icon
التغطية الحية

بالقوة هذه المرّة.. لماذا تسعى "تحرير الشام" إلى إنهاء "حزب التحرير"؟

2023.05.09 | 00:40 دمشق

إدلب
مظاهرة لـ"حزب التحرير" في شمالي سوريا (فيس بوك)
+A
حجم الخط
-A

تواصل "هيئة تحرير الشام" حملتها الأمنيّة التي انطلقت، فجر أمس الأحد، لإنهاء "حزب التحرير" في شمال غربي سوريا، بعد محاولاتٍ سابقة من "الهيئة" لإسقاط "التحرير" شعبياً.

ونفّذ "جهاز الأمن العام" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" حملة دهم واعتقالات واسعة طالت قيادات وأعضاء في "حزب التحرير - ولاية سوريا" بريفي إدلب وحلب.

وقال مصدر خاص لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "الأمن العام" دهم بلدات السحارة وكلّي ودير حسان شمالي إدلب، واعتقل أكثر من 15 شخصاً، من بينهم رئيس المكتب الإعلامي لـ"حزب التحرير".

وبحسب المصدر فإنّ عنصرين من "جهاز الأمن العام" قتلا برصاص مسلّحين في بلدة دير حسان، التي شهدت حملة دهم واعتقال طالت عدداً من أبناء البلدة المنتسبين لـ"حزب التحرير"، كما تخلّلها اقتحام للمنازل وتخريب للممتلكات.

وأفاد المتحدث الرسمي باسم "جهاز الأمن العام" ضياء العمر عبر بيانٍ نشره على قناته في "تليغرام"، بأنّ "الحملة الأمنية التي جاءت بناءً على أمر قضائي صادر عن النيابة الأمنية العامة، تستهدف شرذمة من المرجفين والمخذلين العابثين بأمن المناطق المحرّرة، والمحرّضين ضد رموز الثورة السورية ومؤسساتها المدنية والعسكرية"، مشيراً إلى أبرز أفعال وممارسات المُستهدفين في الحملة.

ضياء العمر

وفي وقتٍ سابق، ذكرت مصادر من "هيئة تحرير الشام" لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ "الهيئة اتخذت قرار إنهاء وجود حزب التحرير في مناطق نفوذها، عقب تنظيمه مظاهرةً كبيرة في مدينة إدلب تحت عنوان: "النظام التركي وأدواته شركاء نظام أسد بالقضاء على ثورة الشام"، أواخر شهر كانون الثاني الماضي.

وأضافت المصادر أنّ "المظاهرة حينذاك، تضمّنت هتافات وعبارات ضد التقارب التركي والنظام السوري، وعبارات وُجّهت لـ(أبو محمد الجولاني) بطريقة مبطنة بعد وصفه تركيا بالحليف، خلال آخر لقاء مصوّر خرج بنبرةٍ أقلّ حدة، مبرراً لتركيا تقاربها مع النظام، وسعيها لتحقيق مصالحها".

وعقب تلك المظاهرة التي أحرجت "هيئة تحرير الشام" أمام الجانب التركي، فإنّ "الهيئة" نفّذت حملة اعتقال استهدفت شخصيات تعدّ مؤثرة ضمن بنية "حزب التحرير" في سوريا، قبل أن تؤجل الحملة عقب وقوع الزلزال المدمّر جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

بعد حملة الاعتقالات الأولى، أواخر كانون الثاني الماضي، صعّد أنصار "حزب التحرير" من لهجتهم خلال عدة وقفات وبيانات مصورة، وزادوا من حدة خطابهم الذي اتهموا فيه "هيئة تحرير الشام" بأخذ دور "الحارس" لدى الجانب التركي، وتزامن ذلك مع تصعيد الإعلام الرديف لـ"هيئة تحرير الشام" ضد "الحزب"، مطالبين بما وصفوه "تطهير المحرّر من حزب التحرير".

"اعتقال 15 قياديا من حزب التحرير في سوريا"

فجر أمس الأحد، طوّقت عدة مجموعات أمنية منازل في بلدة دير حسان لـ تنفيذ واحدة من أكبر عمليات الدهم والاعتقال بحق "حزب التحرير" والتي طالت أكثر من 15 قيادياً هم: "أحمد عبد الوهاب (رئيس المكتب الإعلامي للحزب)، ناصر شيخ عبد الحي، عبد الحي ناصر شيخ عبد الحي، أحمد منصور، المهندس جهاد منصور، علي البيك مع ولديه محمد وعمر البيك، مصطفى سليمان، عناد جعبار، إبراهيم رجب الحسن، عبد الرحيم رجب الحسن، أبو الهمام الشامي، محمد الحمصي أبو ذر، ماهر شيخ والي، محمود جمعة عبد الحميد، محمد عساف أبو عبد الرحمن، حسان الحسيني كللي، عبد الرزاق المصري".

وخلال هذه العملية التي يبدو أنها تهدف لإنهاء وجود "حزب التحرير"، أقدم العناصر الأمنيين في "تحرير الشام" على تخريب محتويات المنازل التي دهموها في دير حسان، وفق مقاطع مصوّرة بثّها ذوو المعتقلين، الذين اتهموا العناصر بانتهاك حرمات المنازل، ما دفع مسلّحين من البلدة بإطلاق الرصاص على إحدى سيارات "جهاز الأمن العام" وإحراقها، ما أسفر عن مقتل اثنين من عناصر الجهاز.

"الهيئة أبقت على حزب التحرير كـ ند كرتوني"

أشارت المصادر إلى أنّه على عكس نهج "هيئة تحرير الشام" تجاه الفصائل العسكرية أو الأحزاب السياسية والتجمعات المدنية الثقافية التي طالما دأبت على إقصائها وإنهاء دورها بالقوة، كانت تُبقي على "حزب التحرير" في مناطق سيطرتها وتعطي أنصاره حرية كبيرة في ممارسة أنشطتهم.

أحد المتابعين لسلوك "تحرير الشام" في إدلب، يرى أنها كانت تبقي على "حزب التحرير" باعتباره "نداً كرتونياً، تظهر أمامه بمظهر البطل، وتُحرج منتسبيه عبر مطالبتهم بالمشاركة في جبهات القتال ضد قوات النظام وميليشياتها".

وأضاف أنّ "الهيئة" كانت سابقاً تعوّل على إسقاط "حزب التحرير" شعبياً عبر إعلامها الرديف، الذي يعتبر أن ميزان المفاضلة بين أي اثنين يعتمد على المشاركة العسكرية على الجبهات و"الجهاد"، وهو ما يرجح كفة "الهيئة".

ولكن في الفترة الأخيرة أقدم عناصر "حزب التحرير" على سلوكٍ أزعج "هيئة تحرير الشام"، حيث صعّدوا من لهجتهم تجاهها وتجاه تركيا، ما دفعها إلى تنفيذ عمليات دهم واعتقال نوعية بهدف إنهاء "الحزب" أو إضعاف حراكه، الذي بات يشكّل عبئاً على "الهيئة".

ويرى أحد المراقبين أن "تحرير الشام" مهّدت لـ حملتها الأمنية بحملة إعلامية ضخمة عمِل خلالها الإعلام الرديف ضد "حزب التحرير"، كما وظّفت رسامي كاريكاتير لمهمة إنشاء رسوم ضد الحزب، واتهمته بـ"العداء للثورة والعمالة لصالح نظام الأسد وروسيا وإيران"، وحظرته لاحقاً من تنظيم أي مظاهرات داخل المدن الكبيرة.

ويتركز ثقل أنصار "حزب التحرير" ومنتسبيه في بلدة دير حسان شمالي إدلب، التي تنفّذ فيها "هيئة تحرير الشام" حملةً واسعة ضد "الحزب"، إضافةً إلى قرية "أبو مكي" شرقي معرة النعمان جنوبي إدلب، والتي نزح سكّانها إلى المناطق الحدودية خلال الحملة العسكرية على إدلب، أواخر 2019، كما ينتشر "الحزب" في بلدة حربنوش حسان شمالي إدلب، وفي بلدتي كفرة شمالي حلب والسحارة في الريف الغربي.

مَن هو "حزب التحرير"؟

"حزب التحرير" يعرّف نفسه بأنّه "حزب سياسي مبدأه الإسلام وعمله السياسة، ويعمل من أجل استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة إلى العالم".

ويقول إنّ سبب قيامه كان استجابةً لـ قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}، وذلك بغية إنهاض الأمة الإسلامية من الانحدار الشديد، الذي وصلت إليه وتحريرها من أفكار الكفر وأنظمته وأحكامه، ومن سيطرة الدول الكافرة ونفوذها. وبغية العمل لإعادة دولة الخلافة الإسلامية إلى الوجود، حتى يعود الحكم بما أنزل الله.

ويطمح "حزب التحرير" - وفق قوله - إلى أن يعيش المسلمون في دولة إسلامية تقوم على تحكيم الشريعة، ويسميها "دولة الخلافة"، معتبراً أنّ سلاحه هو "الفكر المستنير" ويخوض فيه "الصراع الفكري والكفاح السياسي".

لا يتركز نشاط "حزب التحرير" في بلد معين، فهو لا يعترف بالدولة الوطنية، بل يعتبر أن العالم كله مكان صالح للدعوة الإسلامية، وتقدّر تقارير إعلامية بأنّ "الحزب" ينتشر في أكثر من 58 بلداً حول العالم، وقد صاغ دستوراً للدولة الإسلامية التي يعمل على بنائها مكوّنا من 187 مادة، كما أنّه قسّم مراحل عمله إلى ثلاث:

  1. مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكوين الكتلة الحزبية.
  2. مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها، كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة.
  3. مرحلة تسلم الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقاً عاماً شاملاً، وحمله رسالة إلى العالم.

"حزب التحرير" من النشأة والانتشار إلى التصنيف 

أسّس "حزب التحرير"، عام 1953، على يد الشيخ والقاضي في محكمة الاستئناف بالقدس، تقي الدين النبهاني، وهو فلسطيني من مواليد قرية إجزم التابعة لقضاء حيفا.

ولمع نجم الحزب مع دخوله الانتخابات البرلمانية في الضفة الغربية، عام 1955، والتي كان الأردن قد ضمها إليه آنذاك ليدخل النائب "أحمد الداعور" كممثل عن  الحزب في مجلس النواب الأردني، كما انتشر في عدة بلدان عربية أبرزها: سوريا ولبنان والعراق، وبعدها توسّع إلى بلدان عربية أخرى.

العديد من الأنظمة وخاصة العربية حظرت "حزب التحرير" واعتقلت المنتسبين إليه، منها سوريا ومصر وليبيا والعراق والأردن، إضافة إلى تركيا وباكستان وبنغلادش وألمانيا والدنمارك وروسيا، في حين سمحت دول أخرى له بالعمل كـ تونس ولبنان وإندونيسيا وماليزيا.

حاول "حزب التحرير" الاستيلاء على السلطة في الأردن، عام 1969، كما حاول إجراء انقلاب أبيض واستمالة الجيش في باكستان، عام 2009، وصنفته روسيا كمنظمة إرهابية، عام 2014 لذات التهمة، وفي ذات العام توترت العلاقة بين "الحزب" والحكومة التونسية على خلفية تصريحاته الرافضة للديمقراطية، ونتج عن ذلك رفضه المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، ودعا التونسيين إلى مقاطعتها.

"حزب التحرير وداعش"

اعتبر "حزب التحرير" بأنّ إعلان تنظيم الدولة (داعش) عن قيام دولة الخلافة الإسلامية "لا قيمة له"، وأنّ الدعوة لبيعة "أبو بكر البغدادي" أميراً للمؤمنين "لغو لا مضمون له، دون حقائق على الأرض ولا مقومات".

"حزب التحرير" بعين الغرب

في لقاء صحفي مع موقع "عين أوروبية على التطرف"، مطلع الشهر الحالي، قالت الدكتورة إليسا أوروفينو - المشرفة الأكاديمية لبرنامج التطرف ومكافحة الإرهاب في معهد الدراسات الأمنية للمنطقة الشرقية (PIER) بجامعة أنجليا روسكين البريطانية - إن أسباب بقاء "حزب التحرير" لأكثر من ستة عقود دفعتها لإجراء نظرة شاملة عليه في كتابها الذي حمل عنوان: "إعادة النظر في الإسلاموية ما وراء العنف الجهادي".

وذكرت الكاتبة أنّها وجدت "حزب التحرير" جماعة مثيرة للاهتمام من منظورٍ اجتماعي، وإنها واحدة من أكثر الجهات الفاعلة الدولية غير الحكومية عمراً ورسوخاً، والتي ما تزال نشطة حتى يومنا هذا.

وأضافت أنّ "حزب التحرير أسّس مثل العديد من الجماعات الإسلاموية، كجماعة احتجاج من أجل العدالة ضد النفوذ البريطاني (والغربي بشكلٍ عام) في فلسطين، عام 1953، وعلى عكس العديد من الجماعات لم يبدّل الحزب مواقفه بشأن النقاط الأساسية، مثل رفض استخدام العنف لتحقيق أهداف محددة ورفض المشاركة السياسية. وقد وفّر هذا الثبات درجة عالية من الموثوقية مع مرور الوقت، وعزّز جاذبيته لشرائح محددة من المسلمين (معظمهم من المثقفين الشباب) في جميع أنحاء العالم"، مردفةً: "تمكّن حزب التحرير كمنظمة دولية على مدى عقود، من جعل ولاء أعضائه يرتكز على أساس (العقيدة) وليس الولاء المرتبط بقائدٍ محدد".

وبحسب متابعين لـ سياسات "تحرير الشام" في إدلب، فإنّهم يوافقون رأي الباحثة "أوروفينو"، ويعتبرون أنّ "ثبات حزب التحرير على مبادئه وطريقته هو ما يهدّد الهيئة، التي مرت بتحولات وتبدّلات عديدة خلال فترة زمنية قصيرة، خاصة مع تخلّيها عن الخطاب الجهادي، لـ يصبح الحزب الوجهة الوحيدة أمام أصحاب الفكر الإسلامي في الشمال السوري".