سوريا بين المقابر والمعابر 

2018.10.22 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بين المعابر الحدودية والمقابر المأساوية في سوريا، معادلة دموية كلفت السوريين أرواح عشرات آلاف المدنيين على يد القتلة المأجورين المستوردين أسدياً والمشحونيين طائفياً، فالمعابر تحيي الإنسان وتنعش الاقتصاد، ولكنها استخدمت في الحرب ضد السوريين لقتل المدنيين والأحلام الثورية، مقابل إنعاش نظام مارس الديكتاتورية.

مما لا يعلمه الكثيرون، بأن مخابرات الأسد، تعمدت منذ أشهر الثورة السورية إسقاط الحدود في كل بقعة جغرافية ثار فيها المدنيون نصرة لـ درعا، وتعمدت تلك الجهة على إسقاط الحدود، مما جعلها معابر آمنة لكل جهة مجهولة ترغب بدخول البلاد، وهنا كان هدف النظام واضحاً، وهو استقطاب أكبر قدر من الجهاديين من جهة، وتسهيل عبور الميليشيات المتنوعة لـ مساندة قواته.

نظام الأسد لم يسقط المعابر دون حسابات ومعادلات بل كانت خطوة مدروسة هدفها تحوير الواقع الحقيقي في سوريا

فنظام الأسد، لم يسقط المعابر دون حسابات ومعادلات، بل كانت خطوة مدروسة، هدفها تحوير الواقع الحقيقي في سوريا، من ثورة إلى صراع دولي طائفي، وكانت الغاية من ذلك، هي إيجاد حدث يساوي أو يفوق الثورة المندفعة لإسقاط نظام الحكم، فلولا الحدود الواسعة التي أسقطت عمداً مع بداية الاحتجاجات، لكان الأسد اليوم في خبر كان، ولكن تلك المساحات، سمحت بإيجاد معابر مناخية ملوثة يتنفس من خلاله الأسد ويهرب عبرها نحو الأمام، خاصة بعد يقينه بأنه فقد السيطرة على القوات المسلحة، التي وصل انهيارها لـ مستويات غير مسبوقة.

هذه المعابر، التي يتمنى العراق إعادة افتتاحها بشكل كامل قبل الغد، هي ذاتها التي استخدمت وما تزال لصالح تسلل الميليشيات ليلاً ونهاراً، وهذا ليس حدثاً مستغرباً، فمن يقدم العراق على طبق من ذهب للمشروع الإيراني، ويجعل الحشد الشعبي القوة الضاربة في البلاد، لن يكترث لما هو قادم، وجل اهتمامه هو الحصول على خطوة اقتصادية تثبت تلك القوى القاتلة في الميدان العربي، وفي ذات الوقت إنهاء آمال استعادة الجيش العراقي العربي لعقود قادمة.

نعم.. كانت المعابر في سوريا، أحد أسباب المقابر لأهلها، فالنظام استورد عشرات الميليشيات الطائفية مِن الشريط الحدودي الواصل بين سوريا ولبنان والعراق، وفتح لهم مخازن جيشه، بهدف القيام بوظيفة قتل السوريين، وتحول مدنهم لمقابر جماعية، فلولا المعابر السائبة قصداً من قبل الأسد لما رفرفت أي راية طائفية فوق المدن السورية، ولما شاهد السوريين تنظيم القاعدة ولا غيرهم، ولكان آلاف المدنيين الذين قضوا على يد تلك الميليشيات، بيننا اليوم، يحتضنون أطفالهم.

كما أن بغداد بزيها الحالي، تحاول إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، عبر استخدام المعابر الاقتصادية لأغراض سياسية، يتم الترويج لها بأن "سوريا بخير" وكل شيء على ما يرام، رغم قراراتهم الداخلية بأن ما يجري التنسيق له، هو التقدم خطوة في مشروع ستكون ضريبته باهظة على العرب في المستقبل القريب، في حال تم وأد ثورات الربيع العربي وانتصار الحلف الذي تديره طهران.

احتفل بعض الإخوة الأردنيين بالأمس، بدخول معبر "نصيب- جابر" سوق العمل مجدداً، وهذا لربما حق لهم، ولكن لا بد لهم بأن يعلموا بأن إغلاق أحد أكبر المعابر في سوريا في الجنوب، ليس سببه الثورة السورية، ولا جيشها الحر، بل حرمان السوريين والأردنيين من إيجابيات الطريق الدولي، كان بقرار رسمي أردني رافض بشكل قطعي تشغيل المعبر بوجود الثورة السورية، رغم أن القوى المسلحة التي كانت تسيطر على المعبر وتحميه طيلة سنوات، هي تشكيلات عسكرية يعيش قياداتها في الأردن، ويحظون بقبول دولي كبير، ولكن رغم ذلك لم تغير الحكومة الأردنية من مواقفها، واستمرت في قرارها بأن تشغيل معبر "نصيب" مرهون بعودة النظام السوري إليه، وهو السبب الرئيسي الذي عاد بنتائج سلبية كبيرة على الأردنيين قبل السوريين.

يا عزيزي.. البندورة والبطاطا متوفرة كل يوم، لكن روابط المحبة لا يمكنك تقديرها بثمن

يا أخي في الأردن يا من تبسمت فوق ركام درعا وقرب جثامين أهلها، ألا تعلم لو أن هذه المعابر تم افتتاحها برعاية الثورة السورية، لما بخل أبناء الجنوب بتقديم ما تراه "رخيصاً" اليوم بالمجان ودون أي مقابل وبكل ود، ولكان أهل الجنوب سيحتفون بك وبالمسؤولين في بلدك بكل تقدير واحترام، لكنك بعد اليوم ستدخل سوريا لتشتري "بسعر زهيد" مِن قاتل فتك بشعبه، لماذا تناسيت الدماء الغالية عندما عاينت الأسعار الرخيصة، ألم ترمق عيناك تلك البيوت المدمرة وأنت تتجول داخل درعا المدمرة، ألم تستوقفك مشاهد الرعب التي كان يعيشها المدنيون مع أصوات البراميل والمقاتلات الحربية منذ سنوات، يا عزيزي.. البندورة والبطاطا متوفرة كل يوم، لكن روابط المحبة لا يمكنك تقديرها بثمن، فأبناء الأردن، هم أهلنا وأحبابنا، وإن عدنا للجنوب مرة أخرى، لا بد أن مقليتك ستوثق كرم الضيافة وحسن استقبال الأخوة...

ولا يخفى على أحد، بأن مقاصد الأردن، في عدم تفعيل المعبر تحت راية الثورة السورية، كانت ترمي لمنع إعطاء أي موقف دولي مناصر للثورة، وحرمانها من الحصول على تمويل مالي ذاتي من أرباح المعبر، رغم إمكانياتها القوية آنذاك بإيجاد أي صيغة تجعلها تعيد الحياة للمعبر مع وجود الجيش الحر، ولكنها للأسف اختارت طريق إنهاء الثورة كـ بداية لإعادة إدخال معبر نصيب في سوق العمل.

من باب المقارنة بين العراق والأردن، حول المعابر مع سوريا، نجد تناقضات وفوارق مؤلمة، فالعراق يريد إعادة تفعيل كافة المعابر مع الأسد بهدف الحصول على تمهيد في التحرك الإيراني من بغداد إلى دمشق، ولكن الأردن بدلاً من أن تثبت أوراق القوة براحتها ولصالحها، فضل ساستها التخلي عن الجيش الحر، وملايين المدنيين السوريين، لصالح النظام السوري، وهنا يمكننا القول: بأن إيران كسبت ورقتين قويتين في الخيارين العراقي والأردني، أولهما، تثبيت الأسد أكثر في السلطة، والبدء بعملية تزويد مخازن جيشه بالمزيد من المال وبالتالي ضبط السوريين تحت سقف الخوف والرعب، بعد أقدمت الأردن على طي صفحة الثورة في الجنوب السوري لأجل مسمى.

لا يمكن أن ننكر ما بذلته الحكومة الأردنية في دعم اللاجئين السوريين مطلع الثورة في البلاد، ولكنها في السنوات الأخيرة، ضيقت الخيارات أمام السوريين، مانعة دخول حتى المرضى لأراضيها، ولعبت دوراً بارزاً في صفقة الجنوب السوري المفاجئة، بعد الانسحاب التكتيكي الأمريكي من المنطقة لصالح القوات الروسية، وضد السوريين بكل تأكيد.