دفعتها.

ومن جهتها قالت حكومة الإنقاذ لموقع تلفزيون سوريا عبر مدير علاقاتها الإعلامية ملهم الأحمد إنها تمارس رقابة على أغلب المشاريع التي تقوم بها المنظمات التركية في الشمال السوري، لكن ما حصل من أخطاء سابقة كان نتيجة ضخامة أعداد النازحين خلال العملة العسكرية الأخيرة وانتشار المخيمات العشوائية وإيلاء الأهمية للاستجابة للنازحين عبر تقديم احتياجاتهم الأساسية، حيث تم التواصل المباشر بين النازحين والمنظمات وإقامة المشاريع في مناطق غير مناسبة، وكما أضاف الأحمد بأن حكومة الإنقاذ تشرف حاليا على جميع المشاريع ابتداءً من اختيار الموقع المناسب ومنح الرخص اللازمة، وانتهاء بتسليم المشاريع للنازحين وتمارس رقابتها على عمل المنظمات والمقاولين.

وتكررت حوادث انهيار الكتل السكنية التي بنتها المنظمات في عدد من المخيمات كمخيمي كلبيد ورأس الحصن بريف إدلب الشمالي مما لاقى سخطاً كبيراً في أوساط النازحين الذي عقدوا الكثير من الآمال على هذه الأبنية السكنية الإسمنتية والتي كانوا يعتقدون أنها ستنقلهم إلى حياة أفضل خاصة في فصل الشتاء الذي يمثل كارثة كبرى للنازحين في مخيمات الشمال السوري.