زيارة ناجحة لأردوغان إلى أميركا

2019.11.23 | 10:16 دمشق

2019-11-13t221057z_866308053_rc2mad9d36zp_rtrmadp_3_usa-trump.jpg
+A
حجم الخط
-A

زيارة ناجحة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى أميركا. هكذا وصفت الزيارة في الإعلام التركي، وحتى الأميركي، الأمر لا يتعلق فقط بالشكل والأجواء الدافئة التي طغت على لقاء الرئيسين أردوغان وترمب في البيت الأبيض الأسبوع الماضي وإنما بالجوهر والنتائج التي تمخضت عنها.

بداية، فإن سبب أو أحد أسباب نجاح الزيارة أقله نظريّ، والتوقعات العالية منها تمثل بالتمهيد الجيد والمناسب لها من قبل الطرفين أميركا وتركيا. فالأولى أرسلت السفير جيمس حيفري إلى أنقرة - مبعوثها الخاص لسوريا - قبل الزيارة بأيام معدودة للنقاش حول الملف السوري، والتفاهم عليه أو بالأحرى تأكيد التفاهم الثنائي المشترك حول المنطقة الآمنة الذي تم التوصل إليه بعد عملية نبع السلام والمتعلق بإنشاء منطقة آمنة شرق الفرات بإشراف تركي خالص ممتدة من مدينة رأس العين إلى تل أبيض بطول 122 كم وعمق 32 كم، مع عدم استهداف وتهجير المدنيين، وتدمير الممتلكات، واعتقال عناصر تنظيم داعش والاستمرار في محاربته، والسعي إلى عدم استفادة التنظيم من أي فراغ أو تحولات الصراع في سوريا، علماً أن هذه المحددات كانت وما زالت من ثوابت السياسة التركية في سوريا والمنطقة بشكل عام.

معلوم طبعاً أن السفير جيفري محسوب في الإدارة على الفريق الساعي لترتيب العلاقة مع تركيا، وأخذ مصالحها وهواجسها بعين الاعتبار في سوريا والمنطقة على حد سواء

معلوم طبعاً أن السفير جيفري محسوب في الإدارة على الفريق الساعي لترتيب العلاقة مع تركيا، وأخذ مصالحها وهواجسها بعين الاعتبار في سوريا والمنطقة على حد سواء، علماً أنه أخذ مكان الجنرال بيرت ماكغورك الذي تبنى سياسة معادية، وتعامل عن سبق إصرار وترصد مع الإرهابيين فى سوريا والعراق دون أدنى اعتبار لتركيا ومصالحها.

في سياق التمهيد للزيارة وترطيب الأجواء بين الجانبين كان هناك أيضاً تصريح مقتضب، ولكنه مهم جدّاً لمستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال روبرت أوبراين، أشار فيه إلى الحرص على التحالف مع تركيا، وعدم خسارتها بشكل ثنائي أو في حلف الناتو، مع الإشارة طبعاً إلى عدم القبول بمسألة منظومة صواريخ إس. 400 الروسية التي باتت وبشكل مريب بمنزلة العقدة في العلاقة بين الجانبين، بعد النجاح ولو النسبي في تجاوز مسألة تنظيم "قسد" وتضييق هوة الخلاف في سوريا.

الرئيس ترمب من جهته أرسل رسالة ثانية للرئيس أردوغان ولكنها كانت رسمية ودبلوماسية هذه المرة على عكس المرة الأولى، أكد فيها الحرص على العلاقات والتحالف مع تركيا كشريك رئيسي سياسي عسكري واقتصادي مع الإشارة طبعاً إلى عقدة إس. 400 وضرورة العمل على حلها.

من الجانب التركي كان هناك تمهيد كبير أيضاً عبر عمل وجهد حثيث، قامت به جمعية رجال الأعمال التركية الأميركية التي نفذت حملة إعلامية إعلانية في أميركا، لشرح ما قامت وتقوم به أنقرة من دور مركزي في المعركة ضد الإرهاب.

ثم رتبت الجمعية للقاء اقتصادي موسع جمع الرئيس أردوغان مع غرفة التجارة الأميركية ومجلس العلاقات الخارجية، بحضور رجال أعمال كبار من الجانبين،  جرى التأكيد فيه على مبدأ تطوير العلاقات الاقتصادية بغض النظر عن الخلافات السياسية، مع نقاش وأفكار حول كيفية تحقيق ذلك، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة التجارية الحرة.

إذن المشهد الودي الذى رأيناه في البيت الأبيض الأسبوع الماضي كان نتاج التمهيد والمعطيات السابقة، وبينما بدا أردوغان مرتاحاً واثقاً طول الوقت، بدا ترمب متوتراً في البداية قبل أن يسترخي ويكيل المديح لنظيره التركي – وبلاده - الذي بقي رسمياً ولكن مرتاحاً طوال الوقت.

ترمب أكد بعد الاجتماع على التحالف بين البلدين وتطوير العلاقات التجارية والعمل معاً لمحاربة الإرهاب، وشكر تركيا على مساهمتها في الحرب ضد تنظيم داعش، بما في ذلك تصفية زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، وهي نفس العناوين تقريباً التي تحدث عنها أيضاً الرئيس أردوغان.

الحدث الأهم ربما في الزيارة جرى بعيداً عن الإعلام حيث أحضر ترمب خمسة سيناتورات جمهوريين كبار منهم السيناتور البارز ليندسي غراهام في لقاء موسع  مع الرئيس أردوغان الذى طرح خلاله الموقف التركي شاملاً متكاملاً  تحديداً فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، حيث عرض فيديو عن إرهاب "قسد" وإثبات علاقتهم مع تنظيم بي. كا. كا التركي الذي تعتبره واشنطن نفسها إرهابياً ومنها وثيقة صادرة عن وكالة CIA نفسها تتعلق بمسؤول "قسد" مظلوم كوباني الذي يريد الكونغرس دعوته إلى واشنطن تقر الوكالة فيها أنه إرهابي، وأنه كان أحد مساعدي عبد الله أوجلان في  قيادة تنظيم بي كا كا التركي.

الاجتماع كان مثمراً رغم اللهجة القاسية التي اعتمدها الرئيس أردوغان تجاه السيناتور غراهام - قال إنه لقنه درساً – تحديداً، حيث إن هذا الأخير بادر إلى عرقلة تصديق مجلس الشيوخ على قرار الاعتراف بالإبادة الأرمنية المزعومة، مع محاضرة تاريخية سياسية عن ضرورة عدم كتابة السيناتورات للتاريخ، كما أعلن غراهام أنه سيكون داعماً للرئيس ترمب في تطوير العلاقات مع تركيا، وعدم فرض عقوبات عليها، علماً أن السياسة الخارجية أصلاً هي من صلاحيات الرئيس حصراً حسب الدستور الأميركي.

أما الأهم في النتائج العملية للزيارة فكان الإعلان-الجمعة 15 نوفمبر - عن انطلاق عمل اللجنة الخاصة بمعالجة مسألتي منظومة صواريخ إس 400 التي اشترتها تركيا من روسيا

أما الأهم في النتائج العملية للزيارة فكان الإعلان-الجمعة 15 نوفمبر - عن انطلاق عمل اللجنة الخاصة بمعالجة مسألتي منظومة صواريخ إس 400 التي اشترتها تركيا من روسيا، كما كيفية عودة الأولى إلى مشروع إنتاج طائرة إف 35 برئاسة المستشارين والموظفين المعنيين في الجانبين –  مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين والمستشار الرئاسي التركي إبراهيم قالن – الفكرة كانت أصلاً اقتراحاً تركياً طرحته أنقرة دوماً لتبديد مخاوف واشنطن من المنظومة الروسية، كما لتأكيد انفتاحها على شرائها منظومة باتريوت الأميركية، ومن هنا  يفترض أن يتم الانطلاق نحو تحسين وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين عبر إقامة منطقة تجارية حرة بينهما، لمضاعفة التبادل التجاري خمس مرات وإيصاله إلى 100 مليار دولار سنوياً.

 بدت زيارة الرئيس أردوغان لأميركا مهمة بحدّ ذاتها وبمجرد حدوثها أنهت الأزمة بين البلدين بشكل عام، ومنعت ذهاب العلاقات بينهما نحو القطيعة، ووضعت من جهة أخرى أسساً لحلّ الخلافات على قاعدة رغبة الطرفين في الحفاظ على التحالف، وتمتين وتطوير العلاقات التجارية مع العمل الجدي لحل نقاط الخلاف السياسية العالقة بينهما، دون أن تؤثر هذه على الجانب الاقتصادي للعلاقات، كما قال الرئيس أردوغان في المؤتمر الصحفي المشترك في البيت الأبيض، ثم في اجتماع نواب حزب العدالة والتنمية الثلاثاء-19 نوفمبر- الماضي، مع إشارته الى مسائل عالقة لكن مع إرادة وتصميم على تجاوزها: " لنظهر للعالم أن علاقتنا الثنائية ليست أسيرة لهذه المشكلات"، بحسب التعبير الحرفي للرئيس التركي.

 
كلمات مفتاحية