لا خلاص فردياً في سوريا

2021.07.05 | 06:22 دمشق

mrwan18.jpg
+A
حجم الخط
-A

في سوريا، الحل "السوري - السوري" هو طريق الخلاص؛ ولكنه للأسف أضحى متعذرا لأسباب تخصّ السوريين، وأخرى خارجة عن إرادتهم، وثالثة نتيجة تفاعل بين الأمرين. فكيف الخروج من هذه المحنة في ظل هكذا عطالة سياسية وضياع وطني؟!

يعتقد والأصح يتوهّم بعضهم (بحكم مبدأ الإيمان بالرأس "المدبر الحكيم الراشد القائد المقرر المخلِّص") أن المسألة تكمن بغياب أو حضور ذلك الفرد أو الأفراد. ومن هنا ساد الإصرار أو الاستفسار والبحث عن "بديل" حاكاه واستثمر به كل مَن يريد أن يكرّس الفردية والدكتاتورية في سوريا؛ والتي كان حافظ الأسد قد عمل عليها، وكرّسها لعقود. ومن هنا اعتبرها وأرادها بوتين وأشباهه السلاح الأمضى في تعطيل أي حلٍ وفي تكريس الكارثة.

سوريون كُثُر في ضفة "النظام" عضوياً منشغلون ببقاء الجلاّد فقط. فالحاكم بالنسبة لهم تحوّل إلى شبه "إله" بفعل الظلم والاستبداد؛ فليس غريباً أن تسمع بهيميّ يجبر معتقلا على القول: "لا إله إلا بشار". ففي ظل سلطة تستشرس وتتغوّل باستباحة الإنسان "المواطن"- إن هو انتفض أو ثار أو حتى قال "لا"- المصير هو الاعتقال أو القتل تحت التعذيب أو تدمير البيت أو التشريد؛ ليعرف أنه في "سوريا الأسد"؛ وعليه قبول الفقر المدقع، وأمراء الحرب والعصابات والمخدرات والاحتلالات. وإن لم يرقه ذلك ليخرج من "سوريا الأسد"، أو يختار رذيلة "الإدارة الذاتية الانفصالية"، التي تشجعها "سوريا الأسد" كي تدينها كدعوة انفصالية تقسيمية عميلة لا وطنية، وتستمر بتكريس "سوريا الأسد" كدولة "المقاومة الممانعة الوطنية". هناك على تلك الضفة أيضاً مَن هاجسه مجرد البقاء؛ فيضطر للمداراة، والهروب أو التهرب، وتحمّل الإذلال من أجل السلامة أو لقمة العيش؛ حيث النجاة الفردية سيدة الموقف، والضياع هو المصير.

ضمن هذا الضياع يجدون منظومات "معارضاتية" تكلّست، مصابة بداء الإقصاء وانفصام الرؤية، وضياع جوهر القضية

وفي الضفة المقابلة يبحث السوريون عن أنفسهم وعن فرد أو "رمز" أو مجموعة أو "لوبي"؛ لحمل قضيتهم والمرافعة عنها باقتدار داخلياً وخارجياً. يبحثون عن بلد وحياة تتسرّب من بين أصابعهم وأرواحهم. يبحثون عمّن يوقف محاولات منظومة الاستبداد طمس جريمتها وإعادة تكرير ذاتها. وضمن هذا الضياع يجدون منظومات "معارضاتية" تكلّست، مصابة بداء الإقصاء وانفصام الرؤية، وضياع جوهر القضية. ويجدون إرهاصات بعضها طيب وفاعل يحاول لم الشمل المبعثر، والتأثير لإبقاء القضية حيّة وتغيير قواعد اللعبة السياسية.

لا يمكن لمشروع خلاص أن يرى النور، والبعض يرى في رئيسه "إلهاً"؛ وخاصة إذا كان بالدليل القاطع قد ذهب إلى ما هو دون إنساني أو أخلاقي تجاه أمانة في عنقه، أقسم عليها. وليس مَن خرج للحرية جزءاً من مؤامرة على "نظام الممانعة والمقاومة"- كما برمجته آلة الكذب- ولا يستقيم مشروع، والبعض يرى في مَن خرج على الطاغية والظلم والاستبداد "خائناً أو عميلا". وعندما تكون سوريا لكل السوريين في مواطنة حرة متساوية تحكمها قوة القانون لا قانون القوة، لا "سوريا الأسد" ينتهي القهر والإذلال والإفقار والقتل والتدمير والتشريد والاعتقال والحصار والتقسيم والاحتلال. وبالمقابل ليست عقدة الثورة إيجاد الفرد القائد الرمز؛ ولا يليق بها استنساخ ما ثارت عليه، ولا التكلّس والإقصاء وفتح دكاكين معارضة مبعثرة ينجز مشروع خلاص.

ضمن هذا الضياع، يجد السوريون أنفسهم في دوّامة وحيرة يوشحها الإحباط؛ فتختلط الأسباب بالأعراض بالتجليات بالنتائج بالفاعلين بالمفعول بهم؛ ليغدو حمْلُ البوصلة ورسمُ الخطة وتحديدُ الهدف وآليات العمل ضروباً من شبه المستحيل.

إذا كان وراء ما حدث في سوريا في ذهن مَن هو على ضفة النظام عضوياً أو شبه عضوي، "مؤامرة" على نظام الممانعة والمقاومة، و"خيانة" مَن ثار أو عارض؛ و"الخلاص" يكون باستمرار "القائد الذي صمد لعشرة أعوام"، و"تدبُّر" الحال كيفما كان في ظل الحصار؛ وإذا كان في ذهن الثورة و"المعارضة" رزمة من الأهداف تتراوح بين "إسقاط الأسد" ورفع الظلم و"تصويب" الأيديولوجيات"، والخلاص من "الاحتلالات"، و"تفعيل المجتمع الدولي للمساعدة في عودة الوطن"؛ فكيف توفّق بين كل هذه الأطياف من الشروخ والمتناقضات؟ وما السبيل للخروج من هذه الدوامة والانتقال إلى الجوهر الحقيقي للقضية وسبل الوصول إلى إعادة سوريا وأهلها إلى سكة الحياة؟

لا بد من العودة إلى القضية الجامعة والانطلاق منها لتجاوز الشروخات والنزعات والتباينات والتناقضات على كل المستويات

لا بد لأي فرد أو قامة وطنية أو تجمع أو مجموعة أو منصة ثورة أو معارضة من ظهر أو قيادة أو مرجعية وطنية مقنعة واضحة ذات مصداقية؛ تعمل بهدي جوهر القضية السورية؛ ترى المواطنة القيمة الأعلى في عيش مشترك؛ وتكون البديل الوطني لكل نزعة انفرادية أو انفصالية؛ تتجاوز سلطات الأمر الواقع المريضة؛ تحتمي بإرادة الشعب لا بإملاءات الاحتلالات؛ لا تستجدي حلاً من أميركا وأوروبا، أو مساومة مع روسيا وإيران أو حتى تركيا- رغم حملها ثلث سكان سوريا.

لا بد من العودة إلى القضية الجامعة والانطلاق منها لتجاوز الشروخات والنزعات والتباينات والتناقضات على كل المستويات؛ عبر تحديد الأولويات واستراتيجيات مقاربتها، في مشروع وطني جامع جوهره المصلحة العامة، التي تقوم على الحرية المسؤولة وسلطة القانون الرشيدة والمساواة الكريمة في ظلها؛ وذلك هو أساس السلام والاستقرار والازدهار. هذا الذي يوقف الاستبداد وغطرسة سلطات الأمر الواقع ويمنع التقسيم ويعيد اللاجئين، ويُطلق عملية إعادة الإعمار ويُخرج الاحتلال؛ إنه الارتكاز على المصلحة الكبرى الجامعة المانعة. فلا نجاة فردية في سوريا، ولا نجاة لمجموعة على حساب أُخرى أو وطن.