عامان على بروتوكول سوتشي في إدلب

2022.02.27 | 05:23 دمشق

d9mmnlquyaa5osv-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

تمرُّ الذكرى الثانيّة على توقيع مذكرة سوتشي الخاصة بمنطقة إدلب وذلك في 5 من آذار/ مارس، 2020 بعد معارك طاحنة هي الأكبر من نوعها على آخر مناطق المعارضة السورية، من أصل 4 مناطق، والتي استوجبت أن تتدخل تركيا، بثقلها العسكري للمرة الأولى في إدلب، ضمن معركة "درع الربيع" لإيقاف الزحف الروسي والإيراني لعمق المدينة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط.

لقد تناولت المذكرة، إيقاف المعارك العسكرية، وإنشاء ممر آمن بعمق 6 كيلومترات على الطريق الدولي M4 جنوب مدينة إدلب، وتسيير دوريات مشتركات، وتنفيذ باقي بنود اتفاقية سوتشي (2018).

بعد عامين على توقيع هذه المذكرة، يمكن القول، بإنَّ هذه أطول فترة منذ اندلاع الثورة السوريّة تتوافق بها الأطراف وتسطيع تحويل اتفاقيات/ بروتوكلات خطية و/ أو سياسية مكتوبة إلى تطبيقٍ على أرض الواقع كما في حالة منطقة إدلب. دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال عدم وجود خروقات من قبل النظام السوري وروسيا.

إنَّ هذا التوافق قد يدل على وجود توافقٍ لأسباب مختلفة منها المحلية ومنها الإقليمية والدولية في إطار إدارة الملف وفق حسابات معقّدة عنوانها المكاسب المتبادلة عبر تأخير الاشتباك.

نجاح تركيا بفرض إجراءات بناء وتعميق الثقة:

من الواضح بأنَّ هناك حرصا روسيا- تركيا على تعميق إجراءات بناء الثقة المشتركة حول مدينة إدلب السورية باعتبارها مدخلاً لتعميق العلاقات البينية بين الجانبين على صعيد الملف السوري أو حتى ملفات أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ أذربيجان وليبيا. أو ملف الطاقة والعلاقات الاقتصادية البينية التي تشهد طفرةً غير مسبوقة. ولكن مع ذلك، لا يمكن التسليم بأنَّ السياسة والمنافع وحدها يمكن أن تلجم/ تُحجم الأطراف على شنّ عملية عسكرية. فقبل عامين من الآن كانت روسيا -بالرغم من تحسن العلاقات مع أنقرة- لديها نيّة بالإقدام على عملية عسكرية تنهي بها حالة استعصاء الملف السوري. بالتالي، يبدو بأنَّ وصول الأطراف إلى هذه النقطة ما كان ليكون لولا القدرة التركيّة العالية على تحقيق -الحد الأدنى- من استراتيجية "الردع والاحتواء" فبعد استخدام المُسيّرات التركية (Bayraktar (TB2 والاستثمار التركي الناجع بالقدرات البشرية الكبيرة لدى أفراد/ مجموعات المعارضة السورية والزج بما يزيد عن (20) ألفاً من قوات جيشها في اللحظة المناسبة، وذلك بحلول نيسان/ أبريل 2020 ومن حينذاك ما زالت هذه القوات ترتفع، فمن المرجح أنَّها ارتفعت إلى (30) ألفاً ما عدا عدد الآليات العسكرية والمدفعية وراجمات الصواريخ والرادارات وناقلات الجند التي أرسلتها/ ما زالت تُرسلها لحد هذه اللحظة، آخرها في 2 من شباط/ فبراير، 2022 إلى جنوب مدينة إدلب.

مع التصعيد التركي، غير المسبوق نجحت/ أبعدت أنقرة عنها باستدراك خسارة أهم معاركها في سوريا بعد غموضٍ ساد حيّال المنطقة واستنزاف/عبثية كل أدواتها السياسية على الأصعدة؛ الرئاسية والفنية والدبلوماسية. ما ساهم، بفرض تركيا -بعد تدخلها- واقعاً جديداً يستند إلى توزانٍ متابين في القوى حيث لديها الحاضنة، والمسيرات، والعنصر البشري وتشكيلات عسكرية جاهزة لفصائل المعارضة وروسيا لديها الترسانة العسكرية وسلاح الجو وسياسة الأرض المحروقة.

وبالرغم، من وجود الفوارق بين حجم القوّة مع توافر هذه المعطيات، يمكن القول إنَّه من الوارد بأنَّ روسيا غير مستعدةٍ لخوض هذه الحرب لخشيتها من الاستنزاف. كذلك، الارتباك من تداعيات خسارة العلاقات مع تركيا المهمة في هذا التوقيت الحساس الذي تخوض به موسكو معركة أوكرانيا في نطاقها الحيوي. وهذا ما قد يؤجّل من حتميّة العمل العسكري ولا سيما مع إعادة السياسة الروسية ترتيب أولوياتها في محيطها بعد أن نجحت بتثبيت نفوذها شرق المتوسط. وحالة الاستعصاء التي فرضتها أنقرة في ظل تحويلها لطبيعة وجود قواتها في إدلب من "قوات مراقبة" إلى "قوات دفاعية" بعد إنشاء نقاط عسكرية في جنوب إدلب وشمال غربي اللاذقية وريف حلب الغربي.

وقد أدى ذلك إلى رفع العدد الإجمالي للمواقع التركية في شمال غربي سوريا إلى (76). بالإضافة إلى تشكيل طوقٍ حول إدلب ما يعيق/ يقلل احتمال الإقدام على أيّ عملية عسكرية. وهذا يُحيل للتأكيد على أنَّ هذه المؤشرات من شأنها تفضيل موسكو الحوار والدبلوماسية وبناء الثقة وتمتين العلاقات وتسخير الملف السوري للاستفادة منه في ملفات أخرى "كورقة ضغط" على حساب الولوج بعملية عسكرية شاملة قد تكون مكلفة مادياً وسياسياً وعسكرياً. مع هذا، لا يمكن الجزم بعدم وجود نيّة روسية بإنهاء حالة الاستعصاء العسكري وتحويل تدخلها الذي تجاوز عامه السادس إلى منجزات على الطاولة السياسية.

تحضيرات مستمرة وانتظار اللحظة المناسبة:

في الحقيقة، بالرغم من عدم توافر المؤشرات "الكافية" على نية الأطراف إنهاء التفاهم بشأن ملحق سوتشي. ولكن، هذا لا يعني عدم وجود تحضيراتٍ عاليّة المستوى للمرحلة المقبلة، مما لا شكَّ فيه بأنَّه ليس من السهولة أن تكون هناك استدامة للوضع الحالي في إدلب، وهذا يعني بطبيعة الحال توجه الأنظار اتجاه الاستعداد الحثيث للمرحلة المقبلة الذي يتطلب في الدرجة الأولى ماعدا الانتشار العسكري الموسع المضبوط وتأمين المناطق الدفاعية، تأهيل فصائل المعارضة السورية من قبل الجانب التركي، وبالفعل ما زالت أنقرة، مستمرّة بتدريب وتأهيل تلك فصائل عبر معسكراتٍ تُجريها في مناطق خاضعة لنفوذها. وهذا لا ينفي حالة الفوضى/ الاستقطاب على صعيد تشكيلات المعارضة. أي، ما زالت هناك مجموعة من العوائق ربما أبرزها؛ ضعف هيكلية الحكومة المؤقتة، وخاصةً وزارة الدفاع وعدم قدرتها على ضبط حالة الفوضى الفصائلية، وسيطرة/ استفراد هيئة تحرير الشام بالمشهد في مدينة إدلب، وعدم التوصل لصيغة تفاهم مشتركة على الأقل عسكرية بين سطات أمر الواقع في إدلب وحلب. ما يشير لاستمرار حال الانقسام، ولكن دون أن يعني ذلك فقدان أنقرة سيطرتها وإدارتها لهذه التناقضات.

في حين، تستمر روسيا بتعزيز حضورها على خطوط التماس مع مناطق المعارضة، وفي قاعدة حميميم التي تحوّلت/ تطورت من قاعدة تهدف للقضاء على المعارضة، إلى قاعدة عمليات متقدّمة على البحر المتوسط لابتزاز حلف شمال الأطلسي. بالتالي، تشكّل هذه القاعدة نقطة تمركز أساسية للجانب الروسي لنقل الأسلحة والجنود واستخدام الطائرات العسكرية ليس عبر المناطق السورية فقط، وإنما انطلاقاً من البحر الأسود وبالتحديد من ميناء "سيفاستوبول" وصولاً للمتوسط "اللاذقية" وهذا يعزز من مرونة الاستجابة العسكرية.

الملف الداخلي التركي.. ورقة بيد موسكو:

مع شح الخيارات الروسية بشأن شن عملية عسكرية شاملة في إدلب، يبرز المشهد التركي الداخلي المعقّد، ولا يمكن إخراج حسابات ملف تركيا الداخلي عن سياساتها الخارجية في ظل تخندق/ استعداد المعارضة التركية ضمن جبهة واحدة للانتخابات المقبلة (2023). ولكن، مع ذلك، تعوّل موسكو على ورقة الداخل التركي في إشغال الحكومة التركية بملف الانتخابات والملف الاقتصادي على أمل إعادة ورقة إدلب إلى الواجهة. كما أنَّ وضع تركيا الاقتصادي والتركيز على السياسات الجديدة وتخفيض حجم الفائدة وارتفاع حجم التضخم إلى نسبٍ غير مسبوقة -بحسب هيئة الإحصاء التركية (TÜİK) وصل المعدل في شباط/ فبراير، 2022 إلى (48.69) - قد يساعد موسكو على الإقدام بأيّ لحظة على عملية عسكرية في حال لم تستطع أنقرة تحقيق استجابة أعلى للتحديات الداخلية.