icon
التغطية الحية

فيلم "غولدا": محاولة فاشلة لترسيخ الدعاية الإسرائيلية

2023.09.02 | 19:22 دمشق

الممثلة الإنكليزية هيلين ميرين في دور غولدا مائير - المصدر: الإنترنت
الممثلة الإنكليزية هيلين ميرين في دور غولدا مائير - المصدر: الإنترنت
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لا يمكن للمرء أن ينتظر الكثير من فيلم "غولدا" الذي يحكي سيرة غولدا مائير تلك المرأة التي كانت رابع من شغل منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل لتكون المرأة الوحيدة التي وصلت لهذا المنصب في المنطقة، ثم دخلت حرباً ضد مصر وسوريا عام 1973، فتحولت بعدها لأسطورة على الرغم من الجدل الكبير الذي دار حول شخصيتها.

وصفت مجلة هوليوود ريبورتر الفيلم بأنه يروي السيرة الذاتية لرئيسة الوزراء الوحيدة في إسرائيل والتي ترى بأنها كانت قائدة عسكرية فذة أثرت على وعي الناس بصورة أدهشت الجميع، إضافة لكونها دبلوماسية محنكة. ومن الواضح بأن المخرج السينمائي الإسرائيلي غاي ناتيف لم يرغب بإظهار الكثير من جوانب غولدا الإنسانة التي تحولت لأسطورة، ولذلك اعتمد فقط على إبراز الخصال الإنسانية لتلك الأسطورة. ولكن مع الالتفات لهذه الشخصية التاريخية من جديد، حان الوقت لرسم حد فاصل بين الحقيقة والخيال.

تقول الأسطورة بأن غولدا مائير تحولت إلى أيقونة نسوية في الولايات المتحدة، وذلك لأنها رابع شخصية تشغل منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل، وكان ذلك خلال الفترة الواقعة  بين عامي 1969-1974، إذ صوت معظم الأميركيين لها لكونها أكثر امرأة تستحق الإعجاب من خلال تصويت أجرته مؤسسة غالوب الأميركية وقتئذ، فتفوقت بذلك على بيتي فورد، السيدة الأميركية الأولى في ذلك الحين، عقيلة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، التي حلت في المرتبة الثالثة ضمن هذا التصويت.

كانت رئيسة وزراء إسرائيل صهيونية ليبرالية بيضاء وصلت لإسرائيل ضمن الموجة الثانية، وهذا ما جعل منها فتاة إعلانات مثالية إذ أخذت تظهر على ملصقات الحركة النسوية الأميركية وإعلاناتها، والتي أضيفت لها وقتئذ العبارة الآتية: "لكن هل بوسعها أن تضرب على الآلة الكاتبة؟" وذلك في ملصق ظهر ضمن حملة انتقدت الصور النمطية الجندرية في بيئة العمل.

يحتقر الفلسطينيون بكل تأكيد هذه الشخصية لكونها صرحت بأنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وذكرت أن العرب يكرهون اليهود أكثر مما يحبون أولادهم، إلى جانب طائفة من التصريحات الجارحة الأخرى.  

قد تعجب قلة من الناس فكرة التذكير بإنكار مائير لوجود الشعب الفلسطيني، لأنهم يدركون السياق الأوسع الذي ظهر فيه ذلك التصريح العميق والمتجذر في النظرة الأوروبية الإمبريالية للعالم، والتي ترى بأن الشعب لا يمكنه أن يمثل أمة حقيقية في ظل غياب مظاهر الدولة-الأمة حسب الطراز الأوروبي الحديث.

لم تنكر مائير وقتها أن الشعب الفلسطيني غير موجود بوصفه مجموعة من البشر فحسب، بل أنكرت حقوق الشعب الفلسطيني، وذلك لأن فلسطين على الرغم من أنها دولة على مر التاريخ، لم تكن مستقلة بحسب المعايير الأوروبية، وهذا ما دفعها للقول: "متى كان هناك شعب فلسطيني مستقل له دولة فلسطينية؟ لقد كانت فلسطين تدعى بجنوب سوريا قبل الحرب العالمية الأولى، ثم أصبح اسمها مع الأردن فلسطين، أي لم يكن هناك شعب فلسطيني في فلسطين ليقول أحدهم إن هنالك شعباً جئنا وطردناه واستولينا على أرضه، لأنه لم يكن موجوداً بالأصل".

العقلية الاستعمارية الكولونيالية

نكتشف وجود العقلية ذاتها لدى هؤلاء الذين اعتبروا الشعوب الأصلية لأميركا الشمالية شعوباً لا تستحق السيادة على أرضها، نظراً لعدم وجود حدود اعتباطية لديها أو نظام سياسي اعترف به الفاتحون الأوروبيون. وبالمثل، اعتمدت الصهيونية على هذه العقلية الاستعمارية التي عبرت عن نفسها مجدداً من خلال تصريح رسمي ظهر خلال هذا العام على لسان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتيريش الذي أنكر وجود تاريخ فلسطيني ودولة فلسطينية.

إن كل من يطلع على ما كتب وقيل عن مائير وكل ما قد صرحت به خلال أيام حكمها سيكتشف بأنها كانت مخطئة، إذ تأسست صحيفة فلسطين في مطلع القرن العشرين، إلى جانب وجود عملة سك عليها اسم فلسطين وليس جنوب سوريا.

يبدي الإسرائيليون موقفاً أكثر رصانة تجاه هذه المرأة المثيرة للجدل، إذ ورد في موسوعة شالفي/هيمان حول نساء اليهود بأنها: "كانت ملكة النحل باللغة الدارجة، أي إنها امرأة اعتلت درجات السلم لتصل إلى القمة، ثم سحبت السلم خلفها، إذ لم تمارس صلاحيات منصبها لمعالجة الأمور التي تتصل بالاحتياجات الخاصة للنساء، أو لتشجع غيرها من النساء، أو لتعلي من مكانة المرأة في الفضاء العام، والحقيقة أنه لم يطرأ أي تحسن على وضع أخواتها من النساء الإسرائيليات عند وصولها لنهاية حكمها مقارنة بما كن عليه قبل وصولها لهذا المنصب".

كانت أولى المراجعات التي كتبت حول فيلم "غولدا" واقعية، وهذا أقل ما يقال عنها، إذ وصفته قناة مراجعات للأفلام الرديئة، وهي قناة على يوتيوب خصصت لمراجعة الأفلام الهابطة، بأنه فيلم ممل وباهت ولا يقدم سوى بعدا واحدا للشخصية، أما صحيفة واشنطن بوست فوصفته بأنه سطحي، إذ لم يذكر الفيلم لماذا شنت مصر وسوريا هجوماً على إسرائيل في 6 تشرين الأول من عام 1973، لأن السبب الحقيقي الذي دفع هاتين الدولتين لشن هذا الهجوم هو الرغبة باستعادة شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل في عام 1967. ولكن في الفيلم، وبدلاً من ذكر السبب، نسمع مائير وهي تنذر من خطر يهدد إسرائيل عندما قالت: "في حال احتل السوريون مرتفعات الجولان" على الرغم من أن أي جيش يستعيد السيطرة على أرض انتزعت منه بطريقة غير شرعية لا يعتبر محتلاً بل محرراً.

افتراءات جارحة

لعبت الممثلة هيلين ميرين دور مائير، فوصفها النقاد بأنها أضاعت موهبتها هباءً، وذلك بحسب ما ورد في مراجعة نشرتها صحيفة ديترويت نيوز التي وصفت الفيلم بأنه مزعج وأخرق، لأنه يركز على إسرائيل وهي تدافع عن نفسها بموجب حق مزعوم يكرره السياسيون على أسماعنا في كل الأوقات، ولكن في الحقيقة لا يحق لأي دولة أن تدافع عن أي احتلال مخالف للقانون، بل من واجبها القانوني إنهاء ذلك الاحتلال.

بل حتى صحيفة لوس آنجلوس تايمز المعروفة بتوجهاتها الصهيونية الواضحة، وصفت الفيلم بأنه ضعيف، في الوقت الذي أثنت فيه على أداء ميرين ووصفتها بأنها كانت الأفضل والشيء الوحيد الممتع في كل الفيلم. والغريب في الأمر هو أن الصحيفة في الوقت الذي تحدثت فيه عن الممثل برادلي كوبر الذي أثار موجة انتقادات من جراء ارتدائه لأنف مستعار حتى يجسد شخصية يهودية شهيرة أخرى وهي شخصية الفنان ليونارد برنشتاين، أكدت بأنها لن تعيد طرح السؤال: "هل غير جائز للفنانين سوى لليهود أن يمثلوا أدواراً يهودية؟" في هذا السياق، على الرغم من أن ميرين ارتدت هي الأخرى أنفاً مستعاراً وثياباً جعلتها تبدو أشد بدانة، حتى تجسد تلك الشخصية على الشاشة.

يبدو بأن من قدموا تلك المراجعات لم يتأثروا بالضجة التي أثيرت حول الفيلم بهدف الترويج له، ولهذا فإن كل ما يمكن لفيلم غولدا أن يقدمه لن يحدث أي تأثير على الإطلاق.

وفي ذلك نقطة إيجابية، لأن نجاح الفيلم يعني تعزيزا لصورة إسرائيل، وإضافة للوحة صهيونية أخرى عبر القوة الناعمة والدبلوماسية الإسرائيلية في الوقت الذي باتت فيه إسرائيل بأمس الحاجة لذلك، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السردية الإسرائيلية تتخلل الفيلم برمته، إذ تقول شخصية مائير في الفيلم: "إنها حرب 1948 تعاد مرة أخرى" وكأن إسرائيل هي من تعرض لهجوم في عام 1948 لا فلسطين.

تزعم مائير في الفيلم أيضاً بأن العرب (في إشارة للمصريين والسوريين بما أنها لم تذكر الفلسطينيين في الفيلم سوى مرة واحدة) لا يبكون شهداءهم، في حين أن مقتل كل جندي يهودي في المعركة يثقل روحها، ناهيك عن الافتراءات الصهيونية الجارحة الأخرى التي تدندن على المنوال ذاته.

ومع كل هذا، نكتشف بأن الأثر الذي خلفه الفيلم يناقض كل ذلك تماماً، إذ نشاهد فيه دولة مستعدة لاستخدام قوتها النووية لتحتفظ بأرض احتلتها غصباً، كما نرى شخصية سياسية متلاعبة على استعداد لانتزاع الأسلحة من الولايات المتحدة في الوقت الذي لم تبد فيه تلك الدولة أي رغبة لتقديم السلاح بلا شروط. أي إن الشخصية التي نراها في هذا الفيلم لا تمثل شخصية أسطورية تتحلى بأخلاق حميدة يمكن أن تصبح أيقونة على مر الأزمان كما اعتقد مخرج الفيلم ومنتجوه الذين ظنوا بأنهم يقدمون لنا شخصية ستبهرنا بلا أدنى شك.

ولكن، على الرغم من أن فيلم غولدا صُنع ليعزز الدعاية الإسرائيلية، نكتشف من خلال تلك المراجعات بأنه أضعف تلك الدعاية وأسقطها من الحسبان في نهاية المطاف.

المصدر: Middle East Eye