شهادات ناجيات من معتقلات النظام

2023.04.24 | 05:53 دمشق

آخر تحديث: 24.04.2023 | 05:53 دمشق

المعتقلات في سجون النظام السوري
+A
حجم الخط
-A

أصدرت منظمة «ناجيات سوريات» كتاباً ضم سبع روايات حقيقية لتجارب معتقلات سابقات لدى أجهزة النظام الأمنية وسجونه بعد الثورة بعنوان «ناجيات». في البداية وضع فريق البحث مجموعة من الأسئلة التي طُرحت على كل شاهدة في مقابلات مطولة تم تسجيلها ثم تفريغها، وبعد التفريغ قام «ورد فراتي» بكتابة جميع القصص بأسلوب متقارب، وعرضها على صاحباتها للحصول على موافقاتهن. ثم تولت دار «جسور للترجمة والنشر» طباعة الكتاب في بيروت في هذا العام 2023.

ورغم أن الاعتقال هو متن هذه التجارب فإن انطلاق الشهادة من نشأة الناجية والأرضية الاجتماعية والثقافية والسياسية لها أضفى على الكتاب بعداً جعله صالحاً لأن يرسم طرفاً كبيراً من قصة الثورة السورية، لا سيما في مناطق دير الزور وحلب وبانياس وجبلة وحمص وجنوب دمشق، التي تنتمي إليها شاهدات الكتاب.

تبدأ القصص بشكل متقارب نسبياً، عندما لم يكن للفرد في سوريا من طموح يتجاوز أن يولد ويدرس ويعمل ويتزوج ويؤسس أسرة ثم يموت، فيعيد أولاده سيرته من بعده. ورغم تحدّر بعض الناجيات من أسَر معارضة لوحقت إثر صدام الثمانينات الدموي، فإن فكرة التغيير لم تكن مطروحة في الأذهان قبل حلول «الربيع العربي» الذي بدا أولاً كأنه «خبر من العالم الآخر» في تونس، ثم أخذ يدغدغ الأحلام عندما انتقلت صوره إلى مصر وسواها.

اندلعت الثورة السورية في درعا وأخذت تنتقل إلى المحافظات وفق الظروف الخاصة لكل منها. ومن المثير أن المناطق التي اتسمت بالتعدد الطائفي كانت من الأسرع تحركاً لأنها كانت تجثم على قنبلة موقوتة. إذ لم تكن «الفسيفساء» التي تتغزل بها كتب المواطنة عامل ثراء ولا ميزة ولا فرصة للانفتاح السوريّ على الآخر بسبب التمييز. وظل الناس هناك يعيشون «ضمن مجتمعين لا يلتقيان حتى يفترقا»، خاصة مع ظهور «اللجان الشعبية» بملامحها الطائفية.

حتى النازحون من الجولان، الذين لم يختلفوا طائفياً عن سكان ريف دمشق الذي نزحوا إليه في الغالب، تعرضوا لتمييز اجتماعي وحكومي جعلهم يندمون على عدم بقائهم تحت سلطة الاحتلال بدلاً من النزوح إلى حضن بلدهم، وذلك قبل أن يصبح الكثير من السوريين نازحين بعد عام 2011.

أما العاصمة الاقتصادية للبلاد، حلب، فكانت قد اختارت أن تعيش في عالم مواز لعالم الحكم منذ الثمانينات. فابتعد أبناؤها عن مؤسسات «الدولة» التي لم يكونوا يجدون فرقاً بينها وبين النظام، وندر أن تجد بينهم ضباط شرطة أو أمن أو جيش. وقد فعل النظام ما في وسعه لتأخير انضمامها إلى الاحتجاجات وصار طيف واسع من سكانها يردد «كنا عايشين».

وجدت الشاهدات طرقهن المتعددة للمشاركة في المظاهرات التي صارت طقساً يتطهر به السوريون من ذلّهم، وجرّبن نشوة الهتاف بصوت عال بعد طول قمع. وحين حمل بعض المحتجين فتات السلاح وحوصرت المناطق قمن بأدوار إيصال النقود والأدوية وتأمين المنشقين بحكم سهولة حركتهن بين الضفتين. وهو الأمر الذي كان ينتهي بمجرد كتابة أحد المخبرين الكثيرين تقريراً يُدرَج بعده اسم المطلوبة على الحواجز بانتظار اللحظة المرعبة.

كالعادة يبدأ الأمر بضرورة الذهاب إلى الفرع لمجرد «السؤال والجواب»، ثم تتدحرج درجات الانحدار في أنماط الجحيم. تهدف الشتائم والإهانات والتعذيب إلى تحطيم تصورك عن نفسك كإنسان لديه كرامة وموقف، ثم إلى الحصول على الاعتراف بالتهم التي حددها المحقق مسبقاً. تعرضت النساء لأساليب التعذيب الشهيرة لدى أجهزة الأمن السورية، مثل الرجال؛ كالفلقة وإطفاء السجائر في الجسم والشبح والصعق بالكهرباء والكرسي الألماني وبساط الريح والدولاب، وصولاً ربما إلى الاغتصاب الذي كان جماعياً أحياناً.

في حالات نادرة اقتصر التحقيق على كونه كذلك، رغم أن الشاهدات اعتقلن من قبل أجهزة مخابرات مختلفة وفي مدن متعددة، مما يدل على منهجية التعذيب والاستباحة. هناك بعض الفوارق في الدرجات فقط. ففي الوحدة 215، المسماة «فرع الموت البطيء»، قد تمر أربعة أيام دون أن يفتح باب الزنزانة حتى لإدخال الماء، ومن الطبيعي أن يتبول السجان على الطعام الذي يرميه على الأرض لتأكله السجينات، ولا يندر أن يحوي الطريق إلى الحمام جثثاً عارية. أما حين حصل ضباط الفرع 218 على تصوير تلفزيوني من إحدى المعتقلات فقد كوفئت غرفتها بتناول الدجاج المسلوق لأول مرة بعد أن اعترفت، كذباً، أنها جزء من المؤامرة على البلد، وأنها كانت تقوم بتزييف الحقائق عند الاتصال مع «القنوات المغرضة».

ونتيجة حساسية وضع المرأة في مجتمعاتنا نلاحظ أن بعض صاحبات الشهادات خرجن بموجب صفقة تبادل أجرتها الفصائل مع النظام مقابل عدد من جنوده المحتجزين في المعارك، وأن بعضهن الآخر نجون بمبالغ كبيرة سارعت العائلة إلى تأمينها ودفعها كرشوة.

يختم الكتاب بإطار ضروري من إحصاءات «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» التي وثقت ما لا يقل عن 10628 أنثى ما زلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسية الفاعلة في سوريا حتى 25 تشرين الثاني 2021، منهن 8497 معتقلة على يد النظام. ووثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 93 امرأة، أجهز النظام على 74 منهن في سجونه. كما وثقت ارتكاب ما لا يقل عن 11523 حادثة عنف جنسي في حق النساء، كان النظام مسؤولاً عن 8013 منها.