سيناريوهات الاقتصاد السوري بين انهيار الليرة وتمكين سلطة النظام

2023.08.28 | 05:52 دمشق

آخر تحديث: 28.08.2023 | 05:52 دمشق

سيناريوهات الاقتصاد السوري بين انهيار الليرة وتمكين سلطة النظام
+A
حجم الخط
-A

تزداد معدلات الجوع في سوريا والبيئة الاجتماعية في حالة انهيار وكل ذلك يعود إلى سوء الوضع الاقتصادي وتسلط النظام السوري على إمكانيات الدولة. وبحسب إحصائية صادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة يعاني غالبية أطفال سوريا من الجوع، وتعاني غالبية الأمهات من سوء التغذية، والسبب الرئيسي يعود لسوء الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

وبعيدا عن إحصائيات المؤسسات الدولية، نحن نناقش اقتصادا كان قبل عام 2011 يستحوذ على أكثر من 60 % منه شخصيات تابعة لعائلة الأسد مثل رامي مخلوف، وبعد الثورة ودخول البلاد في حالة الحرب أصبح معظم اقتصاد البلاد بحوزة شخصيات تابعة ومقربة من النظام من أمراء الحرب الجدد (المتسلطين الجدد على الاقتصاد) أمثال عائلة القاطرجي التي تحتكر تجارة المحروقات في سوريا. وقد استهلك النظام كل ممتلكات البلاد من أجل تمويل عملياته العسكرية، ومن ثم بدأ بتقديم مقدرات البلاد السيادية مثل الموانئ لحلفائه تعويضاً عن ديون اقترضها منهم طوال السنوات السابقة.

وفي الفترة الحالية يعيش اقتصاد سوريا انخفاضاً في الأداء وفي قيمة الليرة أمام العملات العالمية الرئيسية بشكل دراماتيكي متسارع، وإلى مزيدٍ من الانهيار وإلى المصير المجهول الذي هو عنوان الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد. ونناقش في سطور هذه المقالة سيناريوهات الاقتصاد السوري بناءً على عدد من العوامل التي تؤثر على الأداء الاقتصادي على المدى القريب والمتوسط.

عوامل انهيار الاقتصاد السوري

يوجد العديد من العوامل التي أضعفت الاقتصاد في مناطق النظام، مثل استمرار العمليات العسكرية، وعدم الاستقرار، وعدم سيطرة النظام على مكامن المواد الأولية مثل النفط. وفي هذه المقالة نركز على الأسباب الاقتصادية التي أثرت بحد كبير على الأداء الاقتصادي خلال الفترة الأخيرة، والتي سوف نبني عليها سيناريو مستقبلي لوضع الاقتصاد في مناطق النظام.

أولاً، انخفاض عوائد تجارة المخدرات، أصبح من المعروف أن المخدرات وبخاصة الكبتاغون هي واحدة من أهم الموارد المالية لقادة النظام السوري، ويُعتقد أن سوريا هي البلد المُصنع لجزءٍ كبيرٍ من صادرات الكبتاغون في الشرق الأوسط، وحتى العالم. وكما ذُكر في موقع للحكومة البريطانية أن نحو 80٪ من إمدادات العالم من الكبتاغون يتم إنتاجها في سوريا، ويضيف الموقع أن النظام السوري هو المتحكم في هذه التجارة، ويؤكد على أن شحنات بمليارات الدولارات تنطلق من معاقل النظام مثل ميناء اللاذقية وعبر الحدود البرية، ويقول إن ماهر الأسد يقود وحده الجيش السوري الأمر الذي يسهل توزيع وإنتاج المخدرات. ووفقا للموقع فإن تجارة المخدرات هي شريان الحياة المالي لنظام الأسد.

استخدم النظام تجارة المخدرات لتحقيق عدد من الأهداف، أولاً، الضغط على الدول المجاورة والإقليمية بإغراق بلدانهم بالمخدرات كنوع من الانتقام. ثانياً، الضغط لإعادة تعويمه من قبل الدول المستهدفة وإجبارهم على التعامل معه. ثالثاً، لتحصيل مساعدات مالية مقابل تخليه عن تجارة المخدرات.

إلا أنه بعد عدد من عمليات التهريب المتتالية التي قام بها النظام السوري بطرق مختلفة مستهدفا العديد من دول العالم ولاسيما الأردن ودول الخليج، أصبحت هذه الدول أكثر حذراً وتحوطاً، واتخذت سياسات وإجراءات تمنع أو تخفض من الكميات المهربة إلى بلدانهم، وبالفعل لا يمضي يوما إلا وتصرح السعودية أو الأردن عن ضبط كميات من المخدرات القادمة من سوريا. وقدرة الدول التي يستهدفها النظام في ضبط حدودهم وإعاقة خطوط التهريب أدت إلى انخفاض إيرادات النظام من تجارة المخدرات. وانخفاض عائدات المخدرات قد يدفع النظام إلى التسلط على اقتصاد البلاد أكثر من السابق لتمويل وتمكين سلطته، مما ينعكس بشكل سلبي على أداء الاقتصاد.

ثانياً، إيقاف الدعم عن السلع الأساسية في البلاد، أصدر النظام في الفترة الأخيرة العديد من القرارات التي توحي بإفلاسه والتهرب من التزاماته في تغطية الموازنة. فقد أصدر قراراً برفع الدعم عن المحروقات التي تشكل البنية الأساسية لكل مجتمع وعلى الرغم من عدم توافرها في الأسواق لاسيما في فصل الشتاء. ورفع الدعم عن المحروقات يؤدي لارتفاع أسعار جميع السلع بطريقة جنونية، والنتيجة المنطقية لرفع الدعم ستكون التضخم الدراماتيكي المستمر بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج. وقبل فترة قصيرة أصدر النظام قرارا سمح بموجبه ببيع البنزين مقوماً بالدولار عبر بطاقات مسبقة الدفع.

يوحي رفع النظام الدعم عن سلع أساسية أنه كان يحصل على تمويل خارجي مخصص لدعم السلع الأساسية، وهنا لا أتوقع أن يكون الدعم روسيا أو إيرانيا، بل هو من دولة عربية، أو أن النظام في طريقه لخصخصة مؤسسات الدولة وتقديمها لإيران أو روسيا لقاء الديون المترتبة عليه من السابق.

ثالثاً، عدم الاستفادة اقتصادياً من عملية التطبيع العربي، كان النظام يأمل أن يحقق من عملية التطبيع مع الدول العربية انفراجة اقتصادية على شكل مساعدات مالية دورية تكون نواة أساسية لتعافي البلاد وإعادة الإعمار، لكن من الواضح أن الدول العربية مثل السعودية قد واجهت معارضة أميركية ضد دعم النظام أو أن الأخير لم يقدم ما هو مطلوب منه لقاء تقديم المساعدات المالية.

رابعا، ومن الأسباب الرئيسية الداخلية ذات الأثر المستمر على انهيار الاقتصاد وقيمة الليرة، قيام النظام بطباعة العملة من دون تغطية النقد الأجنبي، مع عدم وجود عملية دوران للإنتاج وحركة استيراد وتصدير.

سياسة النظام في تمكين سلطته

بعد ارتكاب النظام السوري مجموعة من الجرائم الإنسانية بحق الشعب السوري فُرضت عليه عقوبات دولية من قبل مجموعة من الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وكان أثر هذه العقوبات كبيراً على السقوط الحر للاقتصاد السوري. وعلى أثر هذه العقوبات أعاد النظام هيكلة الاقتصاد بما يتناسب مع مصلحة وتمكين نظامه. فيعمل النظام للحفاظ على الحوامل الأساسية التي تسانده في عملية التمكين من مؤسسات الدولة والسلطة وهي (الفروع الأمنية، الميليشيات، بعض الألوية والقطع العسكرية من الجيش، وجزء من مؤسسات الدولة) وبقاء هذه الحوامل إلى جانب الأسد يتطلب الدعم المالي المستمر. لذلك سعى النظام منذ البداية في استمرار الدعم المالي لهذه الأطراف للحفاظ على قبضته على الدولة. ويعمل النظام على فتح المجال بشكل واسع أمام مجموعة من الأنشطة الاقتصادية غير المضبوطة من قبل مؤسسات الدولة القانونية، والتي لا تُراقب من قبل الحكومة ولا تدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي، هذا النوع من الاقتصادات يطلق عليه الاقتصاد اللارسمي، وقد أظهر النظام خبرة في اللعب على ديناميكيات الوضع الداخلي للاستفادة من العائد المرتبط بالبدائل التي تظهر نتيجة العقوبات الاقتصادية وهذه البدائل في غالبها مصادر كسب غير مشروع تعمل على نطاق واسع، حيث تنشط شبكات الفساد التي يديرها المقربون من النظام وهم الأثرياء وأمراء الحرب في السوق السوداء التي تزدهر في أوقات الحرب.

لجوء النظام إلى الاقتصاد اللارسمي، جعل الاقتصاد السوري يتمركز في أيدي قلة تابعة للنظام، مع التأكيد على عدم دخول عائدات هذا الاقتصاد في ميزانية الدولة مما وضع الاقتصاد السوري في حالة من الشلل، وأدت سياسات النظام الاقتصادية في نهاية المطاف إلى معاناة الشعب السوري من زيادات أسعار السلع المحلية والمستوردة وتضرر الإنتاج المحلي إلى حد كبير.

في النتيجة ومع صعوبة التوصل إلى أي رؤية للحل السياسي في سوريا، فإن الاقتصاد السوري سيكون أمام سيناريوهين:

 

السيناريو الأول، وهو المرجح بشكل كبير، ويستند إلى العوامل الأساسية التي ناقشناها في هذه المقالة والتي أدت إلى تدهور الاقتصاد السوري، حيث من المتوقع أن يشهد الاقتصاد تدهوراً أكبر من الذي يعيشه في الوقت الحالي، فسعر الليرة قد يتخطى الـ25 ألف ليرة للدولار الواحد قبل نهاية العام 2023، وسترتفع أسعار المحروقات وكل السلع، وستتهرب الحكومة من التزاماتها في الخدمات تجاه المواطنين.

السيناريو الثاني، وهو سيناريو غير مرجح، يقوم على تحقيق استقرار في الاقتصاد السوري، ومنعه من الانهيار الكامل، ويقوم هذه السيناريو على فرضية تحرير الاقتصاد من قبضة النظام بضغط خارجي مقابل حصوله على مساعدات مالية دورية. ويقوم هذا السيناريو على فرضية أن بعض الدول الإقليمية والدولية تسعى لتحقيق نوعا من الاستقرار الداخلي في سوريا استكمالاً لمشاريع سياسية واقتصادية إقليمية.