icon
التغطية الحية

زلزال سوريا وتركيا.. لماذا كان مُدمّراً إلى هذه الدرجة الكبيرة؟

2023.02.07 | 20:21 دمشق

زلزال سوريا
مشهد للدمار في إدلب بعد الزلزال المدمّر في سوريا وتركيا - شباط 2023
إسطنبول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أفاد علماء الزلازل والبراكين بأنّ الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، فجر أمس الإثنين، قد يكون أحد أكثر الزلازل دماراً وتسبّباً في وقوع ضحايا، خلال السنوات العشر الماضية.

وقال العلماء - بحسب ما ذكرت شبكة "BBC" البريطانية وموقع "دويتشه فيله" الألماني ووكالتي "رويترز" و"فرانس برس" - إنّ السبب في هذا الدمار الكبير هو مجموعة من العوامل تتمثّل في:

  • توقيت الزلزال وموقعه.
  • خط صدع هادئ نسبياً منذ قرنين.
  • مبان مشيّدة بشكل سيئ.

وأضاف العلماء أنّ الزلزال تسبّب في صدع يمتد طوله إلى أكثر من 100 كيلومتر بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية، وفسّروا ما حدث تحت سطح الأرض وما يمكن توقّعه في أعقاب ذلك.

منشأ الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا

كان مركز الزلزال الأخير (أطلقت عليه تركيا اسم: زلزال مرعش) على بعد 26 كيلومتراً تقريباً شرقي مدينة نورداي (Nurdağı) جنوبي تركيا، وعلى عمق قريب من سطح الأرض نسبياً (18 كيلومتراً) عند "فالق شرق الأناضول"، وأطلق موجات باتجاه الجنوب الشرقي، تسبّبت بحدوث دمار كبير في تركيا وسوريا.

وبحسب البروفيسورة جوانا فور ووكر - رئيسة معهد الحد من المخاطر والكوارث في بريطانيا - إنه "من بين أكثر الزلازل فتكاً، خلال الأعوام الماضية، كان اثنان فقط منها في السنوات العشر الماضية بنفس الشدة، وأربعة في السنوات العشر السابقة".

زلزال مرعش

 

وخلال القرن العشرين، لم يتسبّب "فالق شرق الأناضول" في نشاط زلزالي كبير، إذ قال روجر موسون - باحث فخري في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية - إنه "إذا تتبعنا الزلازل (الكبيرة) التي سجّلتها مقاييس الزلازل، فلن نجد شيئاً يُذكر".

وأضاف أنّ هذا الخط لم يشهد أي زلزال تفوق قوته 7 درجات، منذ أكثر من قرنين، مما حدا بالسكان إلى "الاستخفاف بخطورته"، وتشير هذه المدة أيضاً إلى أن "كمية كبيرة نسبيّاً من الطاقة تراكمت على طول الصدع. وما يؤكد ذلك حدوث هزات ارتدادية عنيفة بعد الزلزال الرئيسي.

تكرار لـ زلزال العام 1822

منذ عام 1970، لم تسجّل المنطقة سوى ثلاثة زلازل فقط بقوة 6 درجات على مقياس ريختر، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية. لكن في 13 آب 1822، تعرّضت المنطقة لزلزال بقوة 7.4 درجات.

وتسبّب زلزال العام 1822 بدمار هائل وتهدّم مدن بكاملها وأدّى إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص، مشيراً "موسون" إلى أنّ الزلزال الأخير "تقريباً" هو تكرار لذلك لزلزال.

وبحسب "رويترز"، فإنّ تركيا تقع على خط صدع زلزالي رئيسي في العالم، إذ تسبّب زلزال سابق في إزميت والتي تبعد نحو 100 كيلومتر جنوب شرقي إسطنبول، في مقتل 17 ألف شخص، عام 1999.

والزلزال الأخير وقع نتيجة تحرّك "الصفيحة التكتونية العربية" التي تتقدم باتجاه الشمال نحو تركيا، بحسب ما أوضح عالم الزلازل "موسون"، الذي أضاف أنه "عندما تنشط الحركة، تتقدم اللوحة فجأة، وينتج من هذه الحركة زلزال كبير، مثل الزلزال الذي شهدناه أمس".

وكما تتعلّق الحصيلة المرتفعة في الضحايا بشدّة الزلزال غير المسبوق، منذ العام 1939 (زلزال أرزينجان)، يتعلّق مدى الدمار الهائل أيضاً بطول الصدع الأرضي على امتداد خط الصدع الزلزالي (100 كيلومتر بالنسبة للزلزال الأخير)، مشيراً "موسون" إلى أن هذا يعني أنّ "أي نقطة قريبة من الـ100 كيلومتر هذه، هي فعليًّا في مركز الزلزال".

تداعيات خطيرة لـ صدع الزلزال (عمقه 100 كيلومتر )

أثارت أرقام الخسائر المتزايدة لـ الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا، مخاوف من ضرب المنطقة بزلازل أخرى، بعد كشفه أوضاعاً جيولوجية مقلقة فيما يسمى بـ"صدع شرق الأناضول" وأنها قد تحفّز فوالق أخرى في تركيا.

وأوضح الخبير الجيولوجي عباس شراقي لموقع "سكاي نيوز"، خطورة هذا الصدع بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية وفق الآتي:

  • تركيا أكثر دولة على البحر المتوسط معرّضة للزلازل، وهي بؤرة نشاط زلزالي مستمر تاريخياً.
  • توجد عدة فوالق في المنطقة أهمها "صدع شرق الأناضول" ويزيد طوله على 100 كيلومتر.
  • تشكّل منطقة الحدود التكتونية من نوع "الصدع التحويلي" بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية المتحركة.

وأضاف "شراقي" أنّ "فالق شرق الأناضول هو نهاية للأخدود الإفريقي، ويفصل بين الدرع النوبي والدرع العربي من جهة ودرع الأناضول من جهة أخرى، مشيراً إلى خطورة هذا الفالق العظيم،  وأنه دائم الاتساع ويزداد، ما يتسبّب في حدوث الزلازل بشكل متكرر في تركيا نتيجة حدوث انزلاقات وهبوط.

يشار إلى أنّ تركيا يخترقها صدعان رئيسيان: الأول هو "صدع شمال الأناضول" يمتد من أطراف بحيرة "وان" في أقصى الشرق إلى إسطنبول غرباً، في حين ينطلق الثاني من نقطة الالتقاء مع "صدع شمال الأناضول" شرقاً ويمتد جنوب شرق عبر ولايات: "بينغول وإلازيغ وكهرمان مرعش" وصولاً إلى "هاتاي".

زلازل سابقة شرق الأناضول

حدثت في نطاق "صدع شرق الأناضول" مجموعة زلازل مدمّرة، أشهرها:

  • زلزال أرزينجان شرقي تركيا، عام 1939، راح ضحيته 30 ألف شخص، وبلغت قوته 7.8 درجات.
  • زلزال أضنة - جيحان جنوبي تركيا، عام 1998.
  • زلزال إزميت شمال غربي تركيا وهو الأكثر إيلاماً، وقع في 17 آب 1999.
  • زلزال بينغول، عام 2003.
  • زلزال إلازيغ، عام 2010، وزلزال إلازيغ الثاني، في كانون الثاني 2020، والذي بلغت قوته 6.7 درجات، وراح ضحيته 22 شخصا، ومئات الجرحى، وعشرات البيوت المهدمة.

زلزال تركيا حرّك ألواح الصفيحة الجيولوجية العربية

أفاد كارلو دوليوني - رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين (INGV) - بأنّ الدرع الجيولوجي في تركيا تحرك ثلاثة أمتار بسبب الزلزال، بحسب تقرير لـ  جريدة "Corriere della Sera" الإيطالية.

وقال "دوليوني" إنّ "الصفيحة العربية تحرّكت قرابة 3 أمتار في اتجاه الشمال الشرقي والجنوب الغربي فيما يتعلق بلوحة الأناضول"، مردفاً: "نحن نتحدث هنا عن هيكل في المنطقة الحدودية بين هذا العالم (بين الصفيحة العربية وصفيحة الأناضول)".

الصفيحة العربية
"الصفيحة العربية" باللون الأصفر الفاتح

وبحسب "دوليوني" فإن الأمر يبدو وكأنّ "تركيا انتقلت إلى الجنوب الغربي"، حيث كان الحجم الإجمالي للكسر لا يقل عن 150 كيلومتراً، في حين "حدث كل شيء في بضع عشرات من الثواني"، على حدّ تعبيره.

ما نوع الهزات الارتدادية التي يمكن توقعها؟

بلغ متوسط الزلزال (في تركيا وسوريا) الذي تتجاوز قوته سبع درجات، أقل من 20 زلزالاً على مرّ التاريخ، مما يجعل زلزال اليوم حدثاً خطيراً.

 

وبالمقارنة مع الزلزال الذي ضرب وسط إيطاليا، عام 2016، بقوة 6.2 درجات وأودى بحياة نحو 300 شخص، فإنّ الطاقة المنبعثة عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، فجر أمس الإثنين (6 شباط 2023) تزيد بمقدار 250 مرة عن زلزال إيطاليا، بحسب ما ذكرت لجوانا فور والكر رئيسة كلية لندن الجامعية للحد من المخاطر والكوارث.

وأفاد موقع "دويتشه فيلة" الألماني، أنه بعد 11 دقيقة من الزلزال الأوّل في تركيا، تعرّضت المنطقة لـ هزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجات، ووقع زلزال بقوة 7.5 درجات بعد ساعات، تلاه هزة أخرى بقوة ست درجات في فترة ما بعد الظهر.

وقال روجر موسون - باحث فخري في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية - إنّ "ما نراه الآن هو أن النشاط يمتد إلى فجوات مجاورة... نتوقع استمرار الزلازل لبعض الوقت".

لماذا كان الأمر شديد الخطورة؟

"صدع شرق الأناضول" هو خط زلزالي عبارة عن كسر في الصخور يؤدي إلى انزلاقات زلزالية تتدافع بموجبها ألواح صخرية صلبة على امتداد خط الصدع الرأسي، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط حتى تنزلق إحداها في النهاية بحركة تفضي إلى إطلاق قدر هائل من الطاقة التي يمكن أن تتسبب في حدوث زلزال.

وبدأ وقوع الزلزال التركي السوري على عمق ضحل نسبياً، إذ قال ديفيد روثيري - عالم جيولوجيا الكواكب في الجامعة المفتوحة ببريطانيا -: "ربما كان الاهتزاز على سطح الأرض أشد من تأثير زلزال على مستوى أعمق بنفس القوة عند المصدر".

وبحسب روجيه موسون - الباحث في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية - فإنّ الزلزال ضرب تركيا وسوريا عند الساعة 4,17 (01,17 بتوقيت غرينتش)، إذ وجد النائمون أنفسهم "عالقين تحت أنقاض منازلهم التي انهارت".

وأضاف أنّ بنية المساكن "لا تتوافق بالفعل مع منطقة معرّضة لخطر الزلازل العنيفة"، مردفاً أنه يمكن تفسير ذلك بأن الصدع الزلزالي، حيث هذه المساكن، كان هادئاً نسبياً في الماضي.

"بناء غير موثوق به"

أوردت عالمة البراكين في جامعة بورتسموث البريطانية كارمن سولانا، أنّ تشييد المباني يشكّل عاملاً رئيسيّاً عند حدوث الزلزال، موضحةً أن "مقاومة البنية التحتية ويا للأسف متفاوتة في جنوب تركيا وخصوصاً في سوريا. لذلك، فإن إنقاذ الأرواح يعتمد الآن على سرعة الإغاثة".

وأشار عالم البراكين من الجامعة البريطانية بيل ماكغواير، إلى أن العديد من المباني "انهارت على شكل طبقات"، موضحاً أنّ "ذلك يحدث عندما لا تكون الجدران والأرضيات متصلة بشكل كافٍ، فينهار كل طابق عمودياً على الطابق السفلي"، الأمر الذي يترك للسكّان فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة.

وتابع: "أن يكون أحد المباني منتصبا من دون أضرار جسيمة إلى جانب مبنى منهار بالكامل ليس أمراً نادراً، بسبب البناء غير الموثوق به أو مواد البناء السيئة".

ما ترجيحات الحصيلة النهائية للضحايا؟

تسبّبت الزلازل ذات الحجم المماثل في المناطق المأهولة بالسكّان في مقتل الآلاف، إذ أودى زلزال نيبال الذي بلغت قوته 7.8 درجات، عام 2015، بحياة ما يقرب من تسعة آلاف شخص.

وأوضح "موسون" قائلاً: "لن تكون الأمور جيدة... سيكون (الضحايا) بالآلاف وربما يصل عددهم إلى عشرات الآلاف"، مردفاً: "طقس الشتاء البارد يعني أن المحاصرين تحت الأنقاض لديهم فرص أقل في البقاء على قيد الحياة".

يشار إلى أنه بحسب آخر حصيلة غير نهائية، قضى أكثر من ثلاثة آلاف و549 شخصاً وأصيب أكثر من 22 ألفاً في تركيا، وقضى أكثر من 1700 شخص وأصيب أكثر من 3649 آخرين في سوريا، فضلاً عن دمار هائل في عشرات آلاف الأبنية.