icon
التغطية الحية

عنوسة الذكور.. هل بات الزواج ترفاً في سوريا؟

2022.10.14 | 04:23 دمشق

صورة تعبيرية عن العنوسة في سوريا (الإنترنت)
صورة تعبيرية عن العنوسة في سوريا (الإنترنت)
فتحي أبو سهيل - خاص
+A
حجم الخط
-A

منذ 7 سنوات، يعمل عبد الله وهو ميكانيكي سيارات، على إكساء منزل اشتراه في جرمانا جنوبي دمشق، أملاً بأن يتزوج وينشأ أسرة.

يخطط عبد الله الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، للزواج منذ كان عمره 28 عاماً لكنه أنفق كل ما يملك على شراء منزل على الهيكل (على العظم) حينذاك، ولا يزال يحاول أن ينهي ما بدأه من الإكساء.

يقول الشاب "عزمت على الزواج منذ سبع سنوات وقمت بشراء منزل في جرمانا بـ 17 مليون ليرة، بـعدما اضطررت لبيع السيارة الخاصة بالعائلة إضافة لاستدانة مبلغ من خالي.

ويضيف عبد الله، لكن المبلغ لم يكن كافياً لعملية إكساء المنزل، فبدأت بالإكساء تبعاً لما يتوافر من مال عن عملي الخاص.

وعلى الرغم من أن عبد الله انتهى من الإكساء، ولكن الزواج لم يتم نظراً للظروف الاقتصادية "القاهرة" التي يعيشها السوريون، ويقول الشاب، صحيح أن المنزل بات جاهزاً للفرش اليوم، لكن الخطط تغيرت.

يخطط عبد الله لبيع المنزل والهجرة إلى أربيل، إقليم كردستان شمال العراق، للعمل نتيجة ضيق الحال وركود الأعمال على حد وصفه،

وبات ينظر إلى المنزل على أنه مخلصه الوحيد للهرب من الواقع الذي يعيشه بعد أن كان ملاذه للزواج والاستقرار. لا يعلم عبد الله أنه بتغيير خططه يساهم بزيادة العنوسة في البلاد، وكل ما يهتم به حالياً هو الخروج من الوضع السيئ.

بلغت نسبة العنوسة في سوريا 70% بحسب إحصائية لـ "وزارة الشؤون الاجتماعية" نقلتها وكالة سبوتنيك الروسية، في أيلول/سبتمبر الماضي.

وتؤكد الإحصائية وجود ثلاثة ملايين فتاة بلغن الـ 30 من العمر من دون زواج.

لكن تقارير الوزارة والتقارير الصحفية وأحاديث الخبراء الاجتماعيين تركز دائماً على عنوسة المرأة، بينما في المقابل هناك عنوسة ضخمة بين الذكور أيضاً، فالشباب الذكور هم الطرف الأول لمشكلة العنوسة في البلاد.

وبات من الطبيعي أن تجد شاباً في الـ 35 من عمره من دون زواج أو حتى لا يطمح إليه.

تكاليف الزواج الباهظة

يحتاج عبد الله أو أي أحد من أقرانه المقبلين على الزواج اليوم إلى إنفاق مئات ملايين الليرات لبدء حياته الأسرية، حتى لو امتلك منزلاً، فالمنزل وحده لا يكفي.

ويقول عز الدين، شاب سوري في الـ 31 من عمره، مؤكداً أنه يستطيع السكن مع عائلته في الطابق العلوي في الحسينية بريف دمشق، لكن شراء المستلزمات مستحيل بالنسبة له.

يعمل عز الدين في طلاء المنازل (دهّان)، ويؤكد أن كل ما يملكه بالكاد يكفيه لشراء ثلاجة، التي وصل سعرها (الثلاجة 19 قدم) 3.8 ملايين ليرة سورية (ألف دولار أميركي تقريباً)، والغسالة بالسعر ذاته تقريباً، وغرفة النوم بين 3 – 4 ملايين ليرة، وغرفة الجلوس بين 3 – 3.5 ملايين ليرة، والشاشة 32 بوصة بـ 1.5 مليون ليرة، وفرن الغاز بـ 1.5 مليون، دون الأدوات الكهربائية الصغيرة مثل المكواة والسشوار وغيرهم، وأدوات المطبخ كالطباخ والسخان والفرن والأواني وغيرها من تفاصيل كثيرة كالسجاد والمدافئ.

يقدر عز الدين كلفة طلاء المنزل مع بعض التعديلات وإنهاء كل مستلزماته ليتزوج بـ 75 مليون ليرة، يضاف إليه مهر التي يريد أن يتزوجها وهنا تدخل طلبات الأهل التعجيزية والأرقام الفلكية، إضافةً إلى كلفة العرس، لذلك، يرى أن ذلك بعيد المنال، ولن يفكر بالزواج في القريب العاجل.

عز الدين وعبد الله يملكان منزليهما، لكن الشريحة الأكبر من الشباب لا تملك، واستطلع موقع "تلفزيون سوريا" آراء العديد من الشباب في سوريا، فكثير منهم غير قادر على تأمين إيجار شهري للمنزل الذي قد يتراوح بين 250 – 400 ألف ليرة سورية، بينما رواتب القطاع الخاص تصل إلى نصف مليون ليرة في أفضل حالاتها، وسط ركود في قطاع عمل أصحاب المصالح الحرة.

الهجرة أولوية الشباب في سوريا

ضعف الأجور وفشل المشاريع التي يعمل بها الشباب، وضيق الأفق وضبابية المستقبل، كلها أمور تدفع الشباب في سوريا لجعل السفر أولوية عن أي خطة أخرى، أو على الأقل "الاكتفاء الذاتي بالمردود الشهري وعدم المخاطرة بدخول المجهول في تأسيس أسرة وإنجاب أطفال" وفقاً لجهاد الذي بلغ الـ 40 عاماً، ويعزي تأخره بالزواج للأزمة في البلاد.

يقول جهاد إنه يحصل شهرياً على مدخول بين 700 – 900 ألف ليرة من العمل في الحلويات، وهي بالكاد تكفيه وحده دون شريك حياة، فهو من سكان كفر بطنا بريف دمشق، لكنه يستأجر استديو (غرفة ومنتفعات) في جرمانا بـ 250 ألف ليرة.

ويضيف الشاب، هذا المبلغ خاص بي وحدي، يمكن أن أتناول الإفطار اليوم ويمكن ألاّ أتناوله إن كنت لا أملك ما يكفي، لكن حينما أكون مسؤولاً عن عدة أشخاص سيكون الشعور مختلفاً وقد أسرق لأطعم أطفالي، وهذا ما لا أريده، فالزواج بالنسبة لي مخاطرة بأرواح من معي ومستقبلهم مستقبلي".

الأسئلة المؤلمة

يتابع جهاد، لو تزوجت، هل تضمن لي أن أستطيع الإنفاق يومياً على رضيع من حليب وفوط ورعاية طبية؟، هل تضمن لي أن أستطيع الإنفاق ولو على طفل واحد في المدرسة؟ هل سأستطيع شراء اللحم لهم والألعاب؟ هل تضمن مستقبلك أنت لتضمن مستقبل أولادك؟ الأسئلة مؤلمة، ولا أريد المخاطرة لأعرف الإجابة عليها، هذا ليس هروباً من المسؤولية كما يسميه البعض، بل هو المسؤولية بعينها، قد أسحب للاحتياط في أي وقت، وقد يتوقف عملي لأي سبب. وتحل الكارثة حينذاك.

يحاول جهاد بغصة إثبات أنه شخص مسؤول حينما اتخذ قرار العزوف عن الزواج.

وبحسب المحامي زين أحمد، المتابع لظاهرة عنوسة الذكور في سوريا، فإن عدم إدراك الشباب ووعيهم لكلمة مسؤولية وخوفهم من تحدي الالتزام القادم أدى لزيادة نسبة العنوسة.

ويقول المحامي لوكالة "سبوتنيك"، يفضل الشباب الانسحاب بصمت من أي علاقة لعدم قدرتهم على الصمود فيما هو آت. من دون حتى أن يعرفوا ما هو آت حتى. يقنعون أنفسهم بتجارب الآخرين. ويريدون البقاء فيما يسمى بـ (حوض السمك)، والعيش بحرية وكما يقال (من بنت لبنت)"، على حد تعبيره.