icon
التغطية الحية

كيف ترتبط تحركات روسيا في سوريا باستراتيجية موسكو في أوكرانيا؟

2022.01.28 | 12:19 دمشق

طائرة تابعة للجيش الروسي
طائرة تابعة للجيش الروسي
ألمونيتور - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يواصل الكرملين الضغط على الغرب مطالباً إياه بضمانات أمنية مستحيلة في أوروبا، مع قيامه بزيادة تعداد الجنود بالقرب من أوكرانيا، فضلاً عن إجراء تدريبات عسكرية الواحدة تلو الأخرى. ولهذا تدخل سوريا في تكتيكات بوتين ولو تم ذلك بصورة غير مباشرة.

أعربت إسرائيل عن قلقها بعدما نفذت طائرات عسكرية سورية وروسية دورية مشتركة في 24 من كانون الثاني ضمن المجال الجوي لسوريا، والذي شمل منطقة مرتفعات الجولان. واليوم يحاول جيش الدفاع الإسرائيلي أن يكتشف من خلال مسؤولين روس السبب الذي يدفع روسيا لتنظيم دوريات على الحدود الجنوبية لسوريا. بيد أن التفسير الثاني يدور حول الفكرة القائلة إنه في خضم التوتر من أجل أوكرانيا، تقوم موسكو بإرسال إشارة لحلف شمال الأطلسي مفادها بأن مقدراتها العسكرية تشمل الشرق الأوسط.

كما نظم الجيش الروسي دوريات برية خلال تلك الأسابيع، وبدأت قيادة قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا بشن غارات على مدار الساعة عند مرفأ اللاذقية وذلك مع ظهور خطر عودة الهجمات الإرهابية. إذ بحسب ما ذكره رئيس مركز المصالحة التابع للجيش الروسي في سوريا، الأدميرال أوليغ زورافليف، فإن تلك المبادرة لها علاقة بمناشدة أتت من دمشق ومن أفرع المخابرات لدى النظام، لذا في 15 من كانون الثاني، أجرى ضباط روس تدريبات مشتركة مع قوات النظام التابعة لوحدة الدفاع الجوية.

قد تكون تلك الإجراءات موجهة لإسرائيل بحسب اعتقاد بعض الخبراء. ففي شهر كانون الأول الماضي، نفذ جيش الدفاع الإسرائيلي هجومين في محيط ذلك المرفأ، وذلك على مسافة تبعد 20 كلم عن قاعدة حميميم. ومنذ عام 2018، لم ينفذ الإسرائيليون أي هجوم على مواقع تقع تحت سيطرة الروس، لكنهم اليوم خرقوا هذا الاتفاق الضمني بحسب ما ذكرته صحيفة كوميرسانت الروسية.

وبالطبع يتفهم الجيش الروسي بأن إسرائيل تعتبر تلك الأنشطة على حدودها بمثابة إشارة، ولكن بالمقابل تقوم موسكو بتنفيذ مهمات عملية.

إذ أولاً، بدأت روسيا في الأول من كانون الأول تدريباتها الشتوية المخصصة لجنودها، وقد شملت تلك المناورات الجيش الروسي وقطعات من جيش النظام السوري وجرت في محافظات سورية مختلفة، بينها محافظات تقع في شمالي البلاد.

ثانياً: إن التفسير الرسمي الذي قدمته وزارة الدفاع الروسية حول تنظيم دوريات برية لمنع وقوع هجمات إرهابية مايزال يبدو مجافياً للحقيقة. إذ على الرغم من انتهاء القتال بصورة فعلية، ماتزال أجهزة الأمن التابعة للأسد تفشل في إحباط أي هجوم إرهابي أو تخريبي حتى ذلك الذي يمكن أن يحدث في قلب العاصمة دمشق. وفي تلك الأثناء، ماتزال بانياس الواقعة بين طرطوس واللاذقية تعتبر مركزاً لعمليات التهريب التي يمارسها مدنيون، إذ إن حركة شحن البضائع، التي تشتمل على تمرير شحنات من المخدرات، ماتزال تتم تحت عباءة المخابرات التابعة للنظام في سوريا، لذا من غير المرجح أن يقوم الجيش الروسي بتفتيش بوالص الشحن.

ثالثاً: إن العمليات الجوية المشتركة ما هي إلا مرحلة من العمل على استعادة فعالية القتال لدى سلاح الجو السوري، فطريق الدوريات الجوية لا يقع فقط بالقرب من مرتفعات الجولان، بل أيضاً فوق الشمال السوري الذي يضم نهر الفرات، حيث تقلع الطائرات الروسية من قاعدة حميميم الجوية، في حين يستخدم جنود النظام مطاري سيكال والضمير.

والأهم من ذلك هو أن الجيش الروسي قد خرج بفكرة التدريبات الجوية المشتركة القائمة على تسيير دوريات لمنع إسرائيل على الأرجح من القصف مجدداً على القوات التابعة لإيران. إذ تكرر سماح موسكو للطائرات الإيرانية بالهبوط في قاعدة حميميم وتفريغ شحناتها القادمة من وجهة مجهولة.

إلا أن روسيا تحاول أيضاً إرسال إشارات واضحة للولايات المتحدة وحلفائها، ففي 20 من كانون الثاني، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تدريبات بحرية شملت أكثر من 140 سفينة في كامل المناطق الواقعة تحت سيطرة أسطولها، وهذا يعني أنه بحلول شهر شباط يمكن للسفن والغواصات والقوارب والمراكب الداعمة التي أصبحت تتمتع بجاهزية للقتال أن يتم سحبها في الوقت ذاته إلى مناطق التدريب في البحر المتوسط وبحر الشمال وبحر أخوتسك وشمال شرقي الأطلسي والمحيط الهادي.

وفي المستقبل القريب، لابد أن يركز الكرملين على إظهار قوة هائلة غير مسبوقة في البحر المتوسط، لذا، فإن الأسطول الروسي المتمركز في ميناء طرطوس السوري، والمؤلف من 10 سفن، يمكن أن ينضم إليه المزيد من قطعات السفن الحربية الكبيرة. حيث توجهت ست سفن إنزال كبيرة عبر بحر المانش ومضيق جبل طارق نحو البحر المتوسط. كما أن فارياغ حاملة صواريخ كروز التابعة لأسطول حرس المحيط الهادي وسفينة إدميرال تيربوتس الكبيرة المضادة للغواصات، والناقلة البحرية الكبيرة بوريس بوتوما، قد شاركت كلها مؤخراً في ثالث سلسلة مشتركة من التدريبات العسكرية برفقة الصين وإيران في خليج عمان، وهي تتجه اليوم نحو سوريا عبر البحر الأحمر وقناة السويس.

في كل تاريخ الحقبة ما بعد السوفييتية، لم تقم روسيا بأية تدريبات واسعة النطاق كهذه، إذ يبدو بأن موسكو تستعين بالطريقة الكلاسيكية للتصعيد خلال المفاوضات، مما يشير إلى وجود موقف متطرف متطلب، وعدد من المواقف الاحتياطية القائمة على التسويات والتفاهمات. إلا أنه في الحقيقة لم يتضح نوع المساومات والتسويات التي يحتاج الكرملين إليها بالفعل، وذلك بعد ضمه للقرم في عام 2014، حيث أصبحت محاولات السلطات الروسية لتقديم نفسها على أنها قلعة محاصرة غير منطقية.

  المصدر: ألمونيتور