كمال جنبلاط .. لماذا اعتبر نفسه صانع الرؤساء؟

2021.12.24 | 05:26 دمشق

355687image1-1180x677_d.jpg
+A
حجم الخط
-A

بني عهد الاستقلال والفترة الأولى للرئيس بشارة الخوري على أساس الميثاق الوطني اللبناني، ولكن رحيل قوات الانتداب، ومواجهة القوى الوطنية للواقع منفردة، أوقع العهد بمشكلة، صارت من إحدى مفردات الخصومة بين الأطراف اللبنانية، وهي الفساد الإداري.

وضع الميثاق طوقا "قوميا" حول الكيان اللبناني وتحركت الطوائف والمجموعات السياسية ضمنه، ولكن البحث عن لبنان إقليميا ظل جاريا، وبدأ بعد الاستقلال النهائي، نشاط سياسي بخلفيات طائفية، أما الفساد فصار عنوانا ملحا حتى تحول إلى أيديولوجيا، وقد يكون التمديد للرئيس شكلا مختلفا من الفساد عندما دعي البرلمان لتغيير الدستور ليتاح لبشارة الخوري الترشح لولاية ثانية، فبدأت شعبية الرئيس بالتناقص ورصيده بالاهتزاز حتى تجرأ مطرب شعبي (عمر الزعني) على طرح أغنية طريفة بعنوان "جدّدلو" يقول مطلعها:

 

جدّدلو ولا تفزع

خليه قاعد ومربع

بيضل أسلم من غيرو

وأضمن للعهد وأنفع

أما الفساد فصار عنوانا ملحا حتى تحول إلى أيديولوجيا، وقد يكون التمديد للرئيس شكلا مختلفا من الفساد

انتشر الفساد في عهد بشارة الخوري وتراجعت كل المشكلات الأخرى إلى الرتبة الثانية وصار الاستثمار في هذه القضية أو محاربتها يلقيان رواجا، وقد اعتُمدت لمحاربته شخصية وطنية شابة قادمة من إرث قديم لآل جنبلاط، فقد ورث كمال جنبلاط موقع ابن عمه حكمت جنبلاط، وأُعطي أهمية وطنية كبرى، منذ اللحظة الأولى لظهوره على الساحة، فتصرف كنجم سياسي متوهج، ورغم صغر حجم الطائفة التي يمثلها والتي يتقاسم زعامتها مع آل أرسلان، استطاع أن يكون في بؤرة الحدث أو صانعا له، أو محركا من محركاته الأساسية، وكانت معركته الأولى ضد "فساد" عهد الرئيس بشارة الخوري، فقاد تكتلا وطنيا متنوعا من الزعامات تحكمت في إيقاع الشارع، ووصلت بعد تسعة أعوام من حكم الرئيس الخوري إلى أن تنتزعه من منصبه، بعد ثورة شعبية قصيرة وبيضاء ساعد في نجاحها انتهاء عهد "بشارة ورياض" معنا، بعد حادثة اغتيال رياض الصلح في عمان بوساطة بعض عناصر الحزب القومي السوري، انتقاما لإعدام زعيم الحزب أنطون سعادة. كانت الثورة معركة سياسية أولى ذات مظهر وطني، ولا علاقة لها بشكل مباشر مع الطوائف أو هوية لبنان، وكسبها جنبلاط تحت عناوين إحلال النزاهة بعد أن أصبح العهد السابق كله فاسدا..

حينئذ كانت الصحف تسمي كميل شمعون "فتى العروبة الأغر"، فقد بنى جسرا قويا من العلاقات مع المسؤولين العرب، بفضل منصبه السابق كوزير للخارجية، ثم استثمر موقعه كأول وزير مفوض في لندن بتسويق نفسه في الدوائر الغربية، فتقدم على كل المرشحين لخلافة الخوري بمن فيهم شخصية وطنية مرموقة تدعى حميد فرنجية. استخدم شمعون ورقة مهمة ليلعب بها قبل الانتخابات بثلاثة أيام حين زار قرية "المختارة" عرين كمال جنبلاط الذي صار نجمه صاعدا، وأقنعه بأن وجوده في منصب الرئيس سيكون نصرا للجبهة السياسية كلها التي يتزعمها جنبلاط وتضم بالإضافة إلى جنبلاط وشمعون، كلا من بيار الجميل وغسان تويني، ويحضر اجتماعاتها ريمون إده، كمساند، دون أن يكون عضوا فيها. اتخذت هذه الجبهة قرارا بدعم شمعون، وجندت نفسها والنواب الذي يسيرون في ركابها لصالحه، وليضمن شمعون مقعده بنسبة مريحة زار الرئيس أديب الشيشكلي في دمشق، وكان للشيشكلي سطوة على بعض نواب بيروت السنّة والموجودين في الشمال، وقد جُندوا جميعا لانتخاب شمعون، وكانت النتيجة النجاح بعد أن حصل كميل شمعون على ما يشبه الإجماع فانتخبه أربعة وسبعون نائبا من أصل سبعة وسبعين هم كل أعضاء البرلمان.

كان العنوان الرئيس لانتخاب شمعون هو مكافحة الفساد الإداري والمالي الذي سيطر على العهد السابق كله، فروح الميثاق كانت ما تزال سائدة وشعار لبنان مرفوع فوق رؤوس الجميع

كان العنوان الرئيس لانتخاب شمعون هو مكافحة الفساد الإداري والمالي الذي سيطر على العهد السابق كله، فروح الميثاق كانت ما تزال سائدة وشعار لبنان مرفوع فوق رؤوس الجميع، أما تناقضات الميول فقد كانت مختبئة تحت طبقة من الفساد الإداري والمالي الشامل، والمطلوب من الرئيس الجديد أن يجند نفسه لتنظيف الساحة من ركام العهد السابق. أدار كميل شمعون ظهره لكل ما وعد به خلال حملته الانتخابية، حين فاجأه واقع الترابط بين الفساد والطائفية، ووجد نفسه عاجزا في مكافحة الفساد دون أن يظهر طائفيا، فأبقى كل شيء على حاله، وغمس نفسه مع ذات الحاشية التي كان يعتمد عليها الرئيس السابق، وحالفته رياح اقتصادية مؤاتية ليعيش لبنان في فترة انتعاش، بسبب هروب كثير من رؤوس الأموال العربية إلى لبنان خشية التأميم، فأراد شمعون  التخلص من خصومه حتى ينفرد بالإدارة دون معارضة، وكان كمال جنبلاط قد أعاد تجميع بعض من أعضاء الجبهة السابقة ليقود من جديد حملة معارضة جاءت هذه المرة أكثر شراسة وذات طابع شخصي، بسبب شعور جنبلاط بقوته ومدى تأثيره بعد خلع بشارة وتنصيب شمعون، فأصبح يعتقد أنه صانع رؤساء، وقد عبر عن ذلك بنفسه عندما ألقى كلمة بحضور ولي العهد السعودي سعود بن عبد العزيز وبحضور كميل شمعون، قال في نهايتها موجها كلامه إلى شمعون: قلنا لهذا كن فكان وقلنا لذاك زل فزال..