icon
التغطية الحية

ضباط منشقون يروون تفاصيل مجزرة اعتصام الساعة في حمص

2022.04.24 | 06:39 دمشق

alatsam.jpg
إسطنبول ـ عائشة صبري
+A
حجم الخط
-A

تُمثّل مجزرة اعتصام الساعة انعطافة كبيرة في مجريات الثورة السورية، فقد كانت دماءُ المعتصمين في مدينة حمص التي لُقِبت بـ"عاصمة الثورة" بعدها، سراجاً أنار الطريقَ في كل المحافظات السورية.

ليلة التاسع عشر من نيسان 2011، وتحديداً عند الساعة الثانية إلا عشر دقائق فجراً، تبقى شاهدة على أبشع فظائع نظام الأسد في قمع الاحتجاجات السلمية، وفي هذا التقرير ينشر موقع تلفزيون سوريا شهادات لضباط منشقين كانوا في مناصبهم العسكرية في حمص آنذاك.

ذكرى مجزرة اعتصام الساعة بحمص.. فاتحة المجازر المنظّمة

يقول العميد إبراهيم الجباوي، المنحدر من محافظة درعا وكان حينذاك يشغل منصب نائب قائد الشرطة المدنية في حمص: إنَّ "الاعتصام بدأ ظهر الثامن عشر من نيسان 2011 بعد صلاة الجنازة في المسجد الكبير المقابل لقيادة شرطة حمص في منطقة الساعة القديمة، حيث تم تشييع شهداء مظاهرة حي باب السباع، وبعد الدفن في مقبرة الكتيب، بدأ المتظاهرون يتوافدون إلى ساحة الساعة ليبلغ عددهم نحو أربعة آلاف مع وقت صلاة العصر، ثم وصل لقرابة الأربعين ألفاً مع صلاة المغرب".

ويضيف في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا: أنَّ "اللجنة الأمنية برئاسة اللواء منير أدنوف، اجتمعت في مكتب قائد الشرطة المدنية اللواء حميد المرعي، وبحضور قائد الشرطة العسكرية العميد إبراهيم سليمان، وتم تكليف العميد زهير سعد الدين، بأن يكون "ضابط ارتباط" بين المعتصمين وغرفة العمليات التي تضم مكتب الشرطة وكل الفروع الأمنية ورئيس اللجنة الأمنية، وبعد صلاة العشاء جاءت تعليمات من دمشق بوجوب فضّ الاعتصام بأيّ شكل من الأشكال، لتبدأ المفاوضات بين مشايخ بالاعتصام وبين ضابط الارتباط (سعد الدين) في مكتب قيادة الشرطة المدنية".

وعن دور الجباوي، يشير إلى أنَّه لم يحضر ذلك الاجتماع، لكنَّه حاول منع وقوع المجزرة، مضيفاً: "اقترحت على اللجنة الأمنية بأن أدخل بنفسي على المعتصمين بصفتي رسولا لأهالي حمص من أهالي درعا، وأطلب منهم فضّ الاعتصام حقناً للدماء، فردّ على طلبي رئيس المخابرات الجوية في حمص العميد جودت الأحمد، بالرفض بحجة حرصه على ألّا أقع أسيراً بيد المعتصمين، لكن في الحقيقة هو لا يريد أن يفضّ الاعتصام سلمياً".

لحظات وقوع المجزرة في حمص

بعد رفض طلب الجباوي، نزل برفقة بعض ضباط الشرطة المدنية إلى المكان والذين أكدوا أنَّهم لم يشاركوا في عملية فض الاعتصام، قائلاً: "شاهدنا المعتصمين وهم يهتفون للحرية، وكانت أسطح المباني المحيطة من الساعة القديمة للساعة الجديدة مليئة بعناصر المخابرات، وفي تمام الساعة الواحدة وثلاثين دقيقة، كان هناك في ساحة الساعة القديمة مساعدان أولان أحدهما من المخابرات الجوية (يدعى جميل) والآخر من المخابرات العسكرية، هنا بدأ المعتصمون بالانسحاب نتيجة المفاوضات واستجابةً لطلب الشيخ محمود الدالاتي".

ويؤكد الجباوي، أنَّ بدء إطلاق النار كان بطلب من المساعد أول جميل لزميله، وحدث نقاش بينهما: "قال المساعد أول جميل: المعتصمون ينسحبون، فرد زميله (المساعد أول العسكرية) دعهم يذهبون وينفض الاعتصام ونعود لبيوتنا، فردّ جميل لا.. يجب أن أطلق النار، فردّ زميله لا يوجد لدينا أمر بذلك، فأخبره بأنَّ قائد الجوية جودت الأحمد أعطاه الأمر"، في إشارة إلى أنَّ الأحمد يعتبر المسؤول المباشر عن مجزرة الساعة.

ويُكمل: "بعدها بدقائق جاءت سيارة ستيشن بيضاء ضربت مشط رصاص في الهواء، ما كان إيعازاً لجميع العناصر الموجودين على الأسطح بفتح جبهة نار بكل أنواع الرصاص بكثافة مثل المطر، وأنا وزملائي بالشرطة دخلنا إلى المكتب برفقتنا رئيس فرع الأمن السياسي في حمص العقيد محمد علي العبد الله، وانتهى الرصاص في الساعة الثالثة فجراً وجاء الأمر بعودتنا لمنازلنا".

ويتابع الجباوي: "خلال عودتي إلى منزلي في حي الغوطة، رأيتُ عمال البلدية بدؤوا تنظيف الشوارع، وسألتهم أين الجثث فأخبروني بأنَّه تم تحميل الناس في حاويات ولا نعلم عددهم ولا مكانهم"، مشيرا إلى نصب عناصر المخابرات كمائن على مداخل الساعة الجديدة الثمانية، فكانوا "يصطادون الفارين من الرصاص في الشوارع الفرعية وهم في عداد المختفين قسرياً، إضافة إلى اعتقال بعض الجرحى وهناك تسجيلات توثق ترديد عناصر الأمن شعاراتهم الطائفية ورقصهم فوق دماء المعتصمين" على حد قوله.

بدوره، العقيد ماهر الفاضل، المنحدر من محافظة إدلب وكان حينذاك يشغل منصب نائب رئيس نادي الضباط في حمص الواقع على مقربة من ساحة الاعتصام، يوضح لـ موقع تلفزيون سوريا، أنَّ القوّة المهاجمة تتألف من جميع الفروع الأمينة في حمص على رأسها فرع الجوية تحت إشراف اللواء رفيق شحادة رئيس شعبة الأمن العسكري، وبالاشتراك مع فرع الشرطة العسكرية بقيادة العميد إبراهيم سليمان، وتم استخدام كل أنواع الأسلحة النارية الخفيفة والقنابل الهجومية والأدوات الحادة كالبلطات والحراب.

ويقول الفاضل: "أنا شاهدت العميد إبراهيم سليمان لابساً بيجامة رياضة عندما التقى مع الشيخ سهل جنيد في مبنى نادي الضباط، وطلب منه أن يتدخل لإقناع المعتصمين في فضّ الاعتصام بشكل سلمي، وبالفعل دخل الشيخ إلى الساحة قرابة الساعة العاشرة ليلاً، وطلب من المتظاهرين الخروج، فقسم من المتظاهرين خرج وبقي قسم يتابع التظاهر وترديد الهتافات الثورية".

وعن الضحايا، يؤكد الفاضل، مجيء برادين قرابة الساعة الخامسة فجراً بعد وقوع المجزرة لنقل الجثث وتوجّهت البرادات باتجاه حي الوعر وطريق طرطوس، إضافة إلى ملاحقة بعض الجرحى وتصفيتهم في المستشفيات، لافتاً إلى أنَّ البراد الواحد يحمل خمسين جثة على أقل تقدير، بينما عمال البلدية استمر عملهم بتنظيف الشوارع من الدماء والزجاج حتى السادسة صباحاً، مشيراً إلى أنَّ معظم الأهالي الذين فقدوا أبناءهم في مجزرة الساعة يعتقدون أن أولادهم مازالوا معتقلين.

أمّا عن دوره، فقد ذكر العقيد، أنَّه سحب الأسلحة من حرس النادي ومنعهم من التصدّي للمتظاهرين خاصّة في جمعة العزة (25 آذار 2011) عندما تم تمزيق صورة حافظ الأسد على باب النادي، وهذا الموقف تم محاسبته عليه وهناك ضباط طالبوا بإعدامه، مضيفاً: "كنت أنصح الناس بألّا يمروا بالطريق الواصل إلى قيادة الشرطة لأنَّ القناصة تترصد المارة في الشارع، وكذلك مبنى المتحف كانت فيه مفرزة أمنية من الجوية تقتل المارة دون محاكمة".

نتائج الاعتصام

الاعتصام كاد أن يشل حركة النظام لولا إجرامه، وفق الجباوي، فالنظام كان مشلول الحركة ويعيش على أعصابه، فهذا الاعتصام أرعب النظام بشكل لا يُماثل أيّ حدث آخر من أحداث الثورة المفصلية، وشكَّل انتكاسة قوّية للنظام أمام نفسه وأمام الرأي العام، كما كان انعطافة إيجابية لصالح الثورة وسبباً للحاق الكثيرين بصفوفها.

كذلك يرى الفاضل، أنَّها "كانت لحظات مفصلية دبّ خلالها الذعر في نفوس العصابة الأسدية، حيث بدا الإرباك والخوف مرسوماً على وجوههم، ومعظمهم كانوا فاقدي الأمل في إعادة السيطرة، لكن بعد تنفيذ المجزرة وعدم محاسبة النظام من جهات دولية زاده إصراراً على الإجرام، وبالمقابل زاد تصميم الثوار على مواجهة النظام، لافتاً إلى أنَّ الطرق السلمية لا تسقط عصابة مجرمة تحكم بقوة السلاح، ومنذ البداية المجتمع الدولي أعطى الضوء الأخضر للعصابة في استخدام القوّة المفرطة".

من جهته، أحد المعتصمين، غزوان النكدلي، يؤكد لـموقع تلفزيون سوريا، أنَّ "اعتصام الساعة جاء على صفيح من دم بعد يوم من استشهاد سبعة متظاهرين في حي باب سباع وأربعة شهداء قضوا في تشييع "عمر عويجان" بمدينة تلبيسة شمال حمص"، ويلخص نتائج الاعتصام بالنقاط التالية:

  • أكد الاعتصام على تلاشي هيبة النظام المجرم، وأثبت حيوية هذا الشعب الذي لم يعد يعبأ بالقبضة الأمنية الحديدية.
  • تحوّلت حمص بعد الاعتصام إلى خط الدفاع الأول عن الثورة، ونالت لقب عاصمة الثورة، لدورها المتميّز في عكس الصورة الحقيقية للشارع السوري.
  • الاعتصام كان له دور كبير في زيادة الترابط بين المحافظات والانتقال لمرحلة الحراك المنظم، ما أدى لظهور التنسيقيات لاحقاً.
  • دور الاعتصام في تحريك الشارع العربي والعديد من الدول وتعاطفهم مع الثورة.
  • وضع الثورة السورية أمام مجهر المنصات الإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان بشكل واضح.

ويضيف النكدلي: أنَّ "الأحرار حاولوا بعد الاعتصام ضبط النفس، لكن ومع استمرار إجرام النظام وتصاعده بدأت تتبلور لديهم ضرورة حماية الحراك الشعبي وحماية المدنيين، لذلك ظهرت فيما بعد حالات فردية لحمل السلاح المتوفر من قبل بعض الغيورين لمنع النظام من استهداف المظاهرات بشكل مباشر واعتقال المتظاهرين".

بدوره، الصحفي زكي الدروبي يرى أنَّ "مجزرة الساعة، لم تغيّر من رغبة الحماصنة بإسقاط النظام، ولم يدفعهم هذا الإجرام للخوف والتراجع، بل انعكس هذا بشدة لخروجهم في مظاهرات ضخمة في 22 نيسان 2011 يوم الجمعة العظيمة في معظم أحياء وقرى ومدن حمص يهتفون للحرية وإسقاط نظام الاستبداد والقتل، كما دفع السوريين للمشاركة بالثورة بشكل أكبر تضامناً مع حمص المجروحة".

ويقول الدروبي، عضو المكتب السياسي بحزب اليسار الديمقراطي السوري، لموقع تلفزيون سوريا: إنَّ "النظام استطاع محاصرتنا في الأحياء البعيدة عن مركز المدينة، محاولاً إضفاء طابع مذهبي على الحراك ودفع سكان حمص للاقتتال الطائفي، لكنَّه فشل بسبب وعي الحماصنة بشتى أطيافهم لهذه المؤامرة الدنيئة، وبزغ نجم الثنائي "عبد الباسط الساروت وفدوى سليمان" في المظاهرات، وكان وقوفها مع الثورة، ووقوف الأهالي معها وحمايتهم لها، أكبر دليل على كذب النظام، وساهم وجودها مع الأحرار بإفشال خطط النظام القذرة".

 

ويشير الدروبي إلى أنَّ رواية المجزرة وانتشال جثث مئات الضحايا بالبرادات والجرافات "غير دقيقة"، وما تزال حقيقة عدد الضحايا "غامضة"، وهناك 14 اسماً وثّقهم الناشط تامر التركماني، وبحسب شهادة نجاتي طيارة، كان "هناك أكثر من 300 معتقل من المعتصمين احتجزهم النظام بشكل سرّي في القبو بسجن حمص المركزي، وهنا "ظنّ الناس أنّهم من بين الضحايا ليفرج عن معظمهم لاحقاً عبر مفاوضات بين لجنة العلماء والوجهاء ومحافظ حمص"، وكان هدف النظام من ذلك إرهاب المتظاهرين وبالفعل حقّق هدفه بإبعاد بعضهم عن النشاط الثوري.