عهد ميشال عون الآفل وتوطين اللاجئين السوريّين

2022.10.28 | 06:49 دمشق

عهد ميشال عون الآفل وتوطين اللاجئين السوريّين
+A
حجم الخط
-A

اتفاق ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل كان مثقلاً بسلسلة من العناوين غير المعلنة والتي شرعت بالانكشاف، وأبرزها يتعلق بتوظيف موضوع اللّجوء السوريّ في فتح معارك ما بعد نهاية عهد ميشيل عون.

على ضفة هذا الصراع الحاد يبرز عنوان اللّجوء السوريّ وما يطلق عليه التيار العوني عنوان العودة الآمنة والطوعيّة كعنوان يسم المرحلة. وتيرة السعي لإنفاذه تزامنت مع الإعلان عن نجاح الترسيم البحريّ والشروع بمحاولة الاتفاق مع النظام السوري لترسيم الحدود البريّة والّتي قابلها الأسد بالتسويف والمماطلة.

لم تكّف الدعاية العونية عن تصوير اللجوء السوري بوصفه صانع كلّ مشكلات البلد في الاقتصاد، السياسة والأمن، مع أن الأرقام تشير إلى خلاف ذلك تماماً، إذ إنّ دخلاً منتظماً وثابتاً من الدولار الفريش يتأتى من آلاف الوظائف التي يعمل فيها لبنانيون بتمويل من المؤسّسات الدّولية الّتي ترعى اللاجئين، كما أن موضوع سرقة المساعدات بحيث لا يصل إليهم سوى جزء ضئيل منها قد بات خبراً شائعاً ومتكررا.

تفعيل العمل على طرد اللاجئين من لبنان في هذه الفترة يلتقي مع ظروف بالغة التعقيد والحدة. باسيل يخشى من التفوق الديمغرافي للسنة ويربط الموضوع بالوجود المسيحي وحقوق المسيحيّين، كما أنّه يعرف أن موضوع الترسيم عمّق ملامح الحلف المسيحيّ الشيعيّ على حساب الدور السنيّ الّذي يعتبر أنّ ميقاتي يريد استعادته ونسبه إليه، واستغلال ظرف الفراغ الرئاسيّ لعقد الصفقات من خلاله عبر الجمع بين دور الحكومة وصلاحيّات رئاسة الجمهوريّة.

مساعي تقزيم الدور السنيّ تجلّت في محاولات نسف اتّفاق الطاّئف التي بدأت ملامحها تظهر في هذه الفترة، بما يعنيه ذلك من إخراج للسّنة والدّور العربيّ من معادلة الحكم في لبنان.

حزب الله وعلى خلاف باسيل يتعامل مع معادلات الترسيم واللجوء بحذر شديد، ويحرص أن يتغطى بالإطار الرسميّ والوهميّ للدولة وألا يكون في الواجهة

اللّجوء السوريّ في نظر باسيل ليس سوى قنبلة سنيّة موقوتة تعزّز الحضور السني في المعادلات الداخليّة. وعليه فإنّ الحلف المعمق بينه وبين حزب الله في ظل المعادلات المستجدة قد لا ينجح في منحه معادلات القوة التي يطمح للإمساك بها، والتي تقع حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش من ضمنها، نظراً لأن درب الرئاسة مسدود في وجهه.

من هنا فإن وسيلة الضغط التي يملكها تتجلى في إثارة فوضى أمنيّة تعمل على توظيف عنوان اللّجوء السوري قد نشهد فصولها في المرحلة القادمة.

حزب الله وعلى خلاف باسيل يتعامل مع معادلات الترسيم واللجوء بحذر شديد، ويحرص أن يتغطى بالإطار الرسميّ والوهميّ للدولة وألا يكون في الواجهة.

وكان الجيش قد أُخرج من معادلة الترسيم بالتراجع عن الحدود التي وضعها، ولكنّ المقابل الّذي يلوح في الأفق يتمثّل في رفع أسهم قائده جوزيف عون لتولي الرئاسة ومنحه دورا ميدانيّاً أكبر.

شخصيّة قائد الجيش لا تتلاءم مع طموحات الحزب بشكل حاسم، ولكنّه لا يمانع من السير بها لتأمين سياق تفاهم بينه وبين الأميركيّين والعرب، إضافة إلى أنّ عنوان رئاسة جوزيف عون تدخله في تفاهم ضمني مع الحريري الذي يرجّح أن يعود قريباً إلى البلد وكذلك مع القوات اللبنانيّة الّتي تعتبر أن رئاسة جوزيف عون تجنبها تجرع مرارة كأس رئاسة سليمان فرنجية المنافس المناطقي المباشر.

الأمر على خلاف ذلك بالنسبة لباسيل إذ إن خيار جوزيف عون الرئاسي الّذي قدمه الحزب على أنه خياره الثاني بعد سليمان فرنجية يعني القضاء ليس على طموحات باسيل الرئاسية وحسب، ولكن على تفكيك الحضور العوني في تركيبة السلطة. السبب في ذلك أنه يستبدل الحلف الذي جاء بالترسيم، والذي حرص ميشال عون على أن يتوج به نهاية عهده، بما يعنيه من نشوء معادلات حكم شيعيّة مسيحيّة وتمكينها، بحلف أوسع مرعي أميركيّاً ويرضي السنة بالحفاظ على مرجعيّة الطائف بما ينسجم مع منطق الضبط الذي يمارسه حزب الله.

جوزيف عون وسليمان فرنجيّة يتمسكان بالطائف، بينما كان واضحاً أنّ مساعي باسيل تهدف إلى تفجيره والتأسيس لمرحلة تُنسف فيها مرجعيته تمهيداً لصوغ إطار جديد للبلد.

حزب الله الّذي يحيا حاليّاً طوره الأميركيّ كان قد تناغم مع باسيل سابقا في موضوع اللجوء السوريّ والدعوة إلى عودتهم، ولكن موجبات العلاقة المستجدة مع الأميركيّين ومن خلفهم الأوروبيّين، تستوجب إدارة أكثر دقة للموضوع سعياً للاستفادة منه في شؤون استراتيجيّة كبرى تتعلق بمصيره وسلاحه ودوره.

أميركا ما زالت تعادي الأسد في خطابها المعلن وتفرض عقوبات على التعامل معه ولكنّها مستعدة لتقديم تنازلات كبرى في هذا الصدد مقابل موضوعي الترسيم البحري الّذي يعد تطبيعاً مقنّعاً مع إسرائيل، والإتيان برئيس جمهورية مقرب منها.

 ضمن هذه الشروط التي يبدو أنّها تشكل خلفيات التقارب الأميركي مع حزب الله  ستباشر الإفراج عن ملفات اقتصاديّة وسياسيّة تسمح بتحقيق حد أدنى من الاستقرار وضبط الأمور في الداخل اللبنانيّ، ومنحها القدرة على التأثير الفاعل في مجريات الحرب الروسيّة الأوكرانيّة والتفرغ لصراعها المحموم مع الصين.

انطلاقاً من ذلك قد نجد مشهد عودة إكراهية لعدد محدود من اللاجئين كقرابين مجانيّة تقدم للعونيين وللأسد، ولكنّ الصفقة الكبرى المنعقدة بين حزب الله وإيران والغرب تميل بشكل أكبر إلى تعزيز التوطين في لبنان، وليس إلى إعادتهم إلى سوريا.

لا يتعلق الموضوع بعدم استيفاء شروط العودة بل لأنّ الأسد نفسه لا يريد تلك العودة وكذلك الغرب، بل تقول المعلومات والصور المسربة قصداً عن أحوال العائدين وما يتعرضون له من اعتقال وتعذيب واغتصاب وصولاً إلى القتل إنّ دعوات العودة ليست سوى كذبة سمجة وسخيفة.

قول كلّ الإفادات الّتي أخذت من لاجئين سوريين إنّهم يفضلون الذل الّذي يعيشونه في لبنان على الموت الأكيد في سوريا الأسد

هدف الحرب كان التهجير، فهل يمكن أن نتخيل أنّ الأسد وبعد أن أفرغ سوريا من سكانها ونجح في تحقيق مشروعه المعلن والّذي سبق له التعبير عنه بأكثر من طريقة وخطاب، إنما يسعى حاليّاً لإعادتهم بشكل طوعي وآمن؟

تلك إحدى النكات السمجة التي تسم منطقه، وهو يجد في العهد العوني الآفل ووريثه الباسيليّ ترويجاً مجانيّا لها عبر إرسال شاحنات تضم عدداً محدوداً من الضحايا وتصويرهم على أنّهم طليعة العائدين، بينما تقول كلّ الإفادات الّتي أخذت من لاجئين سوريين إنّهم يفضلون الذل الّذي يعيشونه في لبنان على الموت الأكيد في سوريا الأسد.

المجتمع الدّولي بدوره يحذّر من انعدام ظروف الأمان ولكن سبق له أن اتخذ قراره في صدد اللّجوء السوريّ والقاضي بتحويل بلاد اللّجوء إلى أرض للتوطين خوفاً من تدفق اللاجئين اليائسين إلى أوروبا، في مقابل ذلك حصلت تركيا على امتيازات كبيرة، والأمر نفسه صالح للتكرار في لبنان.

صفقة الترسيم البحريّ ومآلاتها وذلك التردّد الّذي وسم مشروع الترسيم البري مع سوريا في انتظار عهد جديد يرعى صفقة مع الأميركيّين، والوعود بتمويل مشاريع الكهرباء والإعفاءات من العقوبات الّتي تطلقها أميركا وأوروبا بالتناغم مع جهات عربية ودوليّة. كلّ ذلك يؤكّد أنّ مسار اللّجوء السوريّ يتجه نحو تمكين شروط التوطين وظروفه.

لا يعني ذلك الاعتراف بالسوريّين كلاجئين، بقدر ما يعني شرعنة واقعهم المر وبيعه لهم على أنّه مصير يستحقّ الدفاع عنه بشراسة، بوصفه بديلاً عن الموت في أقبية التعذيب الأسديّة.