فاز بايدن.. مات المعلم!

2020.11.17 | 23:00 دمشق

almlm-almqdad.jpg
+A
حجم الخط
-A

شهدت الأيام الأخيرة الماضية حدثين مهمين إلى حد كبير بالنسبة للقضية السورية، هما فوز المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية جو بايدن، ووفاة وزير خارجية النظام وليد المعلم.

حدثان نالا اهتماماً واسعاً من السوريين بطبيعة الحال، رغم اختلاف قراءة كل منا لنتائجهما وتداعياتهما، بل ولمدى أهميتهما على مسار الصراع في سوريا وعلى مصير النظام أيضاً، حيث يرى البعض أن كلا الأمرين لن يكون له أي تأثير مهم، بينما يعتقد البعض الآخر أن هناك ما سيترتب على هذين الحدثين بكل تأكيد.

نظرياً لا يمكن التقليل من أهمية رحيل مسؤول كبير في أي نظام، خاصة عندما يكون بمستوى وزير خارجية، والأهمية تصبح مضاعفة في الأنظمة الشمولية التي يتحول أصحاب المناصب الحساسة فيها إلى أركان أساسية تؤثر خسارتها على النظام ككل، ومن هنا ينطلق أصحاب وجهة النظر التي ترى أن لوفاة وليد المعلم نتائج سلبية على نظام الأسد ستظهر بكل تأكيد.

لكن فرادة النظام في سوريا وهيمنة آل الأسد عليه بشكل كامل جعلت من كل مؤسسات السلطة والحكم، ومن جميع المناصب والمواقع، حتى الأشد حساسية، مناصب فارغة من مضمونها، ودور من يشغلها وظيفي فقط، يمكن بكل سلاسة وسهولة إقالته أو التخلص منه بطرق مختلفة، وتعويضه بموظفين آخرين قد يكونون برتبة وزير أو رئيس وزراء أو مسؤولي فروع أمنية أو قادة فرق عسكرية الخ، دون أن يكون لذلك أي مخاطر أو محاذير بالنسبة للأسرة الحاكمة، وليس أدل على ذلك من انشقاق آلاف الضباط ومئات العاملين في السلك الدبلوماسي ومثلهم من المديرين والعديد من المسؤولين المهمين، بينهم رئيس حكومة، ومع ذلك استمر النظام.

لكن هذا في الشكل، أما على صعيد المضمون فإن تأثر النظام بهذا النزيف الحاد من الخبرات العسكرية والسياسية ومن الموظفين والتكنوقراط سيكون حتمياً وخطيراً جداً على

كما اختلفت التقديرات حول تأثير وفاة وليد المعلم على النظام، اختلفت أيضاً حول تأثير فوز بايدن بالسباق إلى البيت الأبيض

المدى البعيد، ففي النهاية حتى الموظفون العاديون يتمايزون بخبراتهم ومهاراتهم وقدراتهم على تنفيذ ما يطلبه رؤساؤهم منهم، فلا يكفي أن تكون لديك مخططات وسياسيات، بل من الضروري أن تمتلك أيضاً عمالاً وموظفين يجيدون تنفيذ هذه الخطط والسياسات، ومن الصعب جداً أن يجد آل الأسد شخصية مثل وليد المعلم تستطيع تنفيذ كل ما يطلب منها وأكثر بمثل المهارة التي كان عليها.

وكما اختلفت التقديرات حول تأثير وفاة وليد المعلم على النظام، اختلفت أيضاً حول تأثير فوز بايدن بالسباق إلى البيت الأبيض، أو لنقل خسارة ترامب، وإن كان غالبية السوريين يعتقدون أن كلا المرشحين وكلا الحزبين الأميركيين يمتلكان الاستراتيجية نفسها بالنسبة لسوريا، والتي يمكن اختصارها بجملة قصيرة: الحفاظ على استمرار الصراع وإدارة المشكلة.

والواقع أن السنوات التسع الماضية أثبتت بما لا يدعو للشك هذه الحقيقة، لكنها أثبتت أيضاً اختلافات كبيرة في تعاطي إدارتي أوباما وترامب مع الملف، وبالتالي (وإلى حد كبير) أكدت الاختلافات في رؤية كل من الحزب الديمقراطي والجمهوري، وأهم هذه الاختلافات أن الديمقراطيين يفضلون تسامحاً أكبر مع النفود الإيراني (لأهداف مختلفة) بينما أظهر ترامب وإدارته الجمهورية ميلاً حاسماً لتمكين الروس من الملف السوري بشكل كامل، ودعم الحضور التركي في مناطق المعارضة وتثبيته.

لذلك لا يمكن القول إن المحصلة واحدة بالنهاية بالنسبة للنظام، سواء فاز ترامب أم بايدن، لكن هذه المقولة تصبح دقيقة تماماً فيما يتعلق بالشعب السوري، فهو خاسر سواء سيطرت إيران أو روسيا أو تقاسمتا السيطرة معاً على البلاد، لكن بالنسبة للنظام فإن كل المعطيات تشير حتى الآن إلى تفضيله النفوذ الإيراني على الهيمنة الروسية، وبالتالي فإن وصول المرشح الديمقراطي إلى البيت الأبيض هو خبر جيد بالنسبة له كما هو الحال بالنسبة لإيران وحزب الله، بدليل الاحتفاء الكبير لإعلامهم بهذه النتيجة.

قد تبدو هذه التفاصيل بلا أهمية بالنسبة لتطلعات السوريين إلى الخلاص، هذا الخلاص الذي يتفق الجميع على أنه لن يحدث قبل إجبار النظام على القبول بتطبيق قرارات مجلس الأمن وبيان جنيف واحد أو اسقاطه بالقوة، وهذ صحيح طبعاً، لكن لا يمكن إهمال هذه التفاصيل إذا كنا كمعارضة لا نمتلك القدرة على التحكم بالملف ككل، ولا القوة الكافية لتحقيق تطلعات الشعب السوري حتى الآن.

ولذلك فإن وفاة وزير خارجية النظام وليد المعلم، وخسارة دونالد ترامب الانتخابات الرئيسية الأميركية، حدثان يمثلان خسارة للنظام في الأول، ومكسب له في الثاني، وقد تختلف قيمة خسارة المعلم مقابل مكسب فوز الديمقراطيين، لكن التعويل بالنسبة للمعارضة يجب أن يتركز على الآثار بعيدة المدى لأي حدث أو تطور (رغم قسوة هذا الخيار في ظل المأساة السورية المفتوحة)، وهي الاستراتيجية التي كان قد اتبعها النظام منذ بداية الثورة، وتقوم على النفس الطويل والتعويل المستمر على عامل الوقت وتراكم المتغيرات.