في البحث عن تبريرات التطبيع مع نظام ميت سريرياً

2023.01.06 | 06:08 دمشق

في البحث عن تبريرات التطبيع مع نظام ميت سريريا..
+A
حجم الخط
-A

لعلها الأحاديث نفسها تتردد، فجميع الأبواب سُدت، فالملاذ الأخير أعلن عن قناعاته الجديدة. لم يعد بمقدورنا أن نقدم أكثر. ولا بد من مراجعات تضمن مصالحنا، أمام المعطيات الأخيرة التي تسبق الانتخابات، والتي بدت تقلق القيادة التركية وحزبها الحاكم لأول مرة بهذا الشكل بعد التراجع الكبير في قيمة الليرة، والتضخم الذي نال من الطبقة الوسطى الواسعة في البلاد بعد عقدين من الأمان المعيشي والاقتصادي..

قد تكون الخطوة وتسارعها ليس متوقعا لدى الكثيرين، وإن كانت رسائلها واضحة جدا، في النحو إلى تبرير ما آل إليه الواقع من تراجع ثقة المواطن التركي بقدرة الحكومة على تجاوز الواقع الاقتصادي بالتزامن مع تراجع الدخل، وإحالة ذلك إلى الحلقة الأضعف بالمعادلة في استقبال أكبر موجة لاجئين عرفتها البلاد، وعلى رأسهم السوريون لاعتبارات الأعداد التي وصلت إلى حدود أربعة ملايين لاجئ، وأن معظمهم عبر الحدود بإمكانات مادية صفرية أو محدودة، ما جعل رواية صرف الحكومة التركية على اللاجئين السوريين تأخذ أبعادا جدلية حول الغاية والجهة في هذا الخطاب، وسواء كان ذلك صحيحا أو مبالغا فيه لا أحد يمكنه الجزم، طالما لا توجد مؤسسة محايدة لها سلطة الإشراف والمتابعة، والاطلاع بشكل رسمي على الأموال ومصدرها، وآلية إيصالها لمستحقيها.

التسارع في تغيير المواقف يمكن أن نسميه انقلابا شديدا، وإدارة للدفة باتجاه مغاير، في زمن ضيق جدا، بلا تقديم توضيحات حول مبررات الهرولة للتطبيع مع نظام ميت سريريا

إلا أن هذا الإعلان تلقفه الإعلام المعارض وبنى عليه روايته المثيرة والمدعومة بالتصريحات الرسمية، وتمسك به كأداة ضاربة، قادرة على تغيير المزاج العام، وتوجيهه في تدعيم حظوظ المعارضة السياسية في الانتخابات القادمة، وإن اتسم بالعنصرية المفرطة على حساب الإطاحة بسمعة الشعوب القيمية والأخلاقية.

المشهد السوداوي للسنوات الأخيرة في بلدان الطوق قد تكون مبرراته معقولة في ظل الظروف السياسية المتوحشة، والاقتصادية المنهارة، وخصوصية هذه البلدان في محاصصات الديمغرافيا الدينية والمذهبية في لبنان والعراق، ثم في الأردن الفقير في الموارد والإمكانيات، وانضمامه لمن سبقه في الجنوح ضد طموحات الربيع العربي وحركات التغيير بشكل صريح.

لكن المشهد التركي مختلف جدا، وصادم جدا، فالتسارع في تغيير المواقف يمكن أن نسميه انقلابا شديدا، وإدارة للدفة باتجاه مغاير، في زمن ضيق جدا، بلا تقديم توضيحات حول مبررات الهرولة للتطبيع مع نظام ميت سريريا ومحاولة إعادة إحيائه العبثية، فمارونات السياسة يمكن أن يناوروا الاستبداد والجرائم والقتل ما دام داخل حدود بلد الدكتاتور، والاكتفاء بالضغط عليه من خلال العقوبات والحصار، لكنها لن تتساهل مع تصدير ضرره إلى بلادهم، وأعني قانون ملاحقة مخدرات الأسد، والذي يمكن أن يكون أهم قانون حقيقي يلاحق تجارة الأسد ويستهدفه شخصيا.

أو لعل الأمر ضمن حيز التسليم بأن واقع لا غالب ولا مغلوب في الضفة السورية هو حالة مسلمة في السياسة الغربية، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية له مخططاته المغايرة للتوجهات التركية في اعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية يجب القضاء عليها، وأن تأمين الحدود والأمن القومي التركي يتعارض مع القناعة الحازمة لدى البيت الأبيض الرافضة لأي عملية عسكرية تركية في شمال شرقي سوريا.

والملف الآخر بالغ الأهمية في التعامل مع روسيا الاتحادية صاحبة القرار الأول في الملف السوري، والتي ترى فيها أنقرة ملاذاً آمناً في تأمين الطاقة من النفط الإيراني والغاز الروسي، وتحييدها من ارتدادات الصراع الروسي الأوكراني الغربي.

 في حين يبقى هذا الواقع هو الأسوأ على السوريين كلاجئين مهددين بالخوف والترحيل، وكمحاصرين في الشمال السوري الذين يشعرون باقتراب ميعاد تسليمهم كمجرمين خارجين عن القانون، أو إغلاق الحدود بشكل كامل أمامهم، وتركهم لملاقاة مصيرهم بمفردهم..

كل هذه السيناريوهات ستواجه عقبات متعددة أهمها فقدان المصداقية أمام شعوب المنطقة، وتثبيت الصورة النمطية التي عملت عليها السلطات الحاكمة وعلى رأسها حزب البعث الحاكم في سوريا في تشويه صورة الدولة التركية بتصويرها كمحتل قديم حديث، وأن حزبه الحاكم يمثل الإسلام السياسي الذي يسعى للاحتلال والسيطرة وإعادة الأمجاد على حساب المنطقة العربية..

ثم ما هو مصير الفصائل المتعاونة مع الجيش التركي، ومن سيضمن قدرتهم على ضبط المصالح التركية أمام الفوران الشعبي المحبط والغاضب، والمترقب لفرصة الانقضاض على المتنفذين المتهمين بالنهب والخيانة.

وما مصير ملايين السوريين الموجودين في المنطقة على طول الحدود، والمرحلين إليها لاحقا، كيف ستكون ردة فعلهم، والاجتياح من أمامهم والخذلان من خلفهم؟

وماذا عن المناطق التي تسيطر عليها قسد، والتي تهدد الأمن القومي التركي، وما الذي سيضيفه عودة العلاقات في ظل وجود التحالف والعلم الأميركي؟

وفي الناحية الأخرى في إدلب وسيطرة هيئة تحرير الشام عليها، هل ستنسحب النقاط التركية، وتترك المواجهة مفتوحة مع النظام وحلفائه؟

وما مصير ملايين السوريين الموجودين في المنطقة على طول الحدود، والمرحلين إليها لاحقا، كيف ستكون ردة فعلهم، والاجتياح من أمامهم والخذلان من خلفهم؟

وكيف ستواجه تركيا خيبة أمل الشعوب العربية التي تغنت بمواقفها الجريئة في مناصرة الحقوق وحقها بالتغيير، وأن اختيار الحياد وعدم المغامرة أفضل بكثير من الرجوع من وسط الطريق.