icon
التغطية الحية

كيت وينسليت تجسد تقاطعات شخصية الحاكم المستبد مع شخصيتي بوتين والأسد

2024.03.21 | 15:14 دمشق

آخر تحديث: 21.03.2024 | 15:14 دمشق

الممثلة كيت وينسليت في مسلسل "النظام"
الممثلة كيت وينسليت في مسلسل "النظام"
The Economist - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إيلينا فيرنهام هي رئيسة ذات شخصية متقلبة لدولة لم يذكر اسمها لكنها موجودة وسط أوروبا، وثمة من يحمل هذه الزعيمة في أرجاء قصرها حجرة أوكسجين متنقلة، كما نراها وهي تخاطب جثمان أبيها المحنط. وهكذا، ومع عودة الفنانة كيت وينسليت لأدوار البطولة يذكرنا صوتها الذي يحمل نبرة لعوباً في هذا المسلسل بشخصية فيروكا سولت تلك الفتاة المدللة في فيلم "تشارلي ومعمل الشوكولا". بيد أن السلوكيات الغريبة لشخصية إيلينا وعلاقاتها الغرامية وارتباطاتها كلها قد وثقت في مسلسل "النظام" وهو مسلسل درامي ساخر عن الاستبداد يعرض حالياً في أميركا وقريباً في بريطانيا.

تعبر شخصية إيلينا وبلدها عن تركيبة ذكية لشعوب وبلدان حقيقية، إذ ثمة نقاط تشابه مع النظام الشيوعي في رومانيا تحت حكم تشاوشيسكو والانقلاب السوفييتي الفاشل في عام 1991 عندما كان تلفزيون الدولة الرسمي يعرض فيلم: "بحيرة البجع". كما أن تسريحة شعر إيلينا التي تعتمد على الضفيرة تشبه إلى حد كبير تسريحة شعر السياسية الأوكرانية يوليا تيموشينكو التي أثارت جدلاً كبيراً، إلا أن الشبه الأكبر يقع على روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين، إذ تبدأ أحداث المسلسل بوصول العريف هيربرت زوباك إلى القصر، ونظراً للدور الذي لعبه في إحدى المجازر والذي لم ينسه أحد، لذا فقد أصبح لقبه "الجزار"، وهنا نلمح أول فكرة يقدمها المسلسل وهي أن هيربرت حصل على ترقية ليس فقط بصرف النظر عن الجريمة البشعة التي ارتكبها بل لأنه ارتكب هذه الجريمة بالتحديد، أما إيلينا فهي كغيرها من الحكام المستبدين تدرك بأن الشعب الذي يحس بالخطر شعب مرن، وذلك لأن نظاماً كنظامها يعتمد على الابتزاز المتبادل، حيث يترك كل فرد من أفراد الطبقة الحاكمة قذارته على البقية، ولهذا لا حاجة لوجود شخص شريف بينهم، بل لا بد أن تكون أيادي الجميع مغمسة بالدماء، وهذا تماماً ما حدث عندما استدرج بوتين كبار الشخصيات في حملات الترويج للحرب التي تناقلتها المحطات التلفزيونية.

 

النزوة والسلطة

نأتي الآن لحجرة الأوكسجين المتنقلة، إذ تعاني إيلينا من وسواس مرضي يتمثل بخوفها من الجراثيم، وفي ذلك محاكاة ساخرة للزعماء الذين يقلقون كثيراً حيال سعادتهم ورفاهيتهم في الوقت الذي يهملون فيه شعوبهم. بيد أن نزوات إيلينا فيها ممارسة للسلطة أيضاً، لأنها إن قالت إن الجراثيم السامة قد تسللت إلى قصرها يصبح ذلك صحيحاً، كما أن الجميع يصفقون لها عندما تغني بصوتها النشاز، تماماً كما فعل المتملقون عندما جعلوا بوتين يفوز بمباراة هوكي الجليد.

والهدف هنا ليس دفع الجميع لتصديق تلك الخرافات والأكاذيب، بل إن الهدف يتلخص بإرغام الأتباع على تقبل تلك الأكاذيب رغماً عنهم، وهذا ما يؤكد سلطة المستبد. إذ ليس من المهم أن تصدق إنكار الكرملين لقتل أليكسي نافالني في إحدى معسكرات العمل الروسية، لأنك إن صدقت فستخرب رسالة التخويف التي توجهها تلك الجريمة للناس، بل إن الهدف من وراء ذلك هو إذكاء نار الأذية القاتلة عبر كيل إهانة جديدة للفكر.

المستبدة إيلينا والمستبد بشار

تتوجه إيلينا إلى رعيتها بخطابات متلفزة، فتخاطبهم بعبارة: يا أحبائي، وكما يفعل أي مستبد، تدعي بأن هنالك صلة خفية تربطها بشعبها، وتستند إليهم في محاججاتها كما يستند أي ملك إلى صولجانه، لكنها في الواقع تحتقرهم وتكره لقاءهم، ويقلقها أمر ولائهم لها، تماماً كما يحدث لأي حاكم عندما يمنع قيام أي جدل أو حوار طبيعي.

يقول أحد رجالات الحزب الكبار نيابة عن الشعب: "إنهم يحبون أن يروا أميركا وهي تتلقى لكمة على وجهها"، وكما يحدث في الدول الصغيرة، نرى إيلينا وهي تتأرجح بين مغازلة أميركا والاستياء من التدخل الأميركي، وتحاول أن تحرض واشنطن على بكين، كما تطلق دعوات غير ناضجة للاكتفاء الذاتي، ولكن حتى عندما تشجب أميركا نراها مستمتعة بثقافة البوب الأميركية، إذ إنها تتابع مسلسل "Friends" دوماً وهي تتناول وجبة العشاء، تماماً كتعلق بشار الأسد بحسابه على iTunes في الوقت الذي يُقصف فيه بلده.

وبعيداً عن التهجم على الغرب، تعتمد إيلينا في نوبة إصلاحية على أسلوبين مستبدين تلجأ إليهما في كل مرة، وذلك عندما تشن حملة ضارية ضد الفساد وتستولي على أراض مجاورة لبلدها من خلال عملية عسكرية لا غزو. أما العقوبات التي تترتب على هذا العمل العسكري فتعني بأنه لم يعد بمقدور أي شخص ناقم من الطبقة المقربة لإيلينا أن يسافر لمصيفه في ميامي. ومع تدهور الأوضاع، يضحي هدف الأصدقاء متمثلاً بحساب الوقت المناسب للفرار، في ورطة عويصة عاشها مستبدان أحدهما حكم مصر والثاني فنزويلا.

 

المسرح وفن الحكم

من الناحية الفنية، ثمة عيوب ونواقص في هذا العمل الذي يحاول عبثاً أن يجعلك تهتم بشخصياته وهي تحاول أن تقلد شخصيات واقعية بطريقة غبية، أما الحوار اللاذع فهو ليس مضحكاً كالحوار الذي نجده في مسلسل: "Succession"، ولكن العمل قد حقق هدفه بالنسبة لموضوع الاستبداد، وذلك عندما صور هذا النوع من السلطة بحد ذاته على أنه شكل من أشكال الأداء الملتوي والمعقد الساعي لتحقيق أغراض أخرى.

"هل يمكن أن يكون ذلك مجرد مسرحية؟!" يتساءل أحد أفراد بطانة إيلينا عندما يتعرض أحد أفراد الطبقة الحاكمة الغنية لإهانة أمام الملأ، لكن في أنظمة كهذه، يعتبر المسرح نمطاً أساسياً من أنماط فن الحكم، حيث لا أهمية للمادة البصرية تفوق أهمية جوهر الأحداث، ثم إن المستبد يستعيض بالمنافسة الطقسية التمثيلية عن المنافسة السياسية (كما حدث في الانتخابات الروسية الهزلية). فالسياسة ما هي إلا محاكاة للديمقراطية، أو مسرحية إيمائية ساخرة تبتلع فيها النكتة الجميع، أي أن الحكم الاستبدادي ما هو إلا مسرحية سخيفة تطرح فكرة خطيرة بطريقة مأساوية.

المصدر: The Economist