عن الخطايا الأربع للعرب في سوريا

2024.05.18 | 05:45 دمشق

6877777777777777777777
+A
حجم الخط
-A

ارتكب العرب أربع خطايا كبيرة في تعاطيهم مع الصراع في سوريا. الأولى، عندما لم تتمكن الدول العربية في بداية الحرب من صياغة استراتيجية موحّدة ومتماسكة في دعم الثورة من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد.

والثانية عندما تراجعت بعض الدول، التي قدمت الدعم السياسي والعسكري القوي للمعارضة، عن مواصلة هذا الدعم وتخلت عن هدف الإطاحة بالأسد لأن هذا التراجع وضع العرب على الهامش في الصراع وأفسح المجال أمام روسيا وإيران لعكس مسار الحرب.

والثالثة، عندما لم يول العرب أهمية لمواءمة مصالحهم السورية مع تركيا، التي استطاعت بعد منتصف العقد الماضي تعزيز حضورها القوي في المشهد السوري وأصبحت الدولة الوحيدة فعلياً التي تحول دون تصفية القضية السورية بالكامل.

أما الخطيئة الرابعة فتتمثل بقرار جامعة الدول العربية إعادة عضوية سوريا وقرار بعض الدول العربية إعادة تطبيع علاقاتها مع دمشق.

أتحدّث عن هذه الخطايا الأربع بمناسبة القمة العربية التي عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة وشارك فيها رئيس النظام بشار الأسد. قد لا نتفق جميعاً على تقييم موحد للسياسات العربية في سوريا خلال سنوات الصراع، لكنّ هناك مسألة واحدة على الأقل يُمكن الاتفاق عليها وهي أن عدم استقرار هذه السياسات كان من بين عوامل رئيسية جعلت الصراع يستمر لفترة طويلة وتُقوض من فرص معالجته بطريقة صحّية. وهذه النقطة تقودنا إلى حقيقة أن العالم العربي بحاجة إلى أن يلعب دوراً مؤثراً في سوريا وأن لا يترك المجال أمام العوامل الأخرى، التي فاقمت من الانهيار السوري في إنتاج دولة فاشلة لا تعمل فحسب على تدمير حاضر ومستقبل السوريين، بل تُحول سوريا إلى مُزعزع للأمن الإقليمي ومُصدّر للفوضى في محيطها العربي.

في الشكل، تظهر اندفاعة بعض الدول العربية نحو دمشق في السنوات الأخيرة على أنها نضوج في السياسة العربية في سوريا. 

مع ذلك، يظهر أيضاً أن هذا النضوج المفترض لا يزال يفتقر إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى تُساعد في تحويل الدور العربي في سوريا إلى عامل مُعزز لفرص إعادة الاستقرار إلى هذا البلد.

كان من الصعب على العالم العربي إنتاج استراتيجية متماسكة لدعم الثورة بسبب حقيقة أن هاجس بعض الدول من الربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي تفوق على الهاجس من بقاء نظام الأسد.

ويرجع ذلك إلى مُعضلتين أساسيتين، الأولى أن هذا التحول في السياسات العربية يتعامل مع نجاح النظام وحلفائه في عكس مسار الحرب لصالحهما على أنّه الواقع الذي لم يعد بالإمكان تجاهله.

والثانية أن الرهانات، التي تقوم عليها هذه السياسات، ليست خاطئة لأنها تقوم على تقديم المُحفزات للأسد لإقناعه بمزايا الانخراط في عملية سياسية مع المعارضة تؤدي إلى معالجة جذرية للصراع فحسب، بل لأنها تُغذي أيضاً اعتقاد النظام بأنه انتصر في هذه الحرب وبالتالي لا يوجد ما يدعوه إلى إحداث أي تغيير سياسي طالما أن العرب يتعاملون معه الآن على أنه كسب الحرب.

وهذه الخطايا الأربع مجتمعة تُفسر الحال الذي وصلت إليه السياسات العربية في سوريا. إن الأسباب التي أدّت إلى تخبط السياسات العربية تبدو واقعية إلى حد كبير. فمن جانب، كان من الصعب على العالم العربي إنتاج استراتيجية متماسكة لدعم الثورة بسبب حقيقة أن هاجس بعض الدول من الربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي تفوق على الهاجس من بقاء نظام الأسد.

ومن جانب آخر، كانت معظم السياسات العربية في سوريا رهينة لسياسات الولايات المتحدة المترددة والمخادعة في آن معاً، والتي أربكت الحسابات العربية في الصراع.

علاوة على ذلك، وبسبب الهوة الكبيرة، التي أفرزها الموقف من الربيع العربي بين الدول العربية النافذة وتركيا، فإن هذه الهوة انعكست على سياسات الطرفين في سوريا.

مع ذلك، يُمكن التوصل إلى خلاصتين مُهمتين للسياسات العربية في سوريا. الأولى أن تخبط هذه السياسات لم يؤدي سوى إلى ضعف التأثير العربي على مسار الصراع.

والثانية أن معالجة هذه الإشكالية بإشكالية أخرى على غرار الإقرار بأن الأسد انتصر في الحرب، لن تؤدي بأي حال إلى نتائج تعود بالفوائد الكبيرة على الدور العربي في سوريا. 

لذلك، يبدو حضور الأسد بين الزعماء العرب مستفزاً في الواقع للسياسات العربية بقدر ما هو مُستفز للغالبية الكبيرة من السوريين، الذين كانوا ينتظرون من العالم العربي أن يقف إلى جانبهم في هذا الصراع ويُساعدهم على تحقيق تطلعاتهم المشروعة بالتخلص من نظام فتت أواصر المجتمع السوري وهجر الملايين وحول سوريا إلى ساحة لتصفية حسابات بين القوى العالمية من أجل البقاء فقط.

الطريق الوحيد، الذي يُمكن أن يُعيد العرب إلى سوريا فعلاً لا شكلاً، يمر فقط عبر الاعتراف أولاً بحقيقة أن سوريا لا يُمكن أن تخرج من هذه الحرب وتتعافى منها بشكل سريع من دون تحقيق انتقال سياسي يُلبي طموحات السوريين.

هو مُستفز لأنه أفسح المجال أمام الأسد لتصوير نفسه على أنه الرئيس الذي بمقدوره إبقاء سوريا ركيزة من مرتكزات الأمن القومي العربي بينما سمح - ولا يزال - لإيران باستخدام سوريا كمنصة عربية أخرى إلى جانب العراق ولبنان واليمن لتهديد أمن الدول العربية عبر نشاط الميليشيات المسلحة العابرة للحدود وعبر جريمة تجارة المخدرات المنظمة التي يرعاها النظام إلى جانب هذه الميليشيات. ولأنه أيضاً سمح للأسد بتصوير نفسه على أنه ضحية لحرب كان فيها الجزار.

إن الطريق الوحيد، الذي يُمكن أن يُعيد العرب إلى سوريا فعلاً لا شكلاً، يمر فقط عبر الاعتراف أولاً بحقيقة أن سوريا لا يُمكن أن تخرج من هذه الحرب وتتعافى منها بشكل سريع من دون تحقيق انتقال سياسي يُلبي طموحات السوريين.

وثانياً عبر ممارسة خيارات الضغط العديدة المتاحة على الأسد لإجباره على سلوك هذا المسار بدلاً من سياسة المحفزات التي تُعطي نتائج عكسية مع حالة الأسد.

وثالثاً وأخيراً عبر الانفتاح على التعاون مع تركيا لإنتاج استراتيجية تركية عربية مُتماسكة قادرة على مضاعفة الضغط على الأسد وحلفائه للقبول بحل سياسي حقيقي وعلى تقويض قدرة إيران على مواصلة الاستفادة من فراغ الدور العربي في سوريا.