قوة الدبلوماسية الناعمة

2022.12.07 | 06:05 دمشق

قوة الدبلوماسية الناعمة
+A
حجم الخط
-A

يعد أستاذ العلاقات الدولية جوزف ناي أشهر من نظر لمفهوم القوة الناعمة لجهة التأثير في السياسة الخارجية، وانتشر بشكل واسع في تحليل التأثير الخارجي التي لديها نفوذ خارج نطاق النفوذ العسكري أو الدبلوماسي التقليدي، وقد طبق هذا المفهوم على كثير من الحقول مثل حقل تأثير السينما الأميركية هوليود على نطاق العالم، تأثير الموسيقا الكورية اليوم على مستوى العالم، وأيضا درس هذا المفهوم وتطبيقه على دولة قطر التي تستضيف اليوم أكبر فعالية رياضية في العالم وهو كأس العالم لعام 2022 في أكبر تجمع رياضي واحتفالي عالمي يجري كل أربع سنوات.

الاستثمار القطري في كأس العالم كان مذهلا من حيث البنية التحتية ومن حيث التنظيم والانفتاح على كل الثقافات والترحيب بها، وهو بكل تأكيد استخدام فعال لمفهوم القوة الناعمة في مضاعفة تأثير قطر الدولي وحضورها كدولة على مستوى العالم سياسيا ورياضيا وسياحيا.

لكن ما أود التركيز عليه في هذا المقال هو استخدام قطر لمبدأ الدبلوماسية الناعمة في تعاملها مع الأزمات التي مرت بها خلال السنوات الأربع الماضية، والتي هدفت بشكل واضح لإفشال استضافة الدوحة للمونديال أولا ثم التشويش عليه بهدف منع قطر الاستفادة من المزايا والاستثمارات التي وضعتها من أجل إنجاح المونديال.

فعندما تعرضت قطر للحصار من قبل جيرانها العرب كان رد قطر يتصف بكثير من الدبلوماسية والحنكة والهدوء، حتى استطاعت الحفاظ على استقرارها الداخلي أولا وثبات قيمة عملتها والأهم عدم تأثير أي من استثماراتها الداخلية والخارجية، وهو ما أحبط دول الحصار بشكل كبير ودفع بهم إلى إنهائه دون فرض أي شروط على قطر، بل بالعكس ربحت كثيرا من الدعاوى القانونية في محكمة العدل الدولية وغيرها ضد دول الحصار.

فتحت قطر فرص عمالة هائلة لكثير من الدول الآسيوية والأفريقية التي للأسف لن تفتح هذه الدول الأوروبية الباب لأي منهم للعمل هناك

الآن تتعرض قطر خلال عقد المونديال لحملة من نوع آخر من قبل الدول الأوروبية تحديدا، التي تتهمها بعدم تشريع حقوق المثلية التي ترفضها كل الدول العربية تقريبا باستثناء لبنان، مما دفع وسائل الإعلام الغربية للقيام بتغطية صحفية في منتهى السلبية دون الأخذ بعين الاعتبار بكل التقدم الذي أحرزته قطر على صعيد حقوق العمالة وعلى صعيد ضمان حقوق العمال الذين شاركوا في بناء الملاعب التي استضافت بطولة كأس العالم.

أولا لقد فتحت قطر فرص عمالة هائلة لكثير من الدول الآسيوية والأفريقية التي للأسف لن تفتح هذه الدول الأوروبية الباب لأي منهم للعمل هناك، كما أن هذه الدول الأوروبية ذاتها لم توقع أيا من الاتفاقيات الخاصة بحقوق العمالة المهاجرة ولا يعد وضع اللاجئين لديها بشيء يدعو للفخر.

إنه مبدأ المعايير المزدوجة مرة أخرى مطبقا على دولة قطر بهدف تغيير الصورة الرائعة عن المونديال التي عاشها كل مشجع وعاشق لكرة القدم في قطر، وأذكر هنا حادثة شخصية واحدة من القصص التي حدثت معي التقيت بمشجع أرجنتيني يضع وشم ميسي على قلبه التقيته بالغرافة بأحد المولات بدأت بالحديث بالإسبانية مستعينا بغوغل، استغربت وجوده بهذه المنطقة فأخبرني أنه يبحث عن مركز الغرافة للهجرة قلت له لماذا فأجابني إنه يريد التقديم على الإقامة والعيش هنا وترك الأرجنتين.

هذا يحسب كنجاح جديد لدبلوماسية القوة الناعمة التي تركز على النجاح على الأرض وترك الآخرين يحصدون ثمار نقدهم وفشلهم

هذا هو الانطباع العام الذي حصل عليه مليون مشجع وصلوا إلى قطر من أجل حضور مباريات المونديال، ولذلك هذا يحسب كنجاح جديد لدبلوماسية القوة الناعمة التي تركز على النجاح على الأرض وترك الآخرين يحصدون ثمار نقدهم وفشلهم. وكما يقال دع أفعالك تتحدث عنك فهي أبلغ من كل الكلمات وأفصح من كل الكتب.