لماذا انحاز عابد فهد للأسد فيما انحاز مكسيم خليل للإنسان

2019.04.10 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في فيديو لايجب "في رأيي" أن يكون صادماً، ظهر الفنان عابد فهد أثناء تكريمه في إحدى الجوائز الفنية ليهدي جائزته إلى الجيش السوري والجيش اللبناني رمزَي الصمود والتحرير. عابد فهد الذي حافَظَ على موقف حيادي خلال السنوات الماضية، يخرج اليوم ليحدد موقفه تماماً ويحيي الجيش الذي قتل مئات آلاف السوريين وشرد أكثر من نصفهم داخل سوريا وخارحها. عابد فهد الذي يعتبر من أهم الممثلين السوريين وأكثرهم أدواراً. 

وكـ رد على ظهور عابد فهد في هذا الفيديو، تداول ناشطون وفنانون سوريون يعلنون موقفاً معادياً لنظام الأسد، فيديو نُشر قبل سنوات للفنان السوري مكسيم خليل وهو يهدي جائزته أثناء تكريمه في حفل فني إلى المعتقلين السوريين في سجون النظام. فنانون ومثقفون وأطباء وحرفيون وفلاحون، تحدث  مكسيم باسمهم وقال إن مكانهم يجب ألا يكون داخل تلك السجون المظلمة. 

خلال هذا السجال، تذكرت كيف ازدهر الفن في سوريا قبل الثورة إلى مستوى قياسي، حيث أصبح الفنانون السوريون نجوماً على مستوى الوطن العربي، وبدأ بعضهم يدخل عالم هولويود أمثال غسان مسعود وجهاد عبدو. وأصحبت اللهجة الشامية عابرة للحدود ومن أكثر اللهجات انتشاراً في الوطن العربي بفضل تلك المسلسلات والدبلجات التي حصلت لمسلسلات تركية (سنوات الضياع-نور..) ومسلسلات أجنبية. رغم ذلك كله انحاز فنانون كـ مكسيم خليل ويارا صبري وعبد الحكيم قطيفان ومي سكاف وسميح شقير وغيرهم إلى الثورة السورية، ثورة الكرامة والعدالة والحرية، مضحّين بامتيازاتهم ومكتسباتهم في سبيل هذا الموقف الإنساني النبيل. في حين اتخذ الكثير من الفنانين موقفاً رمادياً كعابد فهد وزوجته زينة يازجي. ومن نافل القول إن فنانين آخرين كان لهم موقف لا يختلف عن موقف الشبيحة، فقد دعوا لقتل المتظاهرين والتخلص منهم بأي وسيلة، واصطفوا تماماً مع بشار الأسد ونظامه، كما فعلت سلاف فواخرجي وزهير رمضان والممثلة رغدة و..

ما لا يمكن تجاهله، أن نظام الأسد وفر بئية لا بأس بها للعمل الفني حتى وصل إلى هذه المرحلة من التأثير والشهرة، في حين فشلت الثورة السورية في صناعة بيئة حاضنة لأولئك الفنانيين المتمردين على الأسد والرافضين للاستبداد والظلم. فلم يجدوا مكانهم المناسب في المدن المحررة، ولم يستطيعوا مزاولة أعمالهم وفنونهم، مما اضطرهم لعدم التفكير بالعيش في هذه المدن التي تحسب على الثورة السورية. (هنا يمكننا الحديث عن ظروف كثيرة منعت تشكيل تلك البيئة المناسبة للعمل الفني، أهمها ربما الثقافة الدينية السائدة التي تعتبر هذه المهنة معيبة أخلاقياً ولا ينبغي الاقتراب منها. أيضاً يجب علينا ألا نغفل أنّ سياسة النظام في الاعتقال وتفريغ الثورة السورية من عقولها ومواهبها، ثم أسلمة الحراك المسلح لاحقاً والسيطرة عليه من قبل التيارات الجهادية، الأمر الذي جعل من هذه الأعمال أشبه بالانتحار لأصحابها).

ولابد لنا أن نذكّر أن السنة الأولى للثورة كان فيها من الطاقة الفنية والإبداعية الشيء اللافت، أعمالاً فنية وأغنيات حرّكت مئات الآلاف من السوريين ودفعتهم للاستمرار والصمود في وجه آلة النظام المفرطة في العنف، أهمها ربما أغاني سميح شقير ووصفي معصراني، وأهازيج الساروت وفدوى سليمان في حمص.

المصلحة هي ما دفعت الكثيرين للاصطفاف مع النظام والتشبيح لصالحه

من المؤكد أن إهداء عابد فهد جائزته للجيشين السوري واللبناني أمر مزعج بعد سنوات من ادعائه الحيادية، ولكن علينا أن نتخيل موقفه تماماً في سياق الحفاظ على المصلحة والمستقبل الشخصي الذي يسعى هو أن يطورهما بغض النظر عن القيم والأخلاق ومئات آلاف السوريين الذين تم قتلهم تحت التعذيب في سجون نظام الأسد. المصلحة هي ما دفعت الكثيرين للاصطفاف مع النظام والتشبيح لصالحه، ومنعت الكثيرين في الوقت نفسه من إعلان موقف واضح من النظام ومن الثورة السورية.

ما يجب الاهتمام به حقيقة هو ما نمثله نحن من قيم وثقافة من المفروض أن تلبي حاجات مجتمعنا وشرائحة كاملة. ثقافة وقيم يلبيان تطلعات شبابنا وآمالهم وتوفر لهم البئية الحاضنة لتطوير مواهبهم وإبداعاتهم. 

فعندما تكون الموسيقا والنحت والرسم والرقص الفلكلوري والتمثيل والغناء من المحرمات، أو من المكروهات أو من الأمور المعيبة في المجتمع، مدعومة بفتاوى من المرجعيات الدينية، فلا يمكن أن نتحدث عندها عن فن وتلفزيون وراديو. نحن نتحدث حينها عن حلقات إنشاد خاصة بالذكور وحلقات أخرى خاصة بالإناث لا يوجد فيها أي آلة موسيقية سوى الدف. أو عن قنوات دينية وإخبارية ستفشل قبل انطلاقها حتماً. وبالتالي ينبغي علينا أولاً وقبل أي شيء أن نسأل أنفسنا لماذا لم تستطع الثورة تأمين بيئة آمنة لعمل الفنانين الذي انحازوا لقيمها، ولماذا لم تستطع استقطاب عشرات الفنانيين الذين اتخذوا موقفاً حيادياً لسنوات. علينا أن نجيب عن سؤال المصالح الشخصية في نفس الوقت الذي نتحدث فيه عن القيم والإنسان. فليس كل الناس سواسية في القدرة على اتخاذ مواقف مبدئية جرئية من دون خوف من تبعاتها كما فعل مكسيم خليل ويفعل عبد الحكيم قطيفان بشكل واضح.

من المؤكد أن بعضا أو كثيرا من أولئك الفنانين الحياديين كان يمكن أن يكونوا في صف النظام أو صف الثورة فيما لو توفرت ظروف إضافية تخدم مصالحهم، وربما يكونون أقرب إلى أحدهما من حيث المبدأ، ولكنهم كما الكثير من السوريين الحياديين كانوا يراقبون الطرفين، وهم ينتظرون لحظة انتصار طرف حتى يعلنوا له الولاء، طائعين أو مكرهين. والذي انتصر اليوم من وجهة نظرهم هو الأسد الذي يؤمّن لهم بيئة تمكنهم من متابعة أعمالهم، وبالتالي لا مانع من إعلان الولاء والوفاء وتقديم قرابين الشكر للجيش وحلفائه الذي حموا الوطن من المؤامرة الكونية ومن الإرهابيين والمندسين والعملاء. لتعود لبعضم الأمجاد الشخصية والشهرة العابرة للحدود. 

أما لو انتصرت الثورة على سبيل المثال، فتلك حكايةٌ أخرى، فربما ستبدأ معركة من شكل آخر، سيخوضها الكثير من السوريين كما يخوضونها الآن. معركة من أجل مفاهيم ورؤى جديدة للدين والحياة، وإعادة التفكير في الكثير من العادات والتقاليد التي كانت تحكم المجتمع وتقيد إبداعات شبابه من الذكور والإناث على حدٍ سواء. معركة من النوع المدني الذي يهدف إلى مزيد من التعارف وقبول الآخر وخوض تجارب جديدة كانت يوماً ما من المحرمات.