كراسٍ وتوابيت ضد الزلازل

أعلنت شركات تجارية بعد زلزال قهرمان مرعش عن أسرّة نوم ضد الزلزال، تشبه الوسادة المانعة للصدمات في السيارات بعد الحوادث، تنغلق هذه الأسرّة حال استشعارها الإلكتروني أو الفيزيائي بالحركة والرجفان، وهي لا تنفع مع الذين يتقلبون في نومهم كما كان المتنبي يتقلب في حال الصحو، على قلق كأن الريح تحته، ولا من يعاني من رهاب التوابيت والأمكنة المغلقة.

وقد نجد في قادم الأيام الأسرة مخدّمة بالغذاء والماء والمسليّات، وهي غالبًا موصولة بشبكة الاتصالات، ولم تُعرف قوة تحملها للصدمات والأثقال بعد. ويمكن أن تُذكّر بتابوت موسى عليه السلام، الذي وضعته أمه فيه وقذفته في اليمّ، وللتابوت قصة أخرى مع بني إسرائيل فقد كان آية الملك عندهم، وإشارة التابوت ودلالته أن منحة الحياة قد تكون في آلة الموت، وتذكّر أيضا بالتابوت الذي نجا فيه البحار إسماعيل بطل رواية "موبي ديك" لهرمان ملفل. الوحيد الذي نجا من السفينة التي كانت تصطاد الحيتان.

ليست بريطانيا المملكة الوحيدة التي تُحكم من غير دستور، على ما يشاع في وسائل الإعلام، فأغلب الدول العربية، الجمهورية منها خاصة، تُقاد من غير دستور

المؤكد أنَّ النظم العربية هي من أمتن الأنظمة السياسية، ومن أوثق العمارات السلطوية ضد الهزّات الشعبية والزلازل الوطنية، وسبب مقاومتها للهزّات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي بنيتها الصلبة، المشادة بالنار والحديد، وإنشاؤها على دستور مطاطي مقاوم لكل أنواع الزلازل، فليست بريطانيا المملكة الوحيدة التي تُحكم من غير دستور، على ما يشاع في وسائل الإعلام، فأغلب الدول العربية، الجمهورية منها خاصة، تُقاد من غير دستور، فهي تُحكم بماغنا كارتا بوليسية سريّة. ويمكن أن نذكر صيحات المستشار سليم العوا مذكرًا الانقلاب العسكري بمخالفة الدستور المصري وضرورة تصحيح الأمر بإجراءات دستورية، مطابقة للموصفات، فجرى إسكاته، فأظهر التوبة، وبدت علامات توبته في عكوفه على شرح وتفسير إحياء علوم الدين للغزالي.

إسكات وتخريس الرعايا هو الطريقة المثلى بعد الدستور المطاطي في صيانة النظم من الزلازل. ويمكن أن نذكر أنَّ النظام السوري من أبرع الأنظمة في إخراس الألسن عن مكمة النطق والتعبير، والتعويض عنها بمعارضات تلفزيونية مثل مسرح الشوك، ومرايا ياسر العظمة وبقعة ضوء. وفي مصر، سارع النظام إلى اعتقال بضعة أشخاص يقدمون عروضًا في وسائل التواصل، واعتقل أزهريًا استسرع الشباب في الزواج قبل إعلان ضريبة الزواج، واعتُقل بائع لحمة دعا إلى شراء اللحم بالتقسيط، بتهمة نشر أخبار كاذبة، مهددة للطبقات الجيولوجية السياسية.

أما الوسيلة الثالثة، بعد الدستور المطاطي، ومنع الصراخ والشكوى، في سبل وقاية الأنظمة من التعرض للصدمات فهي مسارعة الحكومات الأوروبية التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان إلى إنجاد الأنظمة الانقلابية بالسهر والحمّى، ولا تغني عنها تقارير منظمات حقوق إنسان أو عفو دولية، وأحيانًا تصريحات ساسة، مثل وصف النائب جون ماكين "ثورة" السيسي بأنها انقلاب وأنّ البطة بطة. والبطة من أكثر الطيور اهتزازًا وتثنيًا في السير، ولا يجدي النداء من أجل تحرير شخصية معتقلة أو شخصيتين، غالبًا ما تكون الشخصية حائزة على جنسية أميركية، أو بريطانية، مثل محمد سلطان، أو آية حجازي، فإن أُطلق وحُرر، احتفلت الأوساط الغربية بالأمر، وأظهرته كأنه عرس ديمقراطي، واستسمحت الرئيس وسألته إكمال النقصان بالإفراج عن المزيد.

 بنيان النظام السياسي العربي مشادٌ هندسيًا بمواصفات زلزالية.

مراكز مراقبة الهزات السياسية والشعبية، ليس مركزاً في دوائر حكومية، أو عيادات كشف مبكر عن الزلزال، هي عيون وآذان مبثوثة في كل مكان، تعمل على الوقاية من أية هزّة سياسية قد تسببها همسة في الظلام أو في النور، وصور الرئيس مبثوثة معلقة في كل مكان، وسقوطها إشارة إلى وقوع زلزال سياسي أو اجتماعي.

صفيحة قيس سعيد دفعت الصفائح المعارضة الحقوقية والنقابية التونسية فسجن العشرات من الشخصيات السياسية

وتعمل حكومات عربية على تجانس الشعب بقتل "الجنس" الآخر المعارض أو طرده أو حبسه. ولعل من أرقّ الأنظمة العربية في مقاومة الزلزال، نظام قيس سعيد، فهو يتقي الزلزال بالقوانين الإدارية والتصريحات الإعلامية والمحاكمات القضائية، من غير اضطرار للدماء حتى الآن. صفيحة قيس سعيد دفعت الصفائح المعارضة الحقوقية والنقابية التونسية فسجن العشرات من الشخصيات السياسية أمثال سيف الدين مخلوف وبوطار، سيف الدين مخلوف، وأنيس الكعبي، والقاضي البشير العكرمي، ويتعرض الغنوشي لزلازل، ما تزال ضعيفة بمقياس ريختر السياسي وإن كانت أوهنت حركته ودفعتها للخلف فتصدرت الحركة النقابية المعارضة.

أكثر ما تخشاه النظم العربية هو الحقيقة. وذكرت تقارير أنّ أحد أسباب زلزال قهرمان مرعش هو سد أتاتورك، وليس في الدول العربية سدود سوى السد العالي، الذي يحنّ إلى المياه، فإن كان من سد، فهو سدّ على الآمال والتطلعات والرغبات والحرية عموما، وهي سدود أيضًا مسببة للزلزال، وإن تأخرت أحيانًا.

التوابيت هي طريقة النظم السياسية العربية في الوقاية من الزلازل السياسية، وهي الطريقة الوحيدة وهي طريقة قديمة لكن مقلوبة الاستعمال، فإمّا هي توابيت ومدافن وقبور كما في سوريا، وإمّا توابيت أحياء كما في مصر وتونس وسواهما.