icon
التغطية الحية

سوء الخدمات وغلاء الأسعار يضع المطاعم أمام خيارات معدومة في سوريا

2024.02.23 | 14:47 دمشق

آخر تحديث: 23.02.2024 | 16:24 دمشق

مطاعم في دمشق
مطاعم في دمشق
دمشق - سارة هاشم
+A
حجم الخط
-A

تحمل الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري في مضمونها أزمات على صعيد الأعمال والشركات الصغيرة، لم يعد بوسع الكثيرين من أصحابها الاستمرار بها في ظل فشل النظام حلها أو الدفع نحو تحسينها إن لم يكن هو الجزء الأساسي لمشاكلها.

ومع أزمات الكهرباء والوقود والغاز وصعوبة توفير المواد الأولية من زيوت وبقوليات وغلاء الأسعار وتسرب العمال، بات أصحاب المطاعم في سوريا أمام خيارات صعبة جداً تبدأ بالخسائر وتنتهي بالإغلاق الكامل.

وأدى تراجع نسبة المبيعات مع انخفاض القدرة الشرائية للسوريين بالعديد من أصحاب المطاعم إلى تقليل أنواع الأطعمة التي يقدمونها وتقليل ساعات العمل في الليل، خصوصاً في فصل الشتاء، أو الخيار الأسوء بالنسبة لأي مالك مطعم وهو بيع المطعم أو الإغلاق النهائي لتجنب المزيد من الخسائر.

ورصد موقع "تلفزيون سوريا" عدة مطاعم اضطر أصحابها إلى بيعها أو إغلاقها أو تقليل ساعات عملها أو إغلاقها نهائياً بسبب الخسارة وعدم القدرة على تحمل الأزمات التي تعيشها مناطق سيطرة النظام.

وقال أصحاب مطاعم لموقع "تلفزيون سوريا" إن الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا لا يسمح بأي استثمار ناجح إلا للحيتان الكبار الذين لا يعانون من أي مشكلة تتعلق بالكهرباء أو الغاز أو الوقود أو الأسعار، فهم لديهم معارفهم في القصر الجمهوري أو في الأفرع الأمنية أو في جيش النظام، ما يجعل كل شيء لديهم ميسراً وسهلاً.

"الشغلة ما عم تجيب همها"

وفي سياق ذلك، قال أبو أحمد (فضّل عدم كشف اسمه لأسباب أمنية) صاحب أحد محال الفلافل في ريف دمشق، يعني المهنة خسرانة، ما عم تجيب همها الله وكيلك، أنا مطعمي صغير وعلى قد حالي، بس من 3 سنين وجاية يا دوب عم طالع لقمة الولاد، وبالغالب هي من المحل فول وفلافل وحمص. الحمد لله غيري مو قدران حتى هي يشتري منها".

وأضاف أبو أحمد، أكتر من مرة فكرت سكّر المحل وأخلص من هالقصة، يعني دائماً في هم تأمين الغاز وتأمين بنزين للمولدة وقطع الكهربا كل ساعة ساعتين والزباين بتجي بتسأل بتقلك غالي، مبارح كان أرخص، وهاد الموال يومي يعني كل يوم عنا سعر، مو بإيدنا القصة".

وأشار إلى أنه اضطر إلى تقليل ساعات العمل المسائية لتخفيض المصاريف ولتقليل الخسائر، "يعني سندويش الفلافل بالليل مطلوب، بس بالشتوية عالساعة 10 ونص المسا بسكر، كنت قبل أبقى فاتح لـ 12 ونص بس حالياً بسكر مافي كهرباء ولا تدفئة والزباين قلال".

إغلاق مطاعم

من جانبها قالت فاطمة عبد الله صاحبة أحد المطاعم بضواحي دمشق، أنها اضطرت لإغلاق مطعمها بعد 6 سنوات من العمل فيه، مبينة أن ارتفاع أسعار المواد الأولية وصعوبة تأمينها وأزمات الغاز والكهرباء كانت فوق المحتمل.

وأضافت عبد الله في حديثها مع موقع "تلفزيون سوريا" أن المطاعم في دمشق وخصوصاً في وسط العاصمة لديها خطوط كهرباء خاصة كان يسمى الخط الذهبي تحت إشراف النظام، والآن يسمى الماسي وسعره أعلى، لأن الذهبي صار يقطع مرتين أو ثلاث مرات بالأسبوع عدة ساعات.

وأشارت عبد الله أن خطوط الكهرباء التي لا تنقطع بشكل كبير غالباً ما تكون في مناطق سكن السفراء والوزراء والمسؤولين والقيادات الأمنية والعسكرية إلى جانب التجار والصناعيين الكبار.

ولفتت إلى أن الفنادق الكبيرة والمطاعم الفخمة والمطاعم المعروفة في أحياء مثل الميدان والمزة وكفرسوسة وأبو رمانة والشعلان والمالكي والقصور هذه بالغالب لا يشملها قطع الكهرباء ولديها خطوط ماسية أو ذهبية ومعظم أصحابها لديهم علاقات مع القصر الجمهوري أو الأفرع الأمنية، ويدفعون إتاوات شهرية إن لم تكن يومية.

وأشارت إلى أن مناطق هذه المطاعم وعلاقات أصحابها بالنظام ساهمت إلى حد كبير في تجنب الخسائر وتأمين المواد الأولية بسهولة ويسر وبأقل التكاليف على عكس أصحاب المطاعم الصغيرة في باقي دمشق وريفها.

وبخصوص إدارتها لمطعم خلال 6 سنوات، قالت عبد الله: "كانت فكرة فتح مطعم من قبل سيدة في سوريا مستهجنة وغير مقبولة من المجتمع، ولكن الحاجة بعد اعتقال زوجي دفعتني للبدء في الطبخ بالمنزل على التواصي ثم فتحت المطعم وصرت أبيع رز مندي وكبسة مع دجاج، وأبيع الخبز وطبخات على التوصاية وسندويشات غربي وفطور فول وحمص وتساقي، يعني مطعم يقدم كل شيء ولكن بشكل محدود، بالبداية حققت ربحاً وفيراً، ولكن فيما بعد بدأت الخسائر تزداد حتى اضطررت لإغلاق المطعم والعودة لنظام التواصي والطلبيات من البيت".

تأثيرات سلبية

ولعل التأثيرات السلبية على المطاعم والفنادق والمنشآت السياحية، تتركز بشكل أساسي على رفع أسعار الكهرباء بالنسبة للخطوط المعفاة من التقنين، وفي سياق ذلك، قالت مصادر في القطاع السياحي بمناطق سيطرة النظام السوري، إن هذا الأمر يكلف أعباءً إضافية على مختلف المنشآت، مع اضطرار العديد منها إلى تأمين الغاز الصناعي من السوق السوداء وبأسعار وصلت إلى 700 ألف ليرة، بحسب صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.

وبحسب المصادر تضطر العديد من المطاعم والفنادق إلى تأمين المياه من السوق السوداء، الأمر الذي ينعكس سلباً على مرتادي المنشآت السياحية، مضيفاً: جعبة المياه في المؤسسة السورية للتجارة تقدر بـ16500 ليرة، لكن تباع في السوق السوداء بنحو 25 ألفاً، ولاسيما أن المنشآت تضطر للحصول على كميات كبيرة.

وعن واقع الغاز، أكد مصدر في اتحاد غرف السياحية وجود حلول تتم حالياً مع المعنيين في محافظة حلب لتأمين المادة، لكن لا يمكن أن ننكر وجود مشكلة في موضوع تأمين المادة في مختلف المحافظات.

وأوضح المصدر أن رفع أسعار الكهرباء ينعكس بشكل مباشر على ارتفاع كلف التشغيل في المنشآت، مضيفاً: كي تحصل منشأة الإقامة (الفنادق) على خط معفى من التقنين فإنها تدفع مبالغ كبيرة تصل إلى 2300 ليرة للكيلو الواط الصناعي، ما يرتب مستلزمات وتكاليف تشغيل إضافية، ما يؤثر في أسعار تشغيل المنشأة السياحية.

"بعت المطعم"

وبموقف لا يخلو من الحزن، بدا الشيف أيمن الحاج، وهو يخبرنا أنه بدأ العمل منذ أسبوعين في مطعم يقدم وجبات غربية بحي الشعلان، بعد أن كان يملك مطعمه الخاص والذي اضطر لبيعه بسبب الخسائر التي كان يمنى بها.

وقال الشيف السوري لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "المطاعم رزق وليست كلها تعمل هذا صحيح، لكن في سوريا، أنت مرزوق الحمد لله ولديك زبائن والناس بتحب أكلك والخدمة يلي بتقدمها، بس ما في خدمات من الدولة لتساعدك بالمهنة، يعني أنا بعت المطعم لأنه ما عم توفي معي وما عاد ربحت وبلشت أدفع من رأسمالي مبالغ ضخمة منشان الغاز والكهربا والمازوت وإتاوات يمين وشمال".

وأضاف الحاج أن أسعار الزيت النباتي والمواد الأولية من لحوم ودجاج دائماً بارتفاع غير معقول، وهذا ينعكس على القدرة الشرائية للناس، يعني الزبون لا يستطيع مواكبة التضخم حتى وإن كان لديه مساعدة من أقاربه بالخارج بالدولار، لأن سعر الصرف ثابت منذ 6 أشهر تقريباً.

وألمح إلى أن الوضع الاقتصادي في سوريا لا يمكن أن يستفيد منه أصحاب الفعاليات الاقتصادية الصغيرة مثل المطاعم والمحلات والمقاهي، لأنها كلها مرتبطة بالمواد الأولية وانقطاع الكهرباء وعدم توفر الغاز بشكل دائم.

وأشار الحاج إلى أنه على سبيل المثال كان سعر سندويشة الشاورما عام 2010 في سوريا وسطياً 35 ليرة سورية، وبدأت بالارتفاع بشكل جزئي حتى وصلت إلى 150 ليرة عام 2013، و350 ليرة عام 2016، و500 ليرة عام 2018، و2000 ليرة عام 2021، و8000 ليرة عام 2022، و20 ألف ليرة عام 2024، وهو مثال على سندويشة شعبية يعتبر الجميع قادرين على شرائها منطقياً، ولكن تكلفتها لم تعد كما في السابق لذلك نجد أن سعرها في 2010 مقابل الدولار هو تقريباً 60 إلى 70 سنت، أما اليوم فتصل إلى دولار وربع بأقل تقدير، في الوقت الذي كان راتب الموظف يقدر بـ 300 دولار وسطياً، وهو اليوم لا يتجاوز الـ 20 دولاراً بأحسن أحواله.

ويبلغ سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بتاريخ (23 شباط 2024) 14400 ليرة لكل دولار في السوق السوداء بدمشق، بحسب موقع "الليرة اليوم".