icon
التغطية الحية

عبد الرحمن الشهبندر.. أول وزير خارجية والعقل المدبر للثورة السورية الكبرى

2022.02.25 | 09:58 دمشق

fotoram.io_4.jpg
عبد الرحمن الشهبندر
أحمد العربي
+A
حجم الخط
-A

عرف تاريخ سوريا الحديث، شخصيات مهمة لها بصماتها في تأسيس الدولة السورية، لعل من أبرزها، الطبيب عبد الرحمن الشهبندر، الذي سطع نجمه في سماء البلاد منذ عشرينيات إلى أربعينيات القرن الماضي ثائراً ومناضلاً وطنياً. 

لم يدون الشهبندر سيرة ذاتية له، خاصة أنه كان منذ بداية شبابه حتى وفاته منشغلاً بشكل كلي بالقضايا العامة التي عاشتها سوريا والمنطقة في أوائل القرن الماضي حتى مقتله.

ووثق كتاب "رسائل عبد الرحمن الشهبندر.. 1879 - 1940، تاريخ أمة في حياة رجل" للكاتبة دعد الحكيم، قسماً غنياً من حياة الشهبندر، ويورد مجموعة من رسائله وأفكاره.

من هو عبد الرحمن الشهبندر؟

ولد عبد الرحمن الشهبندر في دمشق عام 1879، درس في مدارس دمشق، ثم التحق بالجامعة الأميركية في بيروت، وحاز فيها الشهادة العلمية عام 1901، ثم درس الطب بين عامي 1902 - 1906.

وفي عام 1908 التحق بجمعية تركيا الفتاة، بعد أن ثارت على السلطان عبد الحميد الثاني وأطاحت به، لكنه ترك الجمعية بعد ذلك عندما وضحت سياسة التتريك التي انتهجتها. 

كان مؤيدًا لبريطانيا وفرنسا ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حيث وعد الإنجليز الشهبندر ومجموعة من السوريين بأن يتم تشكيل دولة عربية مستقلة في بلاد الشام بعد سقوط العثمانيين. 

وسمي ذلك الاتفاق بـ "عهد السبعة" مثلما حصل مع الشريف حسين، لكن تبين أن ذلك كذب وخداع الفرنسيين والإنجليز الذين كانوا قد عقدوا اتفاقية "سايكس - بيكو" التي تنص على احتلال هذه البلاد وتقسيمها. 

هرب الشهبندر الى العراق ثم مصر من ملاحقة الأتراك في بداية الحرب العالمية الأولى إذ أعدموا عدداً من الناشطين السوريين في دمشق 1915 ثم علقوا المشانق في بيروت. 

لم يعد الشهبندر إلى البلاد حتى عام 1920، إذ شارك في الحكومة العربية الأولى بقيادة الملك فيصل التي شكلها الرئيس السوري السابق هاشم الأتاسي وعُين الشهبندر وزيراً للخارجية، في حين سلمت وزارة الدفاع إلى يوسف العظمة. 

 

العقل المدبر للثورة السورية الكبرى

رفض الشهبندر مع يوسف العظمة إنذار الجنرال الفرنسي غورو، ودعم قتال الفرنسيين في ميسلون، ثم غادر إلى مصر بعد دخول الفرنسيين إلى دمشق. 

عاد عام 1921، والتقى مع لجنة "كرين" الأميركية، التي جاءت لتقصي الحقائق، وأدى ذلك إلى محاكمته من قبل الفرنسيين ليحكم عليه بالنفي لعشرين عاماً، إلى بيت الدين ثم إلى جزيرة أرواد وبقي فيها قرابة السنتين، ليطلق سراحه عام 1923.

غادر الشهبندر سوريا إلى أوروبا وأميركا، والتقى مسؤولين كثراً شارحاً قضية سوريا، ليعود بعد ذلك ويؤسس مع آخرين حزب الشعب. ويبدأ في بث روح الثورة على الفرنسيين.

يعد الشهبندر العقل المخطط للثورة السورية الكبرى، حيث أسهم في اشتعالها في جبل العرب بالتواصل مع قائدها سلطان باشا الأطرش، في الوقت نفسه كان ينسق مع الثوار في غوطة دمشق ويدعمهم، وفي ظل ذلك توسعت الثورة السورية الكبرى لتصل إلى حماة بقيادة فوزي القاوقجي، وحلب وما حولها بزعامة إبراهيم هنانو، وفي الساحل بقيادة صالح العلي.

لم تستطع الثورة الصمود أمام بطش الجيش الفرنسي، خاصة أنها لم تجد أي دعم حقيقي من أي طرف عربي حيث ذهب الشهبندر بنفسه للقاء ملك الأردن عبد الله، كما التقى ملك السعودية عبد العزيز آل سعود، وكذلك الملك فيصل في العراق وكلهم كانوا تحت الهيمنة الإنجليزية حينذاك.

عبد-الرحمن-الشهبندر-1200x675.jpg
عبد الرحمن الشهبندر في الأردن

من حكم الإعدام إلى الاغتيال

ومع اشتداد الوضع، غادر سلطان باشا الأطرش والشهبندر وآخرون من جبل العرب إلى الأزرق في الأردن عام 1926، حيث استقر سلطان باشا الأطرش هناك أكثر من عشر سنين في ظروف حياة قاسية، وحكم الفرنسيون على الشهبندر والأطرش بالإعدام لدورهم القيادي في الثورة.

انتقل الشهبندر إلى العراق لفترة ثم طرد منها وذهب إلى مصر مناضلاً لأجل القضية السورية حتى عاد بعفو إلى دمشق بعد ١٢ عاماً، بعد اتفاق الجلاء الذي عقد في باريس عام 1937.

في تلك الفترة، استقر في دمشق يعمل في عيادته ويناضل لقضية استقلال سوريا وجلاء الفرنسيين، وفاضحاً للقيادات السورية المهادنة للفرنسيين. هذه القيادات التي لم تكن تتحمل وجود الشهبندر ودوره فخططت لاغتياله على يد عصابة مأجورة، واتهموه بالكفر وأهدروا دمه.

اغتيل الشهبندر في عيادته في 6 تموز عام 1940، حكم على القتلة بالإعدام ونفذ الحكم بعد سنة، لكن المحرضين المتهمين بقتله هربوا في البداية من سوريا ثم عادوا إليها وكان لهم أدوار سياسية مختلفة بعد ذلك، وفق الكاتبة.

mdh_ybq_mn_lqwmy_lrby-web.jpg
الحكومة العربية في دمشق

رسائل الشهبندر

لقد كان الشهبندر نموذجاً لصاحب القضية الحامل للرسالة، فهو ومنذ شبابه يصرح بوجهة نظره فيما يجب أن يحيا عليه الإنسان المسلم والعربي والسوري وما هي سبل الخلاص. 

كان الشهبندر عقلاً واعياً في مرحلة مفصلية، حيث تحدث عن انهيار الحضارات وأن الشعوب والأمم محكومة بسنن وقوانين تحكم تطور المجتمع وأن عدم الأخذ بهذه السنن والقوانين يجعل الأمم متخلفة وضحية للقوى المسيطرة عالمياً، مؤكداً أن ذلك واقع العرب والمسلمين الذي عليهم تغييره.

ويرى الشهبندر أن أسباب انهيار الحضارات يتركز في: 

  •  فساد الأخلاق

 إن عدم اعتماد مكارم الأخلاق والالتزام بحقوق الإنسان والواجبات وعمل الخير كما يحضنا الإسلام والمنطق جعلنا متخلفين.

  • انتشار الظلم 

انعدام العدالة الاجتماعية، من التعدي على الملكيات الاستغلال وبروز التفاوت الاجتماعي، حيث تعيش معظم فئات المجتمع في فاقة وجهل وتخلف ومرض وأمية، وأقليّة مترفة باذخة جوفاء تسيطر على كل شيء وتهتم بسفاسف الأمور.

  • العنصرية

الصراع بين مكونات المجتمع الدينية والعرقية وحتى المناطقية بين ريف ومدينة، وغيرها، مشيراً إلى أن العنصرية تجعل اهتمام الناس ينصب على من هم؟! وليس على ما هم يعملون ليصنعوا حياتهم الأفضل؟.. ويعيشون صراعات بينية فارغة تؤدي إلى العداوات التي لا تنتهي وتضر بالجميع من دون استثناء.

  • التقليد الأعمى

شن الشهبندر حرباً شعواء على التقليد في كل شيء واعتبره آفة مجتمعية ضارة. وأنها تجعل هؤلاء الناس مجردين من التفكير العقلي والنقدي واستحسان الجيد والأخذ به واستبعاد الخطأ والتبرؤ منه في كل شؤون الحياة. بدءاً من التقليد في الأعراس والمجالس والدعوات والولائم وحتى في مجالس العلم والتعلم. كله تقليد أعمى يضر ولا ينفع ويسيء إلى صاحبه وإلى الآخرين.

  • سبب النهضة الأوروبية

يعتقد أن الأوروبين أخذوا بأسباب العلم الذي كنا رائدين فيه في عهود سابقة، لينتقلوا من السحر والشعوذة إلى البحث والتقصي وإدراك قوانين الحياة والتحكم فيها واستثمارها في الصناعة والتجارة وبناء صروح العلم، ليحكموا العالم بعد ذلك.

  • جهل الشباب

توقف الشهبندر كثيراً عند الشباب الذين هم عماد تقدم الأمم، مؤكداً أن الشباب العربي والمسلم يعيش في ترف و فراغ، حياته ضائعة ولا جدوى وفائدة منها، وبعضهم موغل في الفقر والجهل والأمية. وهؤلاء جميعاً أصبحوا علة تخلف الأمة بدل أن يكونوا صانعي مستقبلها الأفضل.

استذكار الشهبندر في الثورة السورية المعاصرة 

كان الشهبندر نموذجاً يستحق أن يدرس ويقتدى به ويتعلم من سلوكياته، فهو أبو الثورة السورية الكبرى عام 1925، ونحن في حضرة الثورة السورية المعاصرة التي انطلقت عام 2011 ضد نظام بشار الأسد وما زالت مستمرة، حيث كان مدرسة في التركيز على الأهداف الجوهرية للثورة في:

  •  طرد المستعمر الفرنسي في الثورة الماضية - (إسقاط نظام الأسد) في الثورة الحالية
  •  رفض التقسيم والفتنة الطائفية والعرقية - (المواطنة)
  •  رفض المساومة على الأهداف الأساسية للثورة وحقوق الشعب
  •  التخطيط والتشاور والمواظبة الدؤوبة على العمل
  •  العمل الجماعي والتنسيق في كل وقت
  • رفض المساومة مع المستعمر - (رفض التعامل مع نظام الأسد الآن)

ولعل أبرز ما يمكن استقاؤه من سيرة عبد الرحمن الشهبندر أنه لم يقع في فخ المستعمر سابقاً، ويدعونا عبر رسائله بشكل غير مباشر لعدم الوقوع في فخ النظام المستبد الآن، عبر خدمته بقصد أو من دون قصد، عبر التركيز على المصالح الشخصية، والطعن بالظهر، وصولاً إلى القتل وعمليات الاغتيال ما يضيع علينا كثيراً من الجهد والوقت والأرواح.