icon
التغطية الحية

شركات التواصل الاجتماعي تواجه ضغوطاً لأرشفة أدلة جرائم الحرب

2022.05.25 | 18:59 دمشق

جمع الأدلة وتصنيفها
جمع الأدلة وتصنيفها
كودا ستوري - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كتب أربعة أعضاء في الكونغرس الأميركي، يوم 12 أيار الجاري، رسائل إلى المديرين التنفيذيين في "يوتيوب" و"تيك توك" و"تويتر" و"ميتا"، يطلبون من عمالقة شركات التواصل الاجتماعي، إنشاء أرشيف رقمي تُحفظ فيه مقاطع الفيديو والصور وغير ذلك من الأدلة التي تُثبت وقوع جرائم حرب، عندما ينشرها الأشخاص عبر الإنترنت.

لم تكن هذه الفكرة جديدة؛ لأن الحرب في أوكرانيا جدّدت تلك المطالبات القديمة والدعوات الموجهة لكبرى الشركات التقنية لتغيير طريقتها بالتعامل مع هذا النوع من المواد، لأنّ هذه المنصات غالباً ما تعمد إلى حذف هذا النوع من المحتوى نظراً لطبيعة الصور التي يعرضها، على الرغم من أنه قد يصبح ذا أهمية وقيمة كبيرة في قاعة المحكمة.

ولهذا بقيت منظمات حقوقية من أمثال Mnemonic وWITNESS تطالب شركات التواصل الاجتماعي على مدار سنين طويلة بتغيير نهجها، حتى لا تختفي الفيديوهات عندما تحذفها الخوارزميات بسبب عرضها مشاهد عنف بلا أي مبرر أو داع.

وقد طال الحديث عن هذا الموضوع بعدما كشفت الحرب السوريّة اختفاء كمّ كبير من الأدلة بسبب الخوارزميات المعنية بتعديل المحتوى، بيد أن اعتماد عملية يجري من خلالها جمع البيانات وإنشاء مخزن كبير للمعلومات ومن ثم توسيعه ليشمل نزاعات أُخرى في العالم لن يكون أمراً يسيراً.

قبل وقت طويل من تدخل السياسيين في هذا المشهد، عملت أليكسا كوينيغ وهي المديرة التنفيذية لمركز حقوق الإنسان لدى جامعة كاليفورنيا، على الطريقة التي يمكن من خلالها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأدلة أمام المحاكم الدولية، وكيف يمكن لتلك الشركات أن تحسّن من أدائها بالنسبة لطريقة حفظ تلك الأدلة وتخزينها.

وفي تقرير عنون بـ"الخزائن الرقمية: أرشفة أدلة من وسائل التواصل الاجتماعي حول الجرائم والفظائع"، حدّدت كوينيغ وفريقها الطريقة التي يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي أن تتحوّل خلالها من "أرشيف عرضي وغير مستقر يشتمل على محتوى معني بحقوق الإنسان، إلى أقبية تحتوي على أدلة يمكن للمحققين والمدّعين العامّين الوصول إليها"، وعبر التقدم خطوة أخرى في هذا السياق، عمِل فريق في مركز حقوق الإنسان بجامعة كاليفورنيا، على تحديد إطار عمل لاستخدام معلومات يقدمها مصدر رقمي مفتوح أمام المحاكم الدولية.

وفي حديث مع كوينيغ جرى، خلال الأسبوع الماضي، حول التقدّم الذي يمكن لشركات التواصل الاجتماعي أن تحرزه عبر تحولها إلى أرشيف رقمي للأدلة التي تتصل بانتهاكات حقوق الإنسان، طُرحت عليها الأسئلة الآتية:

  • هنالك كثير من الصراعات والحروب مثل الحرب السورية والتي كان بوسعها الاستفادة من الأرشيف الرقمي، ما يعني أن الفكرة ليست بجديدة، إذن، لماذا لم يتم العمل على ذلك حتى الآن؟

أليكسا كوينيغ: هنالك مجموعة من الأسباب أولها: أن الشركات الخاصة ليست ملزمة قانونياً بجمع المعلومات، أي أنها لم تقم لتتحول إلى مستودعات لحفظ وتخزين الأدلة التي تثبت وقوع جرائم حرب. أي أن هنالك تناقضاً بين رسالتها وأهدافها ودوافعها والتزاماتها وما يريد مجتمع العدالة الدولي منها أن تفعله.

هناك كثير من المصالح المختلفة التي يمكن أن تتورّط في إنشاء تلك الخزانة الدولية المخصصة للأدلة. ولكن هل تنتهك قوانين حقوق النشر عند احتفاظك بتلك المعلومات ومشاركتها مع الآخرين الذين قد ينشرونها هم أيضاً؟ وما نقاط الضعف التي قد تخلقها أنت بالنسبة للأمن القومي إن حفظت معلومات حسّاسة للغاية ثم سلمتها إلى حكومات أجنبية أو محاكم دولية؟ بعد ذلك تترتب عليك التبعات التي تتعلق بالخصوصية، والتي لا تتصل فقط بالشخص الذي يمتلك الحساب، بل أيضاً بكل شخص ظهر في الفيديو أو الصورة.

  • بقي فريقكم هو وغيره على تواصل مع شركات التواصل الاجتماعي طوال سنين حتى اليوم، فكيف تطورت تلك الحوارات مع هذه الشركات؟

أليكسا كوينيغ: انظروا لما حدث في ميانمار (بورما)، حيث استُخدم "فيس بوك" كوسيلة للتحريض على خطاب الكراهية بطرق أدّت إلى وقوع حالة إبادة جماعية. وفي أعقاب تلك الأزمة، وظفت كثيرٌ من الشركات أشخاصاً كان لهم حضور فعلي في الميدان، وممن يتمتعون بخبرات في مجال حقوق الإنسان، وذلك حتى يتنبؤوا ويردّوا على أي أزمة أخرى تتصل بحقوق الإنسان أو أي جريمة حرب.

وقد خلق ذلك انفراجاً بالنسبة للحوارات البناءة، حيث أبدت الشركات استعدادها لسماع بعض الانتقادات والأفكار الإبداعية من قبل منظمات حقوقية.

أما الحالة الثانية التي تبدت فيها حالة استجابة جديدة فكانت مع مذبحة كرايستشيرتش في نيوزيلندا، حيث قتل أكثر من 50 شخصاً، وقد بثت الحادثة مباشرة على فيس بوك، ولدينا بكل تأكيد حالة إطلاق نار على الناس بشكل عشوائي التي وقعت في بوفالو، ولهذا أعتقد أن هنالك اعترافاً بأن تلك المنصّات باتت تستخدم كوسيلة وأداة بيد الأشخاص الذين يحاولون أن يرهبوا الناس. بيد أن الشركات لا تريد أن تتحول إلى منصة تسهم في وقوع مجزرة، ولهذا أعتقد أنهم أدركوا المشكلة التي تواجههم، ولهذا فهم بحاجة إلى مساعدة المجتمع المدني ودعمه حتى يقوموا بحلها.

لقد شاركت كل من منصة يوتيوب وفيس بوك وتويتر في هذا الحوار على مدار فترة طويلة، إلا أن تيك توك ما تزال في بداياتها، لذا أعتقد بأن تيليغرام هي الوحيدة التي نأت بنفسها عن ذلك.

  • هذا يعني أن هنالك تفاهماً حول ضرورة وإلزامية إنشاء أرشيف رقمي، كيف بوسعنا أن نفعل ذلك؟

أليكسا كوينيغ: إن الخطوات التي تشهدها بيئة التقانة والمعلومات سريعة، مقارنة بعملية تأسيس القضية التي تعدّ بطيئة إلى حد بعيد، ولهذا فنحن بحاجة إلى عملية مؤقتة، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال الآتي: هل تلزم الشركات نفسها بتلك العملية؟ أم أنها تأخذها ثم تضعها في مكان آخر حتى لا تتحول إلى مستودع يلعب دور الوسيط مع تلك الطلبات؟

بالحديث إلى بعض القضاة في المحكمة الجنائية الدولية، عبّر هؤلاء عن رغبتهم في أن تأتي تلك العملية مباشرة من قبل شركة تواصل اجتماعي لتحمل لهم كل المعلومات والظروف والملابسات المحيطة بها، على أن تبقى البيانات الوصفية سليمة، مع الإحساس بأن هنالك سلسلة من الأوصياء على هذا الأمر تبدأ بالشخص الذي يقوم برفع المادة على الشابكة، مروراً بالشركة، وصولاً إلى المحكمة.

لكننا ما نزال نبحث اليوم في المسألة الآتية: هل من الأفضل وجود جهة وسيطة تتمتع بخبرة أكبر بالنسبة لطريقة التعامل مع هذا النوع من المعلومات بما يتوافق مع القانون أم لا؟

  • كيف يمكن الاستعانة بتلك المواد لمحاسبة المجرمين أمام العدالة؟ ومن الشخص المخوّل بالوصول إلى تلك المعلومات؟

أليكسا كوينيغ: طالب المجتمع المدني على مدار عقود بوجود مستودع يمكن لأي شخص أن يصل إليه، إلا أن ذلك لم يعجب المحامين؛ لأن ذلك المستودع لا بد أن يحتوي على معلومات حسّاسة للغاية قد تتسبب بمقتل أشخاص آخرين، وقد دار حوار حول هذا الأمر قبل ثلاث سنوات، لأننا بحاجة لمجموعة كبيرة من البيانات يستطيع أي شخص الوصول إليها.

والآن، أصبح الجميع يدرك بأننا بحاجة لمحفوظات مختلفة بالنسبة للأمور المختلفة التي ستحفظ فيها، إذ إننا نحتاج إلى أرشيف موجه للجمهور متخصص بالتاريخ والذاكرة. كما نحتاج إلى أرشيف مخصص للأدلة القانونية تحفظ فيه المعلومات الحساسة بحيث تصبح بين أيد أمينة. كما نحتاج أيضاً إلى أرشيف مخصص لعلماء الاجتماع الذين يحاولون فهم طريقة عمل تلك المنصات وطريقة استخدام الناس لها حتى يقوموا بنشر دعاية من خلالها.

  • كيف بوسعنا أن ننظم ذلك؟

أليكسا كوينيغ: يجب أن نعثر على أهم منظمات حقوق الإنسان في كل بلد، على أن تتمتع بالخبرة اللازمة والمهارات اللغوية المطلوبة، والمعرفة الثقافية، وأن يتم فحص كوادرها والتوصل إلى أنها ستعمل عملَ محققٍ محايد أو أن عملها سيظل محايداً قدر الإمكان عندما تعمل في ذلك السياق. إذ بعد تعاملي مع محققين متخصصين بجرائم الحرب من مختلف أرجاء العالم، كنت أفاجأ في بعض الأحيان عندما أكتشف أنهم لا يتحدثون إلا باللغة التي يتحدث بها فريقهم وليست لديهم خبرة ثقافية سوى التي يشاركونها مع زملائهم.

أعتقد أن المسألة الثانية لا بد أن تتصل بالناحية الاقتصادية، إذ كيف سيجري تمويل كل ذلك العمل؟ ومن الأمور التي فكرت بها مطولاً فكرة إنشاء وقف دائم تتبرع له كل شركات التواصل الاجتماعي مع بعض كبرى الدول في بداية الأمر.

إذن ما الشيء الممكن في هذه المرحلة؟

أليكسا كوينيغ: إن الشيء العملي بالنسبة لشركات التواصل الاجتماعي هو الحصول على تاريخ وتوقيت ونطاق جغرافي بحيث يمكنها من خلال ذلك جمع معلومات تعتقد بأنها مهمة بالنسبة لمجتمع العدالة الدولي، وتلك البيانات قد تمثل أوضح وأفظع الجرائم التي تحذفها خوارزمياتها على أية حال. أي أن تلك الشركات تبحث في الأصل بمحتوى الصور التي تنتهك شروط الخدمة، وقد يكون هذا المحتوى هو نفسه الذي يقع ضمن منطقة جغرافية وزمنية محدّدة والذي يجب أن يودع في المستودع وأن يتم التحفظ عليه لفترة أطول وأن تتم معالجته بطريقة مختلفة قليلاً.

من السابق لأوانه القول بأن أوكرانيا تمثل نقطة تحول لا بد أن تدفع شركات التواصل الاجتماعي إلى اعتماد أسلوب أفضل لحفظ الأدلة، إلا أنّ الوقت هو الفيصل هنا.

 

 المصدر: كودا ستوري