عن الصهاريج الإيرانية التي حلت مكان السلاح

2021.09.19 | 06:07 دمشق

sharyj.png
+A
حجم الخط
-A

حقّق "حزب الله" مع إدخاله شحنات من المحروقات الإيرانية إلى لبنان أهدافاً بالجملة في مرمى القوى السياسية التي تمثل باقي الطوائف، وفي مرمى القوى الغربية التي تدعي مناهضته والعمل على شل قدراته.

كرست المحروقات الإيرانية حيوية شيعية لافتة في أخذ زمام المبادرة لحل أزمة مستفحلة تطول كل القطاعات الاقتصادية والتجارية والطبية في البلد في مقابل استكانة بارزة عند باقي القوى السياسية، كما أعادت من جديد التأكيد على وجود محور إيراني سوري متماسك، ويمتلك القدرة على إنتاج الحلول بينما لا تستطيع المحاور الأخرى العربية الغربية إنتاج أي حل.

نجح في تكريس المقاطعة العربية له وانعكاس ذلك على موقفها من البلد ككل كنوع من الحصار القاتل الذي يفتك بعموم اللبنانيين، ونجح في تصوير استجلابه غير الشرعي للوقود الإيراني بوصفه كسرا لحصار وحشي تتشارك فيه الدول العربية مع الغرب.

الحيوية المهرجانية لاستجلاب الوقود حركت مجموعة من الملفات بعد أن كشف لقاء بوتين والأسد أن الرئيس الروسي يستعجل في تمكين سلطة الأسد على جل مساحة سوريا ويرفض وجود قوات أجنبية في سوريا غير شرعية وفق تعبيره، ما يعني بروز تناقض واضح بين مشروع روسيا الرامي إلى تعزيز سلطة الأسد في سوريا وبين الحضور الإيراني المباشر وغير المباشر.

تعامل الحزب مع هذا المناخ بمحاولة تأمين عودة انتصارية إلى لبنان والتمركز فيه لتكريسه كصهريج محروقات إيرانية تؤمن له ولها "الفريش دولار"، إضافة إلى كونه مستودع سلاح وساحة تدريب وتهريب.

الخروج الإيراني المتوقع من سوريا، يعني أن آلاف الشباب الشيعة الذين سقطوا دفاعا عن نفوذها قبل أن يكون الأمر دفاعا عن بشار الأسد لم يؤد الدور المطلوب منه، أي التسليم للحزب بالسيطرة الكاملة والمطلقة على البلد.

إيصال ميشال عون إلى سدة الرئاسة سبق أن وظف بوصفه توكيدا لتلك السيطرة التي سوق لها كمسوغ للمشاركة في الحرب على الشعب السوري.

تآكل هذا العنوان استفحال الأزمات الاقتصادية والمعيشية ووصولها إلى حدود كارثية يصعب لجمها، وبروز الوزير جبران باسيل بمشروعه الذي يصر فيه على لعب دور الشريك المضارب وبيع المواقف بالقطعة، وتصريحاته التي يعتبر فيها أن الحزب حالفه لأنه الأقوى ولأنه صاحب الثقل المسيحي الأبرز.

المحروقات باتت مع الإيقاع المتسارع لوتيرة الانهيار بمنزلة إكسير الحياة فوجد فيها الحزب ضالته. استجلابه للمحروقات يمنحه رمزية السيطرة على شؤون الحياة والموت الذي كان يؤمنها سابقا وضعه لقرار الحرب والسلم في يده، وعبر السلطة التي يعممها يمكنه أن يبني خطابا يستفيد من عمق الأزمة وشدتها يقول فيه إن الدم الشيعي المسفوح في سوريا لم يذهب هدرا، ولكنه يترجم في صناعة مشهد غلبة وقودية شيعية تؤمن للطائفة البقاء والاستمرار والتفوق والوصاية على سائر المكونات.

يضاف إلى ذلك أنها تجعل منه محسنا ومتفضلا على كل من ينالهم كرمهم الوقودي الذي يمكن أن يباع بأسعار أقل من سعر السوق، ولكنه يبقى مع ذلك تجارة مجزية تماما مع رفع الدعم وتسعير المحروقات بالدولار.

الشركات التي ستتولى توزيع الوقود الإيراني هي محطات الأمانة الخاضعة سلفا للعقوبات، ولكن اللعبة تكمن في أن الحاجة الملحة للمحروقات وانعدام البدائل أو شحها وصعوبة الحصول عليها، تجعل من كل فرد أو شركة أو مؤسسة تتعامل مع هذه المحطات عرضة للعقوبات.

هكذا تصبح العقوبات حربا على الناس وعيشهم ويختفي الأصل الذي صدرت عنه بوصفها استهدافا للحزب وتعاملاته بشكل خاص وينعدم معماه وتذوب وظيفته، ليتحول إلى عملية إعدام مباشرة لعموم اللبنانيين.

سجّلت أكثر من 300 مؤسسة على المنصة التي فتحها الحزب لبيع المحروقات في شركات الأمانة الخاضعة للعقوبات. كل واحدة من هذه المؤسسات اختارت طوعا وضع نفسها في دائرة الاستهداف بالعقوبات الذي بات في نظرها ومع الاستفحال المتمادي للأزمة أقل وطأة من التعرض لخطر الخسائر الفادحة أو الإقفال التام.

من هنا بنى الحزب علاقة جديدة مع كلّ راغب في شراء محروقاته، تعمل على التخفيف من التناقض الطائفي والسياسي معه وصولا إلى غض النظر التام عنه، لأنه بات بمثابة المنقذ في ظرف مغرق في التهاوي، في حين أن الرعاة المفترضين لباقي الطوائف محليا وإقليميا اكتفوا بالتفرج، والتأكيد الذي بات أشبه بنكتة سمجة على أن سلوك الحزب من شأنه تقويض الدولة.

خلق الحزب بديلا ناجحا عن دولة لم تعد قائمة منذ زمن طويل، وسمح بتشكيل حكومة تكمن مهمتها في شراء الوقت له وتجهيزه لتمكين وضعه لمواجهة الاستحقاقات القادمة بفعالية لا تملكها سائر المكونات.

أطلق بالتزامن مع تشكيل الحكومة جملة أزمات انفجرت في وجه باقي الطوائف في الوقت الذي تخرجه من دائرة الاتهام.

مع صدور مذكرات الجلب الاتهامية في حق رئيس الحكومة السابق حسان دياب على خلفية مسؤوليته عن تفجير المرفأ انفجرت مشكلة داخل الطائفة السنية.

الأمر نفسه يتكرر في الساحة المسيحية بشكل مختلف قليلا في ما يخص استدعاء وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس بالتهمة نفسها، حيث يلعب اتهامه دور إقفال الطريق على طموحات سليمان فرنجية الرئاسية، ويمهدها أمام جبران باسيل.

مع اكتمال التغطية القضائية على مسؤولية الحزب التي لا تنكر عن تفجير المرفأ وتحوله من مجرم إلى منقذ فإن أطنانا لا تعد ولا تحصى من النيترات والمحروقات والأزمات ستنفجر بشكل متكرر في وجوه اللبنانيين، ولكن وحشيتها الفائضة والتي لا تحتمل تكمن في أنها تتخذ طابع الرعاية، انسجاما مع شعار "معا للإنقاذ" الذي رفعته حكومته.