عقاب يحيى صديق الأمل

2021.07.11 | 07:10 دمشق

maxresdefault.jpg
+A
حجم الخط
-A

رحل عقاب يحيى في إسطنبول وترك غيمة من الحزن فوق رؤوس كل الذين عرفوه. وفاته لم تفاجئ أحدا، لأنه كان يعاني من السرطان، ويخضع للعلاج منذ أكثر من عامين، ولكن المفاجأة كانت في ردود الفعل على غيابه، فقد اكتشفنا أن الرجل يحظى بشعبية كبيرة واحترام وتقدير، ما جعل كثيرين يرثونه على وسائل التواصل، ويسيرون خلف جنازته التي تعذر نقلها إلى سوريا، ووجدت مكانها في إسطنبول التي استقبل ثراها قبله سوريين آخرين ضاقت بهم الأرض، وعثروا في تركيا على أرض مضيافة وكريمة وحنونة في لحظة صار السوري فيها مطرودا من بلاده وبلاد الله الواسعة، ولا يجد لنفسه حتى قبرا.

تعرفت إلى عقاب يحيى في الجزائر عام 2005 مع الأخوين الصديقين ميشيل وسمير سطوف، ورغم أن اللقاء كان سريعا، فإن الرجل ترك لدي أثرً طيباً، فهو إنسان على درجة عالية من الكياسة واللطف وذو ثقافة واسعة ومتحدث طليق اللسان وكاتب لديه مشروع لم يجد الوقت والمزاج كي ينجزه كما كان يطمح، وما هو منشور من روايات وقصص للأطفال أقل بكثير من الذي كتبه وتركه ولم يعرف طريقه للنشر بعد، والسبب في ذلك أن يحيى كان من صنف البشر الذين يعيشون على السياسة والقراءة معا، بينما تشكل الكتابة لهم رئة احتياطية يتنفسون منها حين يصبحون خارج وسطهم الطبيعي. ومر زمن طويل حتى التقينا ثانية في إسطنبول بعد نحو 15 عاما، وكان عقاب قد انخرط في تجربة المؤسسات التي تصدرت تمثيل الثورة السورية، ومنها الائتلاف الوطني. ورغم أن هذه الهيئة تلقى انتقادات واسعة من قبل السوريين وواجهت امتحانات صعبة، وتعرض كثير من قياداتها للنقد وحتى التشهير، فإن يحيى ظل يحوز إجماعاً، ويحظى بالتقدير ، وذلك بفضل نزاهته وتواضعه وتفانيه في العمل وترسيخ كامل وقته من أجل خدمة الثورة السورية، رغم كل المصاعب التي واجهت العمل في الشأن العام والانقسامات والتشظيات وحالات الإحباط والانسحابات والمعارك بين الفرقاء، والتي وصلت إلى صفحات الصحف. لقد بقي "أبو أيهم" بعيدا عن الحروب الحزبية والشللية والأنانيات، وظل يعمل بصمت من موقعه في الائتلاف، بالإضافة إلى الكتابة والظهورات التلفزيونية المميزة، ومنها شهادته الخاصة في برنامج "الذاكرة السورية" على شاشة تلفزيون سوريا، والتي تم إنجازها في شباط الماضي في وقت كان يحيى يعاني من تقدم المرض اللعين، وتحمل التعب والألم ليسجل ساعات طويلة، قام خلالها برسم لوحة بانورامية لمرحلة مهمة من تاريخ سوريا، استعاد فيها ذاكرة خصبة لم تعرف التعب، أو يتسرب إليها المرض ومتاعب الحياة. وهي ذاكرة المرحلة التي سطا فيها حافظ الأسد على الحكم عام 1970، ووضع كل من عارضه من قيادات حزب البعث في السجن. وللأمانة لم يتم قبل ذلك تسجيل تلك المرحلة كما وردت في شهادة عقاب يحيى، التي تميزت بتغليب الموضوعي على حساب الذاتي، عكس غالبية الشهادات التي تناولت تلك المرحلة في محطات تلفزية أخرى، أو من خلال مذكرات مكتوبة. وعليه فإن هذه الشهادة تشكل وثيقة مهمة لمرحلة من تاريخ حزب البعث وسوريا، وتعكس رؤية عقاب يحيى وعلاقته بالمعارضة وقراءته للتاريخ.

حين كنت أهاتفه أو التقيه أحسب حساب المرض، ولكني وجدته دائما يتمتع بحيوية وسعة صدر، وهو أمر صعب حينما يصل المرض مرحلة متقدمة وتصبح إمكانية الشفاء متعذرة، ويعيش الكائن فيها مرحلة العد العكسي. كان عقاب يتحلى بشجاعة في مواجهة الموت لا نظير لها، وبقي على هذا الحال حتى وافته المنية في السادس من الشهر الحالي، وظل يتصرف كما لو أنه سيذهب في سفر بعيد أو إجازة مفتوحة، هو الذي عاش بقوة الأمل.