فلسطين والتطبيع والديموقراطية

2020.05.27 | 00:06 دمشق

am_harwn.jpg
+A
حجم الخط
-A

مر مسلسل أم هارون من دون أن يحتل المرتبة الأولى على قوائم متابعي الدراما الرمضانية، على عكس ما خطط له الذين كتبوا السيناريو، وأنتجوا العمل، ليكون ضربة شهر رمضان الكريم لهذه السنة. ولم تكن ردود الفعل التفاعلية كما أرادتها الجهة التي تقف وراء هذا المسلسل الذي لقي انقساما من حوله، واستنكارا من شرائح جمهور اعتاد مشاهدة مسلسلات أم بي سي. واعتبرت بعض القراءات النقدية أن العمل حصد من الفشل أكثر من النجاح عند الفئات المستهدفة بالمسلسل، وهي فئات شعبية على العموم.

ويعود قسط من الفشل والرفض إلى كون العمل تجربة فنية مفتعلة، تحمل رسائل سياسية مكشوفة، تتجاوز في مراميها التطبيع مع إسرائيل إلى أنسنة الاحتلال، والتودد لإسرائيل بالأسلوب السعودي المصري. وهذا أمر مردود على الجهات التي تبنت العمل وأنتجته وسوّقته، أي السعودية والإمارات.

ورأى بعض نقاد الدراما التلفزيونية أن المسلسل لم يكن عملا غير مدروس من الناحية السياسية، بقدر ما أن الهدف من ورائه ليس الربح المادي، وإنما جس نبض جمهور المسلسلات حول مسألة بناء جسور مفتوحة مع الصهاينة، وإحداث صدمة سياسية لتدشين مرحلة من الانفتاح على العدو بلا حدود. وهذا أمر بات يتكرر في مواقف رسمية سعودية وإماراتية، وآخر عمل شائن إرسال طائرتين من أبوظبي إلى إسرائيل خلال أسبوع واحد. الأولى تبرعت بها أبوظبي لنقل سياح إسرائيليين من المغرب بعد إغلاق الأجواء المغربية بسبب الكورونا. والثانية أوفدتها أبوظبي لشحن معدات طبية لمساعدة الفلسطينيين، ولكن تبين أن الفلسطينيين تم استخدامهم كجسر لنزول الطائرة في مطار بن غوريون. وحسنا فعل الفلسطينيون حين رفضوا الهدايا الإماراتية، وقالوا ليس باسمنا!

مسلسل أم هارون ليس العمل الوحيد من أجل تمهيد الطريق أمام إسرائيل إلى المنطقة العربية. وفي الأعوام القليلة الماضية جرت محاولات بذرائع مختلفة، سياسية وثقافية وفنية ورياضية. وباستثناء ما تقوم به أبوظبي والرياض تبقى جميع المحاولات في حدود ضيقة، وهذا ما نلحظه في بعض الخطوات التي أقدم عليها بعض الصحافيين والناشطين السياسيين المغمورين، الذين ينشدون شهرة من خلال الفضيحة السياسية. ورغم كل ما قام به هؤلاء كي يفضحوا أنفسهم واستثمار الفضيحة، فإن الناس لم تكترث بهم، ولكن هذا لا يمنع من وضع النقاط على الحروف كي لا تختلط الأوراق، وتصبح العلاقة مع إسرائيل وجهة نظر.

تعاطي إسرائيل مع أرض الجولان لا يختلف عن معاملتها للضفة الغربية لناحية الاستيطان والتهويد والضم

ومهما حاول البعض تجاوز الحدود، فإن إسرائيل لا تحتل فلسطين فقط، بل تحتل الجولان السوري، وقامت بضمه، وتحتل أراضيَ من لبنان ترفض الانسحاب منها. وبالتالي لم تسقط، على الأقل، من قائمة الأعداء لدى السوريين واللبنانيين، لاسيما أن تعاطي إسرائيل مع أرض الجولان لا يختلف عن معاملتها للضفة الغربية لناحية الاستيطان والتهويد والضم.

وفي هذا الوقت يتضح يوما بعد آخر أن هناك توجها لتشكيل محور مع إسرائيل من قبل السعودية ومصر والإمارات، ويجري العمل على جر دول أخرى كما حصل مع السودان في الآونة الأخيرة. وكان اجتماع الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري السوداني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضغط من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. والغريب في الأمر هنا أن القوى الديموقراطية السودانية التي قادت قاطرة التغيير، ويعود لها الفضل بإسقاط نظام عمر البشير، صمتت تجاه لقاء البرهان مع نتنياهو. وهذا الصمت لم يقتصر على الديموقراطيين السودانيين، بل يمكن أن نلحظه في بعض بلدان الربيع الأخرى. لا أحد يطلب من الديموقراطيين العرب، أو غيرهم، أن يعلقوا قضاياهم ويتفرغوا لفلسطين، بل على العكس عليهم أن يهتموا بقضاياهم القطرية قبل كل شيء، ولكن يجب أن لا ينسوا أن فلسطين في صلب قضايا العالم العربي الديموقراطية، حين يواجه الديكتاتورية والاحتلال والأطماع الاستعمارية بثرواته. وهي غير منفصلة أبدا، ومن يعمل على تجزئة هذه القضايا هم جماعة الثورة المضادة.