كتب مظلومة

2019.11.14 | 15:06 دمشق

w1.jpg
+A
حجم الخط
-A

أشعر أحيانا بأن هناك ظلماً واقعا على أحد الكتب، أتضامن مع الكتاب المظلوم وأتمنى أن يأخذ حقه في الحفاوة وسؤال القراء عنه، انظر إليه فأشعر أنه كتاب عليه علامات الانكسار والانزواء فهو غير متألق ولا يسأل عنه أحد، أنه كتاب يشعر بالجفوة، وأتساءل أحيانا لماذا تظلم بعض الكتب ولا تأخذ حقها من التنويه والنقاش والسؤال وقرائتها والكتابة عنها.

هناك كتب مظلومة بسبب عدم توفرها في السوق، صدر لها طبعة أولى منذ سنوات واختفت من الأسواق، لم تعد متوفرة وانتهت الطبعة، الكتاب غير الموجود يتم نسيانه ولأنه قديم يظن القراء الجدد أنه غير مهم ولا يحتوي على معلومات مميزة أو تحليلات مفيدة، القارىء النابه يعلم أهمية الكتب القديمة وما تحتويه من معارف عظيمة، رأيت هذا النموذج وأنا أتصفح غلاف كتاب "شاهدة ربع قرن: مذكرات عايدة الشريف" وعليه غبار السنين في دار المعارف بطنطا، ورأيت هذا في إصدرات دار الهلال التي نسيها الناس، ورأيته أكثر على أرصفة الشوارع لدى باعة الكتب القديمة.

هناك كتب مظلومة بسبب إغلاق دار النشر، وعندما تغلق دار النشر تختفي الكتب التي كانت تصدر عنها، فلا طبعات جديدة لها، أتشوق لرؤية عناوين دار سينا للنشر التي طبعت الطبعة الأولى من كتاب "استعمار مصر" لتيموثي ميتشل، وكتاب "فتح أمريكا: مسألة الآخر" لتزيفتان تودروف، وهناك المنشورات الرائعة التي تختفي من سوق الكتب بإغلاق دار شرقيات التي أصدرت العديد من الدراسات المهمة والأعمال الأدبية، مثل "أوائل زيارات الدهشة" لمحمد عفيفي مطر، و"نشأة الرواية" إيان واط بترجمة ثائر ديب، وكذلك المجموعة القصصية اليتيمة لماهر شفيق فريد "خريف الأزهار الحجرية" والطبعة الكاملة من رواية "البحث عن الزمن الضائع" بترجمة إلياس بديوي وجمال شحيد، وكتاب "حكايات إيتالو كالفينو".

كذلك اختفاء منشورات دار اليقظة العربية بترجماتها الرصينة، واختفت كتب مشروع الألف كتاب التي كانت تصدر في الستينات، وظلمت كثير من الكتب التي صدرت عن دور النشر الروسية أيام الحرب الباردة مثل دار التقدم ودار رادوغا، إلا الكتب التي أعادت طباعتها دور النشر لفائدتها التجارية مثل الفيزياء المسلية ونصوص الأدب الروسي، وإذا ذكرت الدور الروسية وجب الإشارة أنه ظهرت منشورات من تمويل مؤسسة فرانكلين الأمريكية باللغة العربية لكن لم تنتشر الانتشار الكافي مثل الكتب المترجمة من الروسية وأذكر منها "بنيامين فرانكلين: صورة عالم،كاتب، فيلسوف، إنسان" لعباس محمود العقاد.

وهناك المنشورات الرائعة التي تختفي من سوق الكتب بإغلاق دار شرقيات التي أصدرت العديد من الدراسات المهمة والأعمال الأدبية، مثل "أوائل زيارات الدهشة" لمحمد عفيفي مطر، و"نشأة الرواية" إيان واط بترجمة ثائر ديب

أو كتاب عبد الرحمن شكري "ألحان الحان" الذي لا يتوفر في سوق الكتب وكتاب "أدب الجاحظ" لحسن السندوبي والذي صدر عن المكتبة التجارية عام 1931، وظلمت العناوين التي صدرت عن دار المأمون ونفدت من الأسواق، والكتب التي صدرت عن وزارة الثقافة العراقية، وكذلك معظم المنشورات التي صدرت عن هيئات حكومية مثل المجلس الأعلى للثقافة المصري والأعداد الأولى من كتب المركز القومي للترجمة، والتي تحتاج إلى بحث لدى باعة الكتب القديمة.

وأعجب من قيام دور النشر بطباعة ترجمات عادل زعيتر التي ترجمها لجوستاف لوبون مثل "سيكولوجية الجماهير"، ولا يقوموا بهذا الجهد مع كتب إميل لودفيغ مثل كتاب "الحياة والحب" وكتاب "نابليون" فهي كتب مترجمة مظلومة لعادل زعيتر فضلاً عن كتاب "تربية إميل" لجان جاك روسو والذي لم يعد متداولا أو حاضرا في الثقافة التربوية المعاصرة.

وأحياناً يصدر الكتاب ولا تنتهي طبعته الأولى ولا تغلق دار النشر، فيكون حظه تعيساً لأنه غير منشور في القاهرة أو بيروت، وهم أسهل العواصم العربية في شحن الكتب وانتقالها، فالكتاب التونسي حظه تعيس في الشحن وحضور المعارض وهناك عناوين مهمة تصدر عن المركز الوطني للترجمة في تونس ولا تنتشر بسبب مشكلات التوزيع، ولا نعرف الكثير عما يصدر في الجزائر من كتب ومنشورات لنفس السبب، أما عن المغرب فنحن نعرف دار توبقال وإفريقيا الشرق أما غيرها خصوصا الكتب والدراسات التي تصدر عن جامعات ومؤسسات ثقافية لا تنال حظا من التوزيع والانتشار الكافي.

وأحيانا يظلم الكتاب بسبب الغلاف غير المعبر عن المحتوى فيزهد فيه القراء ولا يهتموا به الاهتمام الكافي، أو أن الدعاية لهذه الكتب ضعيفة وأجد مثال ذلك سلسلة الجوائز وهي روايات حاصلة على جوائز وصدرت ترجماتها عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في مصر، وتعرف القراء عليها من خارج مصر ضعيف ولا تنتشر بسبب ضعف التوزيع والمشاركة في المعارض.

بعض القراء يهتموا بدواوين نزار قباني ومحمود درويش، أما الدواوين القديمة فمظلومة ولا يوجد احتفاء بها.

وعلى رف دواوين الشعراء، يشتكي الشعراء القدامى من الإهمال والتجاهل فلا أحد يسأل الآن على ديوان النابعة أو دعبل الخزاعي أو ديك الجن الحمصي أو أبو نواس، إلا أن بعض القراء يهتمون بدواوين نزار قباني ومحمود درويش، أما الدواوين القديمة فمظلومة ولا يوجد احتفاء بها.

هناك ظلم للدراسات النقدية الجادة مثل الدراسات التي عن المتنبي لحسين الواد  وكتب خالد الكركي، وهناك الظلم الذي سببه أن الكاتب ليس لديه وسائل تواصل اجتماعي ولا يروج لنفسه ولا يكتب عنه النقاد بالقدر الكافي، أو كونه لم ينل الثناء من المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وترجمات محمد عناني لوليم شكسبير لا تلقى الحفاوة التي تستحق وكذلك الكتب النقدية لماهر شفيق فريد وكتب ماهر البطوطي مظلومة من التعريف بها والإشارة لها.

ولدينا قسم مظلوم من الكتب بسبب ارتفاع سعره ومثال ذلك منشورات مشروع كلمة للترجمة والمنظمة العربية للترجمة، فلديهم كثير من العناوين التي يهتم بها القراء مع جودة في إخراج الكتاب لكن السعر المرتفع حال دون وصول القراء لهذه المنشورات المميزة.

وهناك الكتب العلمية المظلومة، والتي يزداد عدد المترجم منها سنوياً، لكن الحفاوة تبقى في بعض التخصصات فقط وهذه ملاحظة انطباعية، فالقراء يقبلون على علم الفلك وكتب ستيفن هوكنج وكارل ساجان

وهناك الكتب العلمية المظلومة، والتي يزداد عدد المترجم منها سنوياً، لكن الحفاوة تبقى في بعض التخصصات فقط وهذه ملاحظة انطباعية، فالقراء يقبلون على علم الفلك وكتب ستيفن هوكنج وكارل ساجان وأحياناً ريتشارد دوكينز، وعلى الرغم من صدور العديد من الكتب العلمية المترجمة إلى اللغة العربية فلا يوجد إقبال عليها ومؤخراً صدر كتابان لسيدهارتا موكرجي هما "إمبراطور المآسي: سيرة للسرطان" وكتاب "الجين: تاريخ حميم"، والاقتراب من حقل الكتب العلمية يلتبس أحياناً بدعم الإلحاد العلمي وأفكاره.

وهناك كتب مظلومة بسبب الكتب الأكثر مبيعاً التي تزيحها جانباً، والعملة الردئية تطرد العملة الجيدة من السوق، منذ سنوات كنت أتابع سوق الكتب القديمة في مصر وأرى الأرصفة مليئة بالعناوين القديمة ثم تبدل الحال وأتت الكتب المزورة من صنف التنمية البشرية والروايات الأكثر مبيعاً لتحل محل العناوين الأكثر قيمة.

وأحياناً أتعجب من انتشار روايات دستويفسكي وكونها من الأكثر مبيعاً، وضعف الإقبال على رموز الأدب الروسي مثل تولستوي، أو عدم الاهتمام بقصص تشيكوف ولعل السبب في قصص تشيكوف هو انتهاء الطبعة الأولى الروسية وعدم انتشار طبعة دار الشروق.

وهناك الكتب التوثيقية المهمة التي صدرت في ذكرى العديد من المؤلفين مثل كتاب أعمال "المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري" بمناسبة مرور ألف عام على مولده والذي اشتمل على العديد من الدراسات والقصائد، وكتاب "أبو حامد الغزالي في الذكرى المئوية التاسعة على ميلاده" والذي عقد في دمشق عام 1961 وفي الكتاب دراسات عديدة عنه، وكتاب " أعمال مهرجان ابن خلدون" الذي عقد في القاهرة عام 1962، وكلها كتب ودراسات أصبحت ناردة إلا من طبعات مصورة على شبكة الإنترنت.

وهناك كتب مظلومة مثل "قصة قلم: محمود محمد شاكر" لعايدة الشريف وهو كتاب ممتع ومميز وصدر قديماً عن دار الهلال، وحاولت الحصول على "مذكرات محمد عبد الله عنان" فلم أظفر بها إلى الآن، واكتشفت للأستاذ محمد عنان عنوانا  طريفا آخر "المآسي والصور الغوامض" وهي عن شخصيات وأحداث تاريخية بأسلوب قصصي وأدبي، وهذه الأمثلة في المقالة هدفها تنشيط الذاكرة فكما نبحث عن الإصدرات الحديثة، علينا أن نهتم بما صدر قديماً وتعذر الحصول عليه، خصوصاً مع الترجمات المميزة للرعيل الأول.

 

 

 

كلمات مفتاحية