icon
التغطية الحية

زيارة رئيسي للأسد.. إعلان نصر مزعوم وجباية الديون بالاستيلاء على الأرض والاقتصاد

2023.05.01 | 06:22 دمشق

خامنئي يستقبل الأسد في طهران بحضور رئيسي
خامنئي يستقبل الأسد في طهران بحضور رئيسي / أيار 2022
إسطنبول - ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

كان يجب على وزير الطرق والتنمية الإيراني مهرداد بذرياش أن يطل من قاعة الشرف في دمشق قبل أيام وهو يقود أكبر وفد اقتصادي إيراني يزور دمشق على الإطلاق، لتمهيد الطريق للزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق الأربعاء المقبل، بحسب ما أعلنت عنه صحيفة الوطن التابعة للنظام.

وبعد الفشل الإيراني في تحقيق تقدم ملموس مع حكومة النظام السوري في المجالات الاقتصادية، نصبت طاولات اللجان الاقتصادية الثمانية التي قادها بذرياش في سوريا، لتحقيق تعاون استراتيجي مترامي الأطراف شمل أغلب المجالات، بما في ذلك الديون والكهرباء والنفط والتحويلات المصرفية والنقل السككي والبحري والاستثمارات الإيرانية والسياحة واستملاك الأراضي السورية.

الملفات التي بحثها الجانبان الإيراني والسوري وما لحقها من تصريحات إيرانية، تظهر سعي طهران لتحصيل الثمن النهائي للجهود الإيرانية العسكرية، وكذلك السياسية التي أفضت مؤخراً إلى انتهاء عزلة النظام عربياً، في انعكاس مباشر للاتفاق السعودي الإيراني الأخير.

وفد إيراني يزور دمشق لبحث مشاريع اقتصادية

زيارة بعد التطبيع السعودي مع النظام

في 18 من أبريل/نيسان الماضي، أشار ابراهيم رئيسي في اتصال هاتفي مع بشار الأسد إلى أن "النظام العالمي والإقليمي يسير في صالحنا".

من وجهة نظر إيرانية، لا يُنظر للزيارة الفريدة لرئيس إيراني منذ عام 2010، بصفتها انعكاساً لدفء العلاقات السعودية الإيرانية، بقدر ما توحي برغبة إيرانية لإظهار نشوة النصر.

وفي أول زيارة خارجية بعد جولة تخفيض التوتر الإقليمي وتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني، آثر الرئيس الإيراني أن يطل من دمشق قبل أن تكتمل شروط الصلح مع السعودية. لا يسعى هنا إبراهيم رئيسي للشهرة الإعلامية بقدر ما يسعى للتفاخر بإعلان النصر المزعوم على العرب. فزيارة السعودية كانت ستكون أول زيارة لرئيس إيراني متشدد على الإطلاق منذ قيام الدولتين، في حين هذه ليست الزيارة الأولى لرئيس إيراني لدمشق.

ورغم أنه من غير المؤكد أن تفضي جملة اتفاقيات التعاون الاقتصادي المكررة وغير المنفذة، بما في ذلك الموانئ البحرية أو الاستثمارات النفطية وتحصيل الديون المتراكمة إلى نتائج محسومة، إلا أن مثل هذه الإجراءات الشكلية مهمة لإنجاح الزيارة، وإظهارها بأفضل صورة.

أراض سورية مقابل الديون الإيرانية ومرفأ تحت تصرف طهران

وكان من اللافت بعد المباحثات الفنية التي عقدتها اللجنة الاقتصادية السورية - الإيرانية المشتركة الأسبوع الفائت في دمشق، ما كشف عنه وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بزر باش (رئيس الجانب الإيراني في اللجنة المشتركة)، بأن اتفاقاً سابقاً مع النظام السوري يمكّن إيران من الحصول على أراض في سوريا بدل الديون المالية، ولاستكمال الجهود في هذا السياق تمخض عن جلسات اللجنة المشتركة بين النظام وإيران تشكيل لجنة متابعة الديون والمستحقات، "لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون".

وقال الوزير الإيراني في مقابلة مع صحيفة الوطن المقربة من النظام: "الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا ولكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها"

وأشار الوزير بزر باش قبل يومين في تصريحاته بعد الاجتماعات في دمشق، إلى النشاط في مجال الاقتصاد البحري، وقال إنه يتم نقل حاويات البضائع إلى سوريا بواسطة السفن، وتقرر أن "يزدهر هذا القطاع أيضًا من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية والشحن المنتظم".
وأضاف بحسب ما نقلته وكالة "ارنا" الإيرانية: "تقرر أن يكون ميناء سوري تحت تصرف الجانب الإيراني، الأمر الذي سيوفر لنا فرصة فريدة للاستثمار في موانئ البلاد".

ضمان النجاحات قبل الزيارة

في الحقيقة، لا يكفي أن تقتصر الزيارة الرئاسية "المنتظرة" لرئيسي، والتي تم الإعلان عن تأجيلها مرتين (منذ نهاية ديسمبر 2022، إلى منتصف كانون الثاني 2023) ثم إلى موعدها المقرر الأربعاء المقبل، على تبادل جمل "المحبة والأخوة والعبارات الدبلوماسية المنمقة"، أو التفاخر بالانتصار على "الإرهاب"، بل يجب أن تكلل الزيارة، من وجهة نظر المتشدد رئيسي، بنجاحات منقطعة النظر على صعيد الدبلوماسية الاقتصادية أيضاً، لإظهار الانتصار الإيراني على العرب في سوريا متكامل الأركان، فلذلك لا بد أن يشمل كل الصعد العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية في أطول حرب خاضتها إيران خارج حدودها الجغرافية.

لن يقبل رئيسي المرشح لخلافة خامنئي والقائد المستقبلي لما يسمى بمحور المقاومة أن يجري بهذه الزيارة أن قبل تكتمل كل تلك الشروط على الأقل.

زيارة الأسد بحد ذاتها ليست مهمة، وإنما المهم إظهار قوة مشروع ولاية الفقيه، والتغطية على الفشل الداخلي المتصاعد لحكومة إبراهيم رئيسي على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، في ظل انتفاضة شعبية غير مسبوقة ما تزال مستمرة مع صعود وهبوط منذ أكثر من سبعة أشهر.

في الحقيقة، يتعامل المتشددون في إيران مع الاقتصاد كما يتعاملون مع صاروخ سليماني أو مسيرة شاهد 136، بمجرد وضعها على المنصة يجب أن يحصلوا على نتيجة إطلاق فورية وإصابة محققة، ويدفعهم على ذلك مزيج من حماسهم "الثوري" وشهاداتهم العلمية غير التخصصية.

ويرى المتشددون في إيران أنه يجب إجبار معدلات التبادل التجاري المتدنية بين إيران وسوريا خلال العقد الماضي على الصعود لمستويات تضاهي معدلات الأعداء الإقليميين (السعودية وتركيا) بقوة السلاح، وأنه يجب جعل شعاع تمددهم الاقتصادي مساوي لمديات صواريخهم.

منذ قدوم إبراهيم رئيسي للسلطة في إيران في آب 2021، وهو يحض مسؤوليه ووزراء حكومته على القدوم إلى سوريا وترميم ثغرات التعاون الاقتصادي المنهار. لكن كل هذه الجهود لم تفضِ لنتيجة واضحة المعالم، رغم مرور أكثر من عام ونصف.
بعد عام ونيف كشفت تقارير نشرها موقع تلفزيون سوريا بناء على رصد مستمر لتصريحات إيرانية مسؤولة، عن رحيل جماعي للشركات الإيرانية الخاصة التي تلقت خسائر فادحة في السوق السورية.

وخلافاً لسياسة تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية المعلنة مع دول الجوار، خاصة سوريا، لم تنجز حكومة رئيسي أي خطوات اقتصادية واضحة المعالم على الساحة السورية منذ توليها.
وفي أحدث تقرير نشره موقع تلفزيون سوريا، أظهر مدى تراجع التجارة الإيرانية مع سوريا وذكر أن الصادرات الإيرانية خلال العام الإيراني الماضي 1401 (21 من آذار 2022 - 20 من آذار 2023) لم تتجاوز السقف الإيراني المتوقع بـ 300 مليون دولار، لتتربع سوريا مرة أخرى، كما في كل عام من العقد الماضي، في قعر الجدول الاقتصادي للدول المستهدفة إيرانياً.

وفي ظل ندرة الأخبار المبشرة بتحسن العلاقات الاقتصادية، كان تخصيص صحيفة "كيهان" الناطقة بلسان خامنئي لزاوية في كانون الأول 2022 للحديث عن قدرة مؤسسة "بركت" التابعة لهيئة تنفيذ أوامر الإمام "إحياء صناعة القرطاسية الإيرانية" واختيار "سوريا" كأول وجهة للتصدير، بمثابة التضرع بحصول معجزات اقتصادية.

وفي ظل زحمة الاتفاقيات الاقتصادية التي أعدها بذرياش قبل أيام تمهيداً لقدوم رئيسي إلى دمشق، يقر بعض المحللين الاقتصاديين الإيرانيين أن الفراغ الذي خلقه قانون قيصر في السوق السورية لصالح الشركات الإيرانية أكبر من قدرات الإيرانيين على ملئه، وأن الكعكة السورية أكبر حجماً من المقدار الذي يمكن أن تبتلعه طهران بنفسها.

لكن لإظهار النصر الإيراني المزعوم بصورة خالية من العيوب يجب توقيع كم هائل من الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين، بغض النظر عن جدواها أو مدى قابليتها للتطبيق أو تكرارها، لتغطية الثغرة الخطيرة التي تعاني منها إيران على الصعيد الاقتصادي في سوريا.