icon
التغطية الحية

سلاسل توريد المخدرات جنوبي سوريا.. كيف توزع الأدوار بين حزب الله والنظام السوري؟

2023.06.02 | 21:39 دمشق

حبوب الكبتاغون
حبوب الكبتاغون
Etana Syria- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أصبح الوصول إلى شبكات تهريب الممنوعات في سوريا الشغل الشاغل للمنطقة وكذلك بالنسبة للدول الغربية، أما الجامعة العربية، ففي سعيها لمنع هذه التجارة، رحبت منذ فترة قريبة بعودة الأسد إلى الحضن العربي بعد 12 عاماً على الغياب. وفي هذه الأثناء، تجهز الولايات المتحدة لسياسة جديدة حيال سوريا تهدف إلى معالجة مشكلة تجارة الكبتاغون، أي أن اهتماماً كبيراً قد أولي لدور الكبتاغون في المنطقة، بيد أن هذا المنشط الذي ينتج بكلفة بسيطة ليس المادة المحظورة الوحيدة التي تصدرها سوريا بغية زعزعة استقرار المنطقة.

من خلال عمليات المراقبة الدورية لشبكات التهريب عبر الحدود السورية-الأردنية، وللشخصيات والجهات الفاعلة المتورطة في تلك العملية، وعلاقتها بالنظام وأجهزته الأمنية، أجرى مركز أبحاث إيتانا مؤخراً دراسة رسم من خلالها معالم شبكات التهريب الأساسية في الجنوب السوري كونها المسؤولة عن تهريب المخدرات، ومنها الكبتاغون والحشيش ومنشط الميثامفيتامين الحبيبي، بالإضافة إلى تهريب السلاح. وتقوم هذه الدراسة على بحث معمق في تجارة المخدرات في كل الجنوب السوري، أي في درعا والقنيطرة والسويداء، وذلك بالاعتماد على مقابلات موسعة أجريت مع نحو مئتي مصدر خلال الفترة الواقعة ما بين كانون الثاني ونيسان من عام 2023.

شحنة ضخمة من المخدرات والأسلحة ضبطتها السلطات الأردنية في أثناء عبورها الحدود من سوريا

أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة:

  • تأثير مقتل مرعي الرمثان: في الوقت الذي يرجح البعض فيه أن يعطل مقتل ملك التهريب مرعي الرمثان عمليات الاتجار بالمخدرات لفترة مؤقتة، تشير التطورات الأخيرة إلى أن النظام لم يقلص دوره في عمليات تهريب المخدرات.
  • هيمنة المخابرات العسكرية: خلال السنوات القليلة الماضية، زادت مخابرات النظام العسكرية من سيطرتها على تجارة المخدرات في الجنوب السوري، وأعادت رسم مسارات عمليات نقل المخدرات وتوزيعها وتهريبها.
  • تورط النظام مع المهربين وتعامله معهم عن قرب: يستثمر النظام لوجستياً وتقنياً وسياسياً وعلى كل المستويات في تجارة المخدرات، كما يلعب أشهر المهربين دور وسطاء مرخصين بين موردي المخدرات والمشترين المحليين، ويحصلون  دفعات مالية ويشرفون على عملية التوزيع بنسبة تعطى لهم.
  • مقار الإنتاج من دمشق وحتى الحدود الجنوبية: معظم كميات معجون الحشيش التي يتم تهريبها إلى الأردن قادمة من لبنان، كما يدير حزب الله في سوريا مقار عديدة لزراعة وتصنيع ونقل معجون الحشيش وحبوب الكبتاغون.
  • تهريب السلاح: تترافق عمليات تهريب السلاح مع تهريب المخدرات في أغلب الأحيان، إذ حتى اليوم شملت أشهر الأسلحة المهربة بين الحدود السورية- الأردنية مسدسات غلوك المصنوعة في تركيا، وبنادق كرينكوف AK 5.45 ملم روسية الصنع، ورشاشات M4 وعبوات ناسفة أسطوانية من نوع  C4 وكلتاهما أميركية الصنع.

التطورات الأخيرة

يعبر قرار الجامعة العربية بإعادة سوريا إليها بعد أكثر من عقد على القطيعة عن استراتيجية إقليمية أوسع لمعالجة المخاوف الأمنية المتفشية، إذ تأمل الدول العربية أن تلعب عملية تطبيع العلاقات مع بشار الأسد دوراً أكثر فاعلية من العقوبات بالنسبة لمواجهة المشكلات التي ظهرت في المنطقة منذ أمد طويل، والتي تشمل عودة اللاجئين والاتجار بالمخدرات. إذ مقابل إعادة تأهيل النظام سياسياً، وافقت دمشق على التعاون مع الأردن والعراق وتشكيل فرق سياسية وأمنية مشتركة لتحديد مصادر إنتاج المخدرات والإتجار بها.

بيد أن هذا النهج الإقليمي مايزال قاصراً، وذلك لأن تورط النظام بتصنيع المخدرات واضح وضوح الشمس، إذ حولت العديد من قطعات الجيش والأجهزة الأمنية عصابات التهريب الصغيرة والمتفرقة إلى وحدات منظمة بشكل جيد بحيث يساعدهم ذلك على إنكار تورطهم إلى حد ما. ولكن على الرغم من إنكار النظام لذلك ووعوده الفارغة بدفع أجهزته الأمنية لمكافحة التهريب على الحدود (من خلال تنفيذ عمليات اعتقال متفرقة على نطاق ضيق)، مايزال النظام متورطاً إلى حد بعيد في تلك العمليات، بل إنه أساس راسخ لها.

على مدار السنين، زودت أجهزة الأمن المهربين بهويات شخصية، وسمحت لهم بالوصول إلى البنية التحتية الدوائية التي يملكها النظام، وربطتهم بحزب الله وملوك المخدرات في وادي البقاع اللبناني، وسمحت لعصابات التهريب بنقل كميات هائلة من المخدرات والأسلحة الممنوعة إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج. واليوم، تمثل المخابرات العسكرية أهم جهة أمنية فاعلة لدى النظام مسؤولة عن تنظيم وتسهيل حركة المخدرات ودعمها لوجستياً. وخلال السنتين الماضيتين تحديداً، وسعت المخابرات العسكرية من سيطرتها الأمنية على الحدود السورية-الأردنية، وأعادت رسم وهيكلة سلاسل التوريد التي تمد الجنوب السوري بالمخدرات.

مقتل مرعي الرمثان

في أثناء كتابة هذه الدراسة، شنت الأردن غارة جوية في الثامن من أيار استهدفت بيت مرعي الرمثان جنوب غربي السويداء، فقتلته هو وزوجته وأولاده الستة. فيما ضربت غارة جوية أخرى محطة لتحلية المياه غربي درعا كانت في السابق تستخدم لتنظيم عمليات الاتجار بالمخدرات التي تصل إلى الأردن.

وقبل وفاته، كان الرمثان مسؤولاً عن أغلب عمليات تهريب السلاح على الحدود السورية-الأردنية، بعد توسع دوره المهم في نقل المخدرات بدعم من نظام الأسد. إلا أن العثور على بديل عن الرمثان، أي عميل مهم تربطه علاقات جيدة بالفروع الأمنية والمهربين على الأرض، قد يستغرق وقتاً، وفي هذه الأثناء لم يتضح ما الذي سيحدث لأصول الرمثان الهائلة وشبكة مستودعات التخزين والتوزيع التي كان يديرها.

عقب الغارتين الجويتين، توارى تجار المخدرات عن الأنظار ونقلوا أصولهم وعملياتهم إلى أماكن أخرى خشية تجدد الغارات التي بوسعها تعطيل عمليات التهريب على المدى القصير. إلا أن علاقات النظام مع تجار المخدرات واستعداده لحمايتهم بقي على حاله كما هو ظاهر، فقد وردت أنباء حول تواصل النظام مع عدد من تجار المخدرات عقب مقتل الرمثان ومطالبتهم بتوخي الحذر والتواري عن الأنظار إلى جانب الابتعاد عن المناطق الحدودية.

إلا أن الهجمتين كان لهما وقعهما المهم بلا ريب، إذ مثلتا أول رد من نوعه على وجود أصول مرتبطة بتجارة المخدرات في سوريا، إلى جانب احتمال إشارتهما إلى تغير في نهج الأردن حيال مكافحة التهريب. بيد أن استهداف مواقع تتصل بالمخدرات في الداخل السوري يمثل خطراً يتجلى بالانتقال إلى لعبة مواجهة المشكلة في موضع ما، لتظهر في مكان آخر، وهذه اللعبة لا نهاية لها. ثم إن السياسة السورية التي تقتصر فقط على معالجة مشكلة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة تخضع لتهديد يتصل بقطع الروابط بينها وبين العديد من العناصر الفاعلة وأفق التعاطي مع المسألة.

شبكات التهريب في الجنوب السوري

تشير تركيبة شبكات التهريب النشطة في الجنوب السوري إلى تورط النظام بشكل عميق في هذه التجارة، كما تعبر عن زيادة نفوذ المخابرات الجوية وسيطرتها على وجه الخصوص.

ففي السويداء، تورطت 64 عصابة تضم 716 فرداً في عمليات الإتجار بالمخدرات، كما أن 79% من شبكات الإتجار بالمخدرات في السويداء مرتبطة بالمخابرات الجوية، مقارنة بنسبة 63% من إجمالي شبكات تهريب المخدرات في درعا.

المخدرات

في الوقت الذي تستأثر فيه المخابرات العسكرية بمعظم السيطرة، ثمة جهات أمنية أخرى فاعلة لدى النظام متورطة هي أيضاً، إذ تقوم المخابرات الجوية بإدارة أكثر من عشر عصابات، في حين تدير الفرقة الرابعة تسع عصابات، أي بنسبة 16% للأولى و13% للثانية من مجموع شبكات الاتجار في الجنوب. وعلاوة على ذلك، يدير حزب الله نحو 17% من مجمل الشبكات في كلتا المحافظتين، وهو متورط بشكل أساسي في عمليات نقل المخدرات ومعجون الحشيش وغيرها من مواد الإنتاج التي تصل إلى سوريا عبر المناطق الحدودية.

سلاسل توريد المخدرات في الجنوب السوري

تتألف سلسلة توريد المخدرات إلى الجنوب السوري والأردن من خمس مراحل وهي الإنتاج والنقل والتوزيع والتخزين والتهريب، ويتبين من خلال الطرق الرئيسية مدى التعاون بين حزب الله وأجهزة النظام الأمنية وتجار المخدرات البارزين الذين يقومون بتوريد وتوزيع البضاعة. وعموماً، حزب الله هو المسؤول عن نقل شحنات المخدرات من وادي البقاع إلى سوريا، في حين تتولى المخابرات العسكرية مسؤولية مرافقة مركبات التهريب إلى الجنوب السوري.

بالنسبة للعناصر الفاعلة المتورطة في المرحلة النهائية، أي التهريب، فيمكن أن تنقسم إلى أربع فئات وهي: موردون أساسيون، عصابات منظمة، عصابات تتمتع باستقلال شبه ذاتي، وجماعات هامشية، وذلك بناء على ارتباطاتها بأجهزة الأمن التابعة للنظام ومدى خضوعها لها.

توريد المخدرات

عندما عاقبت المخابرات العسكرية حفنة من الأفراد لقيامهم بتوريد المخدرات إلى مهربين على الحدود في الجنوب السوري، كان الرمثان قبل وفاته من بين تلك الشخصيات التي عاقبتها المخابرات العسكرية، وذلك لأنه يتعين على معظم المهربين بين الحدود شراء المخدرات من الموردين المعاقبين الذين يدفعون بعد ذلك نسبة من أرباحهم للمخابرات العسكرية، وتمثل هذه المنظومة نحو 75% من شبكات التهريب على الحدود في درعا والسويداء.

الرمثان برفقة أولاده

أما العصابات الأخرى التي لا تخضع لسيطرة كبيرة من قبل المخابرات العسكرية فبوسعها شراء المخدرات من مصادر خارج درعا والسويداء، من دون أن تعقد بالضرورة اتفاقاً مع موردين معاقبين من قبل النظام، حيث تحصل هذه العصابات بالعادة على المخدرات من قبل أعوان حزب الله بنسبة ضئيلة، ولديها صلات مباشرة إما مع حزب الله أو بقية أجهزة الأمن السورية، باستثناء المخابرات العسكرية.

تهريب السلاح

يتم تهريب السلاح بالتزامن مع الاتجار بالمخدرات على الحدود السورية-الأردنية، إذ تعمل عصابات التهريب على نقل المخدرات والسلاح في أوقات مختلفة، وبات من الواضح بأنه لا يوجد مهرب في الجنوب السوري متخصص بتهريب السلاح فقط.

وأشهر أنواع الأسلحة المهربة مسدسات غلوك المصنوعة في تركيا، وبنادق رشاشة من نوع كرينكوف AK عيار 5.45 ملم، وبنادق M4 الرشاشة الأميركية، وقنابل C4 الأسطوانية الأميركية الصنع. ويبدو أن أغلب عمليات تهريب الأسلحة تتم في محافظة السويداء وليس درعا، إذ منذ آب 2022، زادت عمليات تهريب السلاح على الحدود السورية-الأردنية بشكل لافت، وتورط فيها مهربون تابعون لحزب الله والمخابرات العسكرية.

خاتمة

لا يسمح النظام السوري وحزب الله لعمليات التهريب أن تتم تحت رقابتهم بكل بساطة فحسب، بل إنهما متورطان بشكل فعلي في سلوك شبكات تهريب المخدرات عبر الحدود، وبالرغم من التصعيد الأردني الأخير ضد تلك الشبكات والمبادرات الساعية للتطبيع مع النظام، مايزال النظام السوري وحزب الله يواصلان دعم تجار المخدرات والمهربين في الجنوب بصمت، وفي الوقت الذي يمكن فيه لجهود التطبيع الإقليمية أن تدفع النظام لاعتقال بعض الشخصيات على نطاق ضيق، إلى جانب اعتراض عمليات تهريب المخدرات، تشير كل الأدلة المتوفرة إلى أن النظام لابد أن يواصل مشاركته وتورطه في تجارة المخدرات.

المصدر: Etana Syria