icon
التغطية الحية

كيف يؤثر سوء التغذية على النمو العقلي للأطفال في الشمال السوري؟

2023.02.21 | 13:55 دمشق

سوء التغذية لدى أطفال شمال شرقي سوريا
أطفال سوريون يعانون من سوء التغذية
+A
حجم الخط
-A

رغم أنّ الطفل إياد العلي الذي تسكن أسرته في أحد مخيمات منطقة عفرين شمال غربي سوريا، يبلغ من العمر ثلاث سنوات، فإن حجمه ووزنه يوحيان بأنّ عمره سنة واحدة فقط، وهو ﻻ يتوقف ﻋﻦ البكاء وعيناه ﻏﺎﺋﺮﺗﺎﻥ وبشرته شاحبة.

أحمد العلي - والد الطفل - يقول إنه راجعَ طبيب الأطفال أكثر من مرة للاطلاع على حالة إياد، إلا أن الطبيب أكّد له أن سوء التغذية الذي يعاني منه طفله وصل إلى مستويات حادة جداً، أدّت إلى تأثيرات في الدماغ والخلايا المسؤولة عن النمو بشكل عام.

حالة إياد ليست الوحيدة، إذ تنتشر مئات الحالات المشابهة في مناطق الشمال السوري، إذ بلغت نسبة الفقر في هذه المناطق أكثر من 88% بحسب إحصائية نشرها فريق "منسقو استجابة سوريا"، أواخر العام الماضي.

ماذا يعني سوء التغذية؟

تُعرِّف المصادر الطبية سوء التغذية بأنه الحالة التي تضعف فيها الوظيفة الفيزيائية للإنسان لدرجة لا يمكن معها الحفاظ على العمليات الجسدية كالنمو، والحمل، والإرضاع، والجهد البدني، ومقاومة الأمراض والشفاء منها، ولـ سوء التغذية بشكل عام أربع مراحل: الأولى بسيطة والثانية متوسطة والثالثة شديدة والرابعة تكون شديدة ومختلطة.

أما بالنسبة للأطفال فسوء التغذية الحادّ والشديد يحصل في الحروب والكوارث والمناطق الضعيفة الموارد، وهو يسبّب نقصاً شديداً في جميع العناصر الضرورية للنمو الجسدي والعقلي للأطفال.

أسباب سوء التغذية

يعدّ عدم كفاية الطعام المتناول بالنسبة للأم أولاً وللطفل بالمرتبة الثانية من أهم عوامل سوء التغذية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية التي يعاني منها السكان في الشمال السوري، إذ أكد فريق "منسقو استجابة سوريا"، أنّ نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع بلغت أكثر من 38% في مناطق شمال غربي سوريا.

وفي هذا السياق يؤكّد طبيب الأطفال في إحدى مشافي إدلب إياد الخطيب، أنّ السبب الرئيسي لحالات سوء التغذية عند الأطفال هو سوء تغذية الأمهات، فعندما تكون الأم تغذيتها سيئة سيكون حليبها غيرَ كافٍ، لذا ستضطرّ إلى إعطاء طفلها أغذية غير مناسبة له في أوقات مبكرة، ما يؤدّي إلى دخول الطفل بمشكلات سوء التغذية.

ويضيف "الخطيب" لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ انتشار الخزعبلات والأمور التي ليس لها أساس من الصحة مثل: أن (حليب الأم لا ينفع الطفل أو قد يضره) بناء على رأي من أحد الصيادلة أو بعض الأشخاص الذين لا علاقة لهم بطب الأطفال، ففي هذه الحالة سيكون هناك إيقاف لـ حليب الأم بناء على هذه الآراء الخاطئة.

ويتابع: "هذا الإيقاف سيؤدي إلى حدوث اختلاطات لدى الطفل، واضطراره إلى الحليب الصناعي الذي لا يتوفر غالباً في الشمال السوري، مما يزيد من إمكانية إصابة الأطفال بسوء التغذية".

تأثير سوء التغذية على النمو العقلي:

مما لا شك فيه أن تناول نظام غذائي صحي وشامل لكل العناصر الغذائية مهم للنمو والتطور، إلا أنّ بعضاً من عوامل النمو والمواد الغذائية تؤثر على نمو الدماغ للطفل وتطوره أكثر من غيرها، وقد يظهر تأثيرها منذ أن يكون جنيناً في بطن أمه وحتى بعد الولادة وخلال مراحل الطفولة.

وبحسب عبد الله السيد مصطفى - أحد مشرفي التغذية في مدينة اعزاز شمالي حلب - فإنّ الدماغ الذي ينمو بشكل سريع في هذه المراحل هو أكثر عرضة للضرر إذا لم يحصل على الكميات الكافية من العناصر الغذائية اللازمة، فنجد بعض المناطق في الدماغ تتأثر بشكل كبير بنقص عنصر معيّن أكثر من غيره، مثل تأثر القشرات السمعية والبصرية، ومنطقة الحصين المسؤولة عن عمليات النطق والذاكرة ومن هنا تظهر أهمية التغذية في تحديد مسار النمو العقلي والبصري السليم للطفل.

وهنا يؤكّد الطبيب إياد الخطيب أن نقص الفيتامينات والمعادن والسكريات عن خلايا الجسم عند الطفل نتيجة سوء التغذية سيؤدي بالضرورة إلى نقص هذه العناصر في خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى بطء في نمو الدماغ، وهذا سينتج عنه تأخر التطور العقلي والتطور الروحي عند الطفل، كأن يصبح الطفل مثلا ضعيف الاستجابة للمؤثرات حوله أي يصبح جامداً.

ويرى الطبيب محمد العيسى المختص بعلاج الأطفال في مشفى الباب شرقي حلب، أنّ سوء التغذية يسبّب نقصاً في الحديد وفيتامين B12 وحمض الفوليك التي بدورها تسبّب فقر دم، والذي يترافق مع أذيّات عصبية غير قابلة للتراجع.

ويضيف "العيسى" أنّ النقص في عناصر الغذاء الأساسية يؤدي إلى نقص مناعة الجسم فيصبح عرضة للأمراض الفيروسية والجرثومية، والتي تسبب تراجعاً في إمكانات الطفل الذهنية والمعرفية.

مظاهر تأثير سوء التغذية على النمو العقلي:

تبرز مظاهر سوء التغذية عند الأطفال بشكل واضح في نقص الوزن والحركة، إضافة إلى الكسل والخمول، وعدم التفاعل مع المؤثرات الاجتماعية كالأصوات والإيماءات.

ويضرب الطبيب إياد الخطيب مثالاً على ذلك، قائلاً: إنّ هناك ترابطاً بين عمر الطفل ووزنه، بمعنى أنه إذا كان عمر الطفل 4 أشهر ووزنه 3 كيلوغرامات فقط (وزن الطفل عند الولادة)، فهذا يعني أنّ لديه نقصا حادا في التغذية بالنسبة لأعضاء الجسم، وبالتالي هذا سيؤثر على حجم الدماغ الذي سيكون بهذه الحالة بعمر شهر.

ويشير "الخطيب" إلى أنّ أبرز مظاهر سوء التغذية عند الطفل، النحول و"القزامة" (نقص الطول) والذي من الممكن أن يشكّل حالة وراثية تنقلها الأم لأبنائها، إضافة إلى مشكلات في الجلد والشعر.

إحصائيات ظاهرة سوء التغذية

يوضّح الطبيب محمد العيسى، أنه لا توجد إحصائيات أو دراسة عن هذه الظاهرة بالتحديد؛ لأنّ ذلك يتطلب خبرات معينة ووقتاً طويلاً لمراقبة التطور الروحي الحركي في المراحل المختلفة لـ نمو الطفل، وهذه الأدوات ما زالت غير متوفرة في الشمال السوري.

ولكن بحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تموز 2020، فإنّ كل ثلاثة من عشرة أطفال في شمال غربي سوريا تحت سن الخامسة، يعانون من التقزم، بسبب سوء التغذية.

يذكر أن منظمة "يونيسف" ذكرت، في آذار 2021، أن مرور عقد على الحرب والظروف الإنسانية في سوريا خلّف "أثراً مريعاً" على الأطفال والعائلات السورية، إذ يعاني أكثر من نصف مليون طفل سوري دون سن الخامسة من "التقزم" نتيجة سوء التغذية المزمن، في حين يحتاج 90% من الأطفال إلى المساعدة الإنسانية الفورية الغذائية والصحية.