icon
التغطية الحية

زواج القاصرات.. ماكينة إنجاب ووسيلة متعة أم زوجة؟

2022.06.03 | 06:36 دمشق

0.jpg
صورة تعبيرية عن زواج القاصرات في البلدان العربية (GETTY)
تلفزيون سوريا _ فراس الرحيم
+A
حجم الخط
-A

"بنت الشبّيح" هرباً من هذه الوصمة؛ وبعمر الرابعة عشرة، قبلتْ علياءُ بالزواج، من رجل متزوج، يفوقها عمراً بثلاثين سنة، "تَجرة برضى الطرفين"، هكذا وصفتْ ما جرى، هو يريدُ أطفالاً، وهي تريدُ الخلاص.

تفاصيل معاناة علياء، نتيجة زواجها قبل بلوغ الرشد، تطرح تساؤلات حول "زواج القاصرات" تذهب ضحيته فتياتٌ في عمر الطفولة يجبرهن المحيط والظروف ليصبحن أمهات أطفال.

يرصد هذا التقرير وقائع وأرقاما صادمة، عن ظاهرة "زواج القاصرات"، ترويها صاحبات التجربة "المريرة" على حد وصفهن، ويعرض رأي اختصاصيين في الطب والقانون والمهتمين بقضايا المرأة وحقوقها حول هذه الظاهرة.

الطفلة علياء في "مجتمع لا يرحم"

علياء، اسم مستعار، عمرها الآن أربعة وعشرون عاماً، مُهجّرةٌ من ريف معرة النعمان، جنوب مدينة إدلب، كان والدها يعملُ في لبنان، ولشدّة إعجابه بزعيم حزب الله اللبناني، غيّر مذهبهُ الديني، بعد عدة شهور من انطلاق الثورة في سوريا.

في وقت مبكر من عمر الثورة السورية جاء والد علياء لقضاء إجازته المعتادة، وقد صدمه موقف أهل القرية، المناصر لمن يصفهم بـ "الإرهابيين"، وهو الوصف الذي يستخدمه نظام الأسد وموالوه للسوريين الذين ثاروا ضد الأسد تبريراً لقمعهم.

والد علياء كان مقتنعاً برواية النظام حول "المؤامرة الكونية"، بسبب موقفه هذا، تعرّض لمضايقات من الجميع، فعاد إلى لبنان، لم يتصل بعائلته حين وصوله كعادته، اتصلت والدتها بهاتفه المحمول طيلة أيام، لكن رقمه كان دائماً خارج نطاق التغطية، واتصلت برقم شخص يعمل معه، فأخبرها أنه لم يره أبداً، أخبرت شرطة النظام حينذاك، لكن دون نتيجة، ثم انتشر في القرية خبر، مفاده أنه التحق بـ "حزب الله"، من دون أي تفصيل أو دليل.

بعد مضي عدة شهور على غياب والد علياء، تروي علياء لموقع "تلفزيون سوريا" أن مشاجرة حدثت بينها وبين زميلتها في المدرسة، فعيّرتها بأنها "بنت الشبّيح"، اشتكت لوالدتها التي اكتفت بالبكاء، ثم تتالت المضايقات من الجميع، لتترك دراستها في الصف الثامن، وحبستْ نفسها في البيت.

وتقول علياء، على الرغم من أن العادات في قريتها لا تسمح بمضايقة أي أنثى، لكنّ القاعدة انكسرت منذ غدت "بنت شبّيح".

تفاجأت أمّ علياء، حين تقدّم صديقُ زوجها لخطبة علياء، وكادت تطرده، لكنه أقنعها، حين ذكّرها بأنّ علياء تحملُ عار والدها ومذهبه، بعد أسبوع فقط وجدت علياء نفسها عروساً بلا عرس، لم تلبس ثوب الزفاف.

تصفُ علياء ليلتها الأولى لموقع تلفزيون سوريا،"كان لازم تكون ليلة العمر بس كانت ليلة الوجع والقهر، ليلتها كرهت الرجال والدنيا كلها، بدأت عملي كخادمة منذ صباح اليوم الأول، وقد حرصت زوجته الأولى على تذكيري بأني هنا كي أنجبَ لهم أطفالاً، وبسبب فارق العمر أجبتها "ماشي خالتي" فكانت الصفعة الأولى على وجهي، لتتالى بعدها الصفعات وكل أنواع الضرب.

تتابع علياء رواية قصتها، كنتُ أطلب منه إعادتي لبيت أمي، فيذكّرني بأني بنت الشبّيح ويضربني مجدداً، مرّ عامان دون أن يحدث الحمل، لذلك لم تتفاجأ أمي، حين أوصلني لبيتنا، وقال لي أنتِ طالق، دون أن يدخل البيت  ، أصبحتُ عندها ابنة الشبيح المطلّقة، في مجتمعٍ لا يرحم".

في أعقاب ذلك نصحتْ إحدى الجارات الأم بتزويج ابنتها فور انتهاء العدّة الشرعية للمطلقة.

وتقول علياء، كانت جارتنا تخطط لشيء نجهله، وبمجرد انتهاء أشهر العدة، خطبتني لشقيقها الأرمل، والذي كان له من زوجته المتوفاة أربعة أولاد، وخلال ثلاث سنوات، أنجبتُ منهُ ثلاثة أطفال، لم أبالِ بتعبي في خدمة كل هذا العدد، فقد كان زوجي حنوناً وطيّباً، لكنّه عجّل بالرحيل، كنتُ قد وضعتُ ابني الثالث حديثاً، حين أحضروهُ للبيت شهيداً.

وتضيف، بعمر تسعةَ عشر عاماً، صرتُ أرملةً، وأمّاً لسبعة أطفال، نعيشُ مما تقدمه المنظمات ومساهمات أهل الخير.

أطفالٌ بلا نسب

سارة ضحيةٌ ثانية، لـ "زواج القاصرات"، وتختلفُ تفاصيل معاناتها، عن حالة علياء، فهي تجهلُ مصير زوجها منذ سنة ونصف تقريباً، بل تجهل حتى اسمه الحقيقي، برغم أنها عاشت معه كزوجة لمدة عامين، أنجبا خلالهما طفلاً.

تقولُ سارة لموقع "تلفزيون سوريا"، " كنتُ في الثالثة عشرة من عمري، أذكرُ ذلك اليوم جيداً، عندما جاء والدي من المسجد عشاءً، وطلب من أمي أن تجهزني بما يلزم العروس من أساسيات، خلال عشرة أيام فقط، سألته والدتي عن العريس، فأجابها أنّ اسمه أبو الحسن، شابٌّ مهاجرٌ، يعرفُهُ من خلال المسجد، ومشهود لهُ بالتقوى والصلاح.

تكملُ سارة قصتها لموقع "تلفزيون سوريا"، فتصف بحياءٍ واضح، وبعباراتٍ حذرة، قسوة زوجها أبي الحسن، وتحذيره لها من عقاب الله، للزوجة التي تحرمُ زوجها، من ممارسة حقه الشرعي، لكنّ آلامها فاقت احتمالها، فأخبرت والدتها، التي طلبت منها الصبر، وبعد ثلاثة أشهر، قاموا بإسعافها نتيجة آلام أفقدتها وعيها، حتى إنها ضربت زوجها وأمها.

وبحسب ما روته سارة، فإن الطبيبة التي عاينتها طلبت إدخالها " إلى العمليات فوراً، فالجنين ميت"، أجهضت سارة حملها الأول، قبل أن تعلم به، وتؤكدُ أن الطبيبة يومها، قالت لأمها،" كان ممكن تموت بنتك .. هي طفلة مو خرج زواج وحمل".

ثم تتابع سارة قصتها، "لم يغير كلام الطبيبة في واقعي شيئاً، فحصل الحمل مرة ثانية، رأيتُ خلاله عذاباً طويلاً، وأصابتني أمراض كثيرة، ونقص وزني. لكن الله سلّم، فأنجبتُ ولدي، الذي فقد والده قبل أن يكمل الشهر السادس من عمره، ولا أعلم اليوم إن كان قد مات في معركة ما، أو عاد إلى دياره".

وتقول سارة، "لم يقبلوا إعطائي شهادة ميلاد للطفل، فهم يريدون اسم والده الكامل، ومعرفة جنسيته، أعطيتهم عقد الشيخ "البرّاني" فلم يقبلوا به، لعدم ذكر اسم الزوج ونسبته وبياناته فيه".

انتهاكات صارخة ومجتمعات صامتة

بحسب دراسة أجرتها منظمة اليونيسيف، كانت نسبة زواج الأطفال في سوريا 12٪ عام 2011، ارتفعت إلى 18٪ عام 2012، ثم بلغت 32٪ عام 2014. ولم تصدر أي أرقام عن المنظمة بعد ذلك.

لكن في شباط/فبراير 2019 أكدت دراسات أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان أن نسبة زواج الأطفال في سوريا بلغت 46٪.

غالية الرحال، مديرة منظمة مزايا النسائية، تعلق على نتائج الدراسات الأممية بخصوص هذه الظاهرة، بأنّ النسب الحقيقية أكبر بكثير، فالدراسات الأممية، ترصد الأرقام المسجلة، في الدوائر الرسمية الحكومية فقط.

وتقول غالية الرحال، التي تدير منظمة تدافع عن حقوق المرأة في الشمال السوري، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، إنّ ظاهرة زواج الأطفال في سوريا، تزداد انتشاراً بشكل خطير، موضحة أن معظم هذه الزيجات، لا يتمُّ تسجيلها في الدوائر الحكومية، ويكتفى بعقد شيخ "براني"، لذا لا يعتدّ بأرقام المنظمات الحقوقية الدولية، كمؤشّرات دقيقة.

ظاهرة الزواج المبكر ليست مستجدة في سوريا، لكنّ الظروف من بعد عام 2011، تسببت في زيادة انتشار هذه الظاهرة، فالظروف الاقتصادية وغياب دور القانون وتفكك الروابط المجتمعية نتيجة النزوح، جعلت الأهل أكثر خوفاً على بناتهم، مما دفع بهم إلى تزويجهنّ بأعمار مبكرة.

وبحسب الرحال، فإن معالجة الظاهرة ممكنة نسبياً، لكن هذه المعالجة تستند إلى شبكة من الحلول المرتبطة ببعضها، فنحن بحاجة لبرامج توعوية وصحية وتعليمية وإنمائية، تستهدف أهل القاصرات والقاصرات، بدون هذه الإمكانيات، لن نتمكن من تحقيق نتائج حقيقية.

القانون غائب أم مكبّل؟

المحامية هدى سرجاوي، مديرة تجمّع المرأة في الشمال السوري، توضح سبب غياب حماية القانون عن مثل هذه الحالات، بأن قانون الأحوال الشخصية في سوريا، يعتمدُ مصادر الفقه الإسلامي للتشريع، وفي مسألة كالزواج، لا يستطيع المشرع سن قوانين جديدة، لاعتبارات تتعلق بالحلال والحرام.

ووفق التشريع الإسلامي فإن سن الزواج يشترط البلوغ "أهلية الزواج"، وهو غير سنّ الرشد "الأهلية القانونية.

وينص قانون الأحوال الشخصية، عام 1953 فيما يتعلق بموضوع الزواج المبكر:

  • القاصر هو من لم يبلغ سن الرشد، وهي ثماني عشرة سنة كاملة.
  • تكمل أهلية الزواج في الفتى، بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة، بتمام السابعة عشرة من العمر.

وجاء في تعديلات القانون عام 2020:

  • "تكمل أهلية الزواج في الفتى والفتاة، بتمام الثامنة عشرة من العمر".
  • "إذا ادعى المراهق أو المراهقة البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما، ومعرفتهما بالحقوق الزوجية".

ووفقاً للتوضيحات والشروحات التي قدمتها المحامية هدى لموقع "تلفزيون سوريا"،  في حال تم الزواج بناءً على عقد شرعيّ، فإنّ تثبيت هذا الزواج قانونياً، يحتاج دعوى تثبيت زواج، عندها يجب على القاضي، أن يتفحص وثائق الدعوى فإذا تبين له أن الزواج صحيح مكتمل لشروطه، أصدر قراره بتثبيته وتسجيله في السجل المدني، أما إذا وجد أن الزواج لم تتوفر فيه شروط الصحة، أصدر قراره بإعلان فساد الزواج، وهذا يقتضي منه البحث بآثار هذا الزواج، وهل تم الدخول أم لا ، وما يتعلق بنسب الأولاد ، أما إذا تبين له بطلان الزواج أو عدم ثبوته، فإنه يعلن في الحالة الأولى بطلان الزواج ، ويعلن في الحالة الثانية رد الدعوى لعدم الثبوت.

حفظ الحياة مقدّم على رأي الفقيه

لرصد التبعات المحتملة، التي قد تؤثر سلباً، على صحة الفتاة القاصر، تواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع خبيرة الصحة المجتمعية رهف شيخ علي.

تقول رهف إنه "يجب اعتماد النضج الجسدي شرطاً من شروط البلوغ، وعدم الاكتفاء بالشرط الهرموني، حيثُ لا تعتبر الفتاة ناضجة جسدياً، إلا بعد اكتمال تشكُّلِ الرّحم، والحوض وملحقاته.

وبالتالي فإنّ حصول حمل في رحم غير مكتمل ستكون نتيجته الإجهاض، أو الولادة المبكرة في أحسن الحالات، وفقاً لخبيرة الصحة.

وتضيف، يأتي كثير من حالات النزيف الحاد، الناتج عن تمزق مهبلي، سببه خوف الفتاة القاصر، من العلاقة الجنسية، وتستدعي هذه الحالة عملاً جراحياً حرجاً، لا يخلو من نسبة خطورة خلاله أو بعده، بسبب ما قد يحدث من التهابات.

وتشير رهف إلى الدراسات الطبية الحديثة التي تثبت، أن العلاقة الجنسية في سنّ مبكرة سببٌ من أسباب سرطان عنق الرحم.

وحول تعارض الاجتهاد الفقهي مع الشروط الصحية توضح خبيرة الصحة المجتمعية أن حفظ النفس من مقاصد الشريعة الخمسة، ومن تعمّد التفريط فيه يأثم، وقد ثبت بالعلم أنّ تجاوز ناحية النضج الجسدي في تشريع سن الزواج، موقعة للضرر، الذي قد يبلغُ عتبة إزهاق الروح، سواءً للأمّ القاصر، أو الجنين المتخلِّق.

خطة دولية للقضاء على زواج الأطفال بحلول 2030

في العام 2016، وعلى موقعها الرسمي للمنظمة، نشرت نيشا فاريا، مديرة برنامج المناصرة في قسم حقوق المرأة في "هيومن رايتس ووتش" مقالاً جاء فيه،" تكاتفت الجهات الدولية المانحة، ووكالات الأمم المتحدة، و500 من منظمات المجتمع المدني حول العالم، وتمّ وضع الأهداف الإنمائية المستدامة، وفي أيلول/سبتمبر 2015، تبنّت الأمم المتحدة هذه الأهداف، ومن بينها القضاءُ على زواج الأطفال، كهدف رئيسي بحلول عام 2030.

وتعتمد الخطة على توفير موارد، على مدار عدة سنوات، وضرورة إجراء مقاربات، تساهم في تحقيق هذا الهدف، كالالتزام بإرادة سياسية، والاعتراف بحق المراهقات بالاختيار، والتنسيق بين قطاعات التعليم والصحة والقضاء والتنمية.