في ذكرى الثورة الإيرانية المضادة

2021.02.18 | 00:19 دمشق

_105415804_originalgetty976.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ عدة أيام مرَّت الذكرى الثانية والأربعون للثورة الإيرانية التي أثارت في وقتها، ضجيجاً وصخباً إيجابيين، لدى القوى الوطنية عموماً، لكن الذي تبيَّن مع مرور الوقت، أنها ثورة تتناقض كلياً مع مفهوم الحكم الوطني بمعناه الحديث والمعاصر! فأفعالها الأولى بدأت بإقصاء كل من ساهم بالثورة من الاتجاهات غير الإسلامية فمن القوى الليبرالية إلى "حركة مجاهدي خلق" و"حزب تودة اليساريين.." كما أنها لم تجلب للشعب الإيراني، حتى الساعة، غير الفقر والقهر، فما بالك بالخوف والقلق التي زرعته في دول الجوار..

هذا على الصعيد العملي الملموس.. أما على صعيد العداء لإسرائيل التي سلَّم الخميني مفتاح سفارتها، في طهران، إلى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، فلم تجلب لها غير الشعارات الترهيبية التي لا تصرف في السوق السياسية بشيء! ولعلَّ أكثر من رحب بالثورة المذكورة، في ذلك الوقت، هو النظام السوري، ويذكر أن حافظ الأسد من شدة وثوقه بإيران، توسط في زيارة له قام بها إلى طهران، لأجل استعادة الجزر العربية الثلاث "طنب الكبرى، وطنب الصغرى" و"أبو موسى" إلى العرب أصحابها التاريخيين..

لكن الذي حدث على أرض الواقع هو أن الجزر بقيت محتلة، بينما استطاعت إيران أن تتغلغل بأشكال مختلفة داخل سوريا، وعبر إنشاء كيانات لها منذ أن بدأ "جميل الأسد" الشقيق الأكبر لحافظ بتكوين جمعية المرتضى، إذ "انتزع لنفسه صفة الإمام آية الله جميل الأسد" (دراسة لمركز حرمون) وإذا كانت هذه الجمعية قد انحلَّت بعد سنتين (1981-1983) وبعد أن أحدثت ردود فعل في المجتمع السوري السني.. فإنَّ مثيلات أخرى كثيرة قد حلت محلها في فترة التسعينيات، فأُنشئت عشرات الحسينيات، وأكثر منها المقامات الشيعية إضافة إلى الحوزات العلمية (نحو عشرين حوزة) والأنشطة الثقافية عبر عدد من الجمعيات الخيرية المدعومة من "المستشارية الثقافية الإيرانية" في دمشق وبواسطة "مؤسسة الفرات الخيرية"، ناهيكم بعمليات التشييع الفردي والعشائري ما يؤكد أنَّ المتضرر الأكبر هو الشعب السوري الذي غدا اليوم محتلاً من الجانب الإيراني على نحو ناعم، إذ طاول التدخل الإيراني المجتمع السوري ديناً وثقافةً واقتصاداً وجيشاً أيضاً، ناهيكم باستغلال الواقع السوري بعد الـ 2011 وتصدير المليشيات العسكرية إليه..

أما الثورة الإيرانية التي تمارس الاستبداد المطلق، في زمن ثورات الحرية والديمقراطية، وتلحق الشقاء، كما أسلفت، بشعبها، وبدول الجوار أكثر من نظام الشاه الذي ثارت ضده، فما هي، في الحقيقة، إلا ثورة مضادة

والجدير بالذكر أيضاً، أنَّ الحزب الشيوعي السوري، وللأسباب نفسها، قد أيَّد تلك الثورة، فعدَّها ثورة فقراء ومستضعفين، حتى إنَّ خالد بكداش قد استشهد، في إحدى خطبه، تلك الأيام، بالآية القرآنية الخامسة من سورة القصص: "ونريد أن نمُنَّ على الذين استُضْعِفوا في الأرضِ ونجعلَهُم أئمةً ونجعلَهم الوارثين. ونمكِّنَ لهم في الأرض، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون" هذه الآية التي أُنْزِلت لتضرب المثل عن سلطة استبداد طاغية كانت قد قامت في مصر قبل آلاف السنين، ما يشبه استبداد الأسد مع فارق مهم هو أن الفراعنة حكموا وفق معطيات عصرهم بينما الأسد جاء خارج سياق عصره ممهداً لخراب سوريا الشامل على يد ابنه..

أما الثورة الإيرانية التي تمارس الاستبداد المطلق، في زمن ثورات الحرية والديمقراطية، وتلحق الشقاء، كما أسلفت، بشعبها، وبدول الجوار أكثر من نظام الشاه الذي ثارت ضده، فما هي، في الحقيقة، إلا ثورة مضادة داخلياً وخارجياً، ومعيقة لحركة التاريخ بما ترعاه من حركات متطرفة تؤذي العالم أجمع، وتسيء للإسلام والمسلمين كافة..

إن أبسط تعريف للثورة هو تلك الانطلاقة الشعبية الشاملة الهادفة إلى تحطيم نظام لم يعد يصلح للحياة، ولا للإنسان.. نظام يواجه النمو الطبيعي لمجتمع ما، شعب، قوم، دولة.. إلخ.. أما عدة الثورة فهي فكر جديد ينير ظلمات طالت، وأصابها البلى، وعَمَل يأخذ الإنسان نحو الأفضل، والأرقى، وبالتالي لإغناء الحياة وديمومتها. ما يستدعي إزالة نظام، غدا في فترة من التاريخ، عثرة أمام تقدم المجتمع وتطوره، كما أنَّ الثورة، مهما كان نوعها وفكرها، وغايتها، فإنها تقوم لمرة واحدة، فإن نجحت تكون قد حققت غايتها، وإن لم تنجح، فقد تعود ثانية، وفي فترة قريبة، إذ لم تكن قد استنفدت أسبابها وغاياتها، أما أن تكرر الثورة نفسها، وفكرها، وغاياتها، وبعد قرون طويلة، فهذا لم يحدث في التاريخ مطلقاً، وهو مخالف لمنطقه وسيرورته..!

لقد بدأت الثورة الإيرانية بروافعها الشعبية التي تمثل الطيف الإيراني كله بالسعي نحو إقامة دولة ديمقراطية متحررة من أشكال الاستبداد البالية، دولة تتسع لمواطنيها كافة، وتحرر شعوبها من حالة القهر القومي، ومن ألوان التمييز كلها.. لكنَّ الخميني الذي افترى على الله، وعلى مذهبه الإسلامي، فأتى بفتوى لما أسماه "حكم الولي الفقيه"، محلاً نفسه محلَّ الإمام الغائب، ومعطياً إياها حقوق النبوة.. وجاعلاً القتل سنة، ومشرِّعاً "بيع المخدرات للعدو" ذلك الشرع الذي استفاد منه حزب الله وأخذ يمارسه بكثرة في سوريا..!  

أخيراً يمكن القول: إذا كانت الثورة الإيرانية قد لاقت ترحيباً عربياً واسعاً بسبب متاجرتها بالقضية الفلسطينية أولاً، ولأجل استغلالها صراعات العرب الجانبية ثانياً، وإذا كانت نزعتها الطائفية قد دفعتها لتصفية أحقاد قديمة، ولاستعادة أمجاد آفلة، فإنها عملت على تمددها، باسم المقاومة في لبنان، ثمَّ في العراق، متعاونة مع من تسميه اليوم "الشيطان الأكبر" وكانت قبلاً في سوريا التي فتح لها نظامها أبوابها كافة لتمارس ألوان الاحتلال، ولتسلب القرار الوطني "السيادي"، وهي التي عملت على اغتيال الوجوه الوطنية التنويرية في كل من لبنان والعراق.. وكان لها دور بارز في تصفية ما بات يعرف بخلية الأزمة (بحسب "أماني مخلوف").

وإذا كان ملالي إيران قد فعلوا ذلك، قبل الربيع العربي وبعده، وخرَّبوا فيه مع من خرَّب، كثورة مضادة، فإنها اليوم تحصد ما زرعته في المنطقة من فتن وتفرقة بين شعوبها، وما أهدرته من أموال، لتصدِّر ثورتها إلى بلدان الجوار على حساب لقمة الشعب الإيراني وتنمية بلاده، فها هي ذي المدن الإيرانية الكبرى تتمرد، مرة بعد أخرى، على بؤس الحال المعيشية، وتعلن حكومة العراق، في الوقت نفسه، القبض على عصابة مسؤولة عن قتل المتظاهرين الذين هبوا من أجل وطن عراقي متحرر من كل انتماء ينتقص من العراق وطناً لكل أبنائه، وفي لبنان أيضاً، تزداد الحملات الوطنية الشعبية، في محاولة منها، لإنقاذ لبنان من الوقوع في الهاوية التي اقترب منها بفضل سياسة التقاسم الطائفي، تسهيلاً لنهبه، وبسبب جرائم الاغتيال التي ارتكبها حزب الله بحق رجال الفكر والإعلام بدءاً بـ "حسين مروة وانتهاء بـ "لقمان سليم" أما في سوريا، فتبدو إيران أكثر من غيرها اليوم حجر عثرة أمام أي حل يعيد الأمن لسوريا وللسوريين أجمعين..

وعود على بدء، فإن التاريخ الذي لا يعود إلى الوراء أبداً، يؤكد مساره اليوم بالأحداث القائلة:

إن زمننا هو زمن الحرية والديمقراطية.. زمن المواطنة التامة المحمية بقوانين العدل والمساواة.. إنه زمن التنمية الدائمة والتفوق العلمي والتحضر الاجتماعي ولا شيء آخر..