icon
التغطية الحية

في أول حملة أمنية على تنظيم غير مسلح.. "تحرير الشام" تفشل أمام حزب التحرير

2023.06.14 | 11:06 دمشق

في أول حملة أمنية على تنظيم غير مسلح.. "تحرير الشام" تفشل أمام حزب التحرير
في أول حملة أمنية على تنظيم غير مسلح.. "تحرير الشام" تفشل أمام حزب التحرير
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

مرّ 40 يوماً على إطلاق هيئة تحرير الشام حملة أمنية موسعة تستهدف كوادر ومنتسبي حزب التحرير، اعتقلت فيها المئات من المنتسبين للحزب ضمن حملات مداهمات عنيفة لم تنته حتى الآن، وتزامنت الحملة مع حملة دعائية ضد الحزب والمنتسبين له.

ونظراً لطول فترة الحملة وتشعبها وتخبط الهيئة كاعتقال أبرياء وآخرين لمجرد انتقادهم سياسات الجولاني، يرى خبراء ومراقبون أن هذه الحملة فشلت في اجتثاث حزب التحرير، حيث كانت هيئة تحرير الشام تستأصل أي مجموعة معادية خلال أيام قليلة.

الحملة الأمنية لتحرير الشام ضد حزب التحرير هي الأولى ضد مجموعة غير مسلحة ومنظمة، في حين كانت الحملات السابقة ضد تنظيمات جهادية مسلحة أو خلايا لفلول فصائل قديمة، ولذلك فإن الهيئة الآن أمام اختبار هو الأول من نوعه للتعامل مع مجموعة مدنية منظمة لا تمتلك جناحاً عسكرياً رغم أنها تحمل أيديولوجيا متشددة وتدعو إلى إحياء "الخلافة الإسلامية".

خط سير الحملة الأمنية

فجر الثامن من أيار الماضي استفاقت عدة بلدات في الشمال السوري على قدوم دوريات أمنية تابعة لجهاز الأمن العام في هيئة تحرير الشام حاصرت منازل قيادات وكوادر حزب التحرير البارزة، معلنة بدء واحدة من أكبر عمليات الدهم والاعتقال في شمال غربي سوريا منذ أعوام.

في اليوم الأول للحملة اعتقل جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام أكثر من 15 شخصية مؤثرة في بنية الحزب في سوريا، وترافقت عمليات الاعتقال مع بث منتسبي الحزب فيديوهات من كاميرات مراقبة  للسيارات والعناصر الأمنية وهي تحاصر منازلهم، كما خرجت بعض منتسبات الحزب من النساء بفيديوهات لشهاداتهن على ما وصفنه انتهاك حرمة المنازل خلال عمليات المداهمة.

في مساء اليوم الأول قتل أحد عناصر جهاز الأمن العام وأصيب آخر وأحرقت سيارة للجهاز في بلدة دير حسان شمالي إدلب على يد مجهولين بعد التوتر وحملات الاعتقال التي شهدتها البلدة فجراً، حيث اعتبر بعض المراقبين هذا التصعيد هو الأخطر في الحملة.

هيئة تحرير الشام اتهمت الحزب بجريمة القتل وقالت عبر إعلامها الرديف وعلاقاتها الإعلامية بأن الحزب أسس ما يسمى جهاز النصرة داخل الحزب والتقى مع خلايا تنظيم داعش وينسق معها وعمل على شراء الأسلحة، وبدأ عمليات الرصد ضد أهداف في الهيئة، وتحدثت تلك المصادر عن اعترافات لعناصر الحزب سيتم بثها خلال وقت قصير، آنذاك لكنها لم تبث حتى اللحظة.

بعد ذلك انخفضت حدة التصعيد واستمرت عمليات الاعتقال بحق منتسبي الحزب حتى بلغ عدد المعتقلين من الحزب قرابة الـ 400 شخص بينهم شيوخ وأطفال بحسب مصادر غير رسمية، في حين لم يتسن لموقع تلفزيون سوريا التأكد من صحة الرقم من مصادر أخرى أكثر دقة.

في الجانب المقابل وعلى الرغم من اعتقال معظم المنتسبين إلى الحزب من الرجال، برز في الحزب حراك نسائي نشط ومنظم، حيث نسقت منتسبات الحزب مظاهرات نسائية، وخطابات مصورة في عدة مناطق، ركزت هذه التظاهرات على المطالبة بالمعتقلين وتخوين هيئة تحرير الشام ومطالبة الناس بالانضمام إلى الحراك المناهض لتحرير الشام.

لم تقتصر التظاهرات على منتسبات الحزب فقط، بل شملت ذوي منتسبي الحزب أيضاً، كما اصطف معهم المئات من المستائين من سياسات هيئة تحرير الشام في مختلف الجوانب، وقد بلغ عدد المناطق التي سجلت فيها تظاهرات ضد هيئة تحرير الشام أكثر منة 15 نقطة تظاهر.

استفزازات وبوادر صدام جديد

يدرك الطرفان أهمية وحساسية الحراك النسائي في منطقة كإدلب، فحزب التحرير الذي بات معظم منتسبيه في المعتقلات وبعضهم الآخر متخفياً خشية الاعتقال، وجد في الحراك النسائي مساحة واسعة لمواصلة حراكه المناهض للهيئة مع شل قدرتها على تفريق هذا الحراك أو اعتقال النساء.

وقالت مصادر محلية وناشطون إن الحزب يحرك التظاهرات النسائية بشكل منظم ومدروس، وفي مناطق فيها ثقل لعائلات منتسبيه الكبيرة، ويهدف من خلال تلك التظاهرات لاستفزاز عناصر الهيئة من أجل ارتكاب تجاوزات بحق النساء، وتأجيج المجتمع ككل ضد هيئة تحرير الشام، بسبب طبيعة المجتمع المحافظة.

ومن وجهة نظر أخرى يرى مراقبون آخرون أن تحرير الشام تمهد الطريق وتحاول تهيئة المجتمع لفكرة فض التظاهرات النسائية بالقوة، حيث عمل الإعلام الرديف لهيئة تحرير الشام على نشر صور من مصر لرجل يرتدي الزي النسائي الإسلامي الذي يغطي الوجه وقال بأنه أحد عناصر حزب التحرير في مظاهرة نسائية، ملمحاً بذلك أن المظاهرات ليست نسائية.

خلال الأسبوع الأخير تم تسجيل حادثتي صدام بين العناصر الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام والتظاهرات النسائية التابعة لحزب التحرير، لكنها لا ترقى إلى حجم الصدام الذي يحذر منه المراقبون.

الحادثة الأولى في قرية كفركرمين بريف حلب الغربي، اعترضت خلالها دورية أمنية لهيئة تحرير الشام طريق سيارات تقل متظاهرات من نساء الحزب متوجهات لتنظيم تظاهرة في بلدة بابكة، واعتقلت سائقي السيارات وحاصرت النساء لبعض الوقت وفق فيديو تم تصويره من قبل إحدى النساء.

الحادثة الثانية كانت في بلدة أطمة حيث نشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر سيارة تتعرض للضرب من نساء من متظاهرات حزب التحرير مع إطلاق هتافات "شبيحة... شبيحة" على من في السيارة، وأرفق الفيديو بخبر أن من في السيارة هو الأمني في هيئة تحرير الشام علي العموري وقد حاول تفريق التظاهرة، أيضاً لم يتسن لموقع تلفزيون سوريا التأكد من هوية الرجل وصحة المعلومات.

تكميم أفواه واعتقالات بتهمة حزب التحرير

يبدو أن هيئة تحرير الشام حولت حزب التحرير إلى ذريعة وشماعة لاعتقال وتكميم أفواه جميع منتقديها بغض النظر عن تبعيتهم وانتماءاتهم، حيث اعتقلت أربعة من وجهاء مدينة حماة المقيمين في مناطق سيطرتها منذ عدة أيام وترفض إخلاء سبيلهم رغم وجود وساطات عديدة، وبحسب مصادر محلية فإن الهيئة تشترط لإخلاء سبيلهم وجود كفلاء يضمنون عدم قيام هؤلاء الوجهاء بانتقاد الهيئة أو الخوض في الشأن العام.

 وكان من بين المعتقلين كل من المهندس حازم نجار أبو بكر خضرا والذي تعرض لحادثة طعن من قبل مجهولين يعتقد أنهم من هيئة تحرير الشام بعد قطع الكهرباء وفصل الميكروفون خلال مطالبته بسلاح الفصائل الذي سلبته هيئة تحرير الشام في تظاهرة مطلع العام الحالي، بالإضافة إلى اعتقال كل من أبو فهد خرسا وأبو خادر لودر وأبو حسان الحموي الذي أصدر بياناً أكد فيه رفضه فكر حزب التحرير، لكنه طالب فيه هيئة تحرير الشام بضبط سياستها الأمنية وتجاوزات عناصرها، محذراً الهيئة من غليان شعبي في حال استمرار التجاوزات خاصة بحق النساء في أثناء مداهمة المنازل.

أيضاً اعتقلت هيئة تحرير الشام اثنين من كوادر فيلق الشام في بلدة تفتناز، واثنين آخرين من كوادر الفيلق في بلدة كفرتخاريم، بالإضافة إلى اعتقال كل من القائد العسكري في تجمع دمشق أبو عمار الزبداني على معبر الغزاوية، والقيادي السابق في أحرار الشام أبو شاهر الحموي المعروف برفضه ممارسات تحرير الشام على المعابر وفي قضية اعتقال وجهاء حماة، كما نشرت الهيئة عناصرها الأمنية حول عدد من المساجد عقب صلاة الجمعة منعاً لخروج مظاهرات ضدها ولاعتقال مطلوبين لها، حيث اعتقلت مصلياً عقب خروجه من صلاة الجمعة في مسجد قرية البارة وفق ما نقلت شبكة شام.

ونشرت الهيئة دوريات أمنية حول المساجد لمنع خروج تظاهرات ضدها، وهو ما شبهه الحزب بسلوك نظام الأسد عندما حاول وأد الثورة السورية عند انطلاقتها عام 2011.

أيضاً تحدث ناشطان إعلاميان لموقع تلفزيون سوريا عن استدعائهما من قبل وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ على خلفية مشاركتهما منشورات وفيديوهات تتعلق بالحملة الأمنية التي قامت بها الهيئة ضد حزب التحرير.

ومن جهة أخرى نقلت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا الأربعاء الماضي خبر مقتل سجين في سجن الشيخ بحر شمال غربي إدلب تحت التعذيب، وبحسب المصادر فإن العناصر الأمنية نقلت السحين المتوفى بلباس السجن المخطط إلى مشفى الهلال في مدينة معرتمصرين وأجبرت إدارة المشفى والطبيب الفاحص على كتابة تقرير طبي يوضح أن سبب الوفاة هو السكتة القلبية المفاجئة، للتهرب من مسؤولية قتل السجين نتيجة التعذيب الشديد.

طول فترة الحملة ومحاولات حزب التحرير على المراوغة وكسب التعاطف الشعبي، أفقد "تحرير الشام" انضباطها المعتاد في الحملات الأمنية السابقة، ووقعت في سلوكيات تظهر التخبط وصلت إلى حد الخطورة، فأي اعتداء محتمل على المظاهرات النسائية سيتسبب بانفجار الشارع الصامت عن تجاوزات وسياسات الهيئة منذ أعوام.