icon
التغطية الحية

روسيا مستمرة بحصار درعا البلد وتحرمها الغذاء والدواء.. دوافع التصعيد ومآلاته

2021.07.10 | 06:37 دمشق

hajz-dra.jpg
مدنيون عند حاجز تفتيش يتبع "الفرقة الرابعة" في جيش نظام الأسد - AFP
إدلب ـ ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

يدخل الحصار الروسي لمنطقة درعا البلد جنوبي سوريا يومه السابع عشر، إذ أغلقت قوات نظام الأسد - بأمر روسي - كل الطرق الرئيسية المؤدية إلى مركز مدينة درعا، في 24 من شهر حزيران الماضي، على خلفية رفض أهالي المنطقة تسليم 200 قطعة سلاح فردي خفيف (كلاشنكوف)، و20 رشاشاً من نوع "PKC".

بدأت تتشكل ملامح أزمة إنسانية في منطقة درعا البلد، بسبب منع قوات النظام دخول المواد الغذائية والإمدادت الطبية، لنحو 11 ألف عائلة تقطن في المنطقة، تزامناً مع غياب المؤشرات لأي انفراجة قريبة، بسبب تعنت الجانب الروسي، المتمثل بالجنرال "أسد الله".

مجريات حصار درعا البلد

في شهر حزيران الماضي، كلّفت موسكو ضابطاً روسياً من أصول شيشانية يدعى "أسد الله" بمتابعة ملف درعا، والذي طلب بدوره من اللجنة المركزية في درعا المسؤولة عن ملف التفاوض مع الروس والنظام، تسليم السلاح الفردي الموجود في منطقة درعا البلد، مقابل إخراج الميليشيات المحلية المرتبطة بالأمن العسكري من أحياء المنشية وسجنة والجمرك القديم.

قوبل الطلب الروسي بالرفض من جانب اللجنة المركزية ووجهاء درعا، بالتزامن مع الإعلان عن تعليق المفاوضات مع الجانب الروسي، ما دفع الأخير إلى إطباق الحصار على درعا البلد عبر إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى مركز مدينة درعا.

واستقدمت قوات النظام في 25 حزيران تعزيزات عسكرية من عدة قطع محيطة بمدينة درعا منها، تلة "الخضر" و"الكتيبة المهجورة"، باتجاه حي السحاري وحاجز حميدة الطاهر على مدخل حي درعا البلد، كما رفعت سواتر ترابية في محيط عدة حواجز عسكرية، أهمها حاجز غرز على المدخل الشرقي لحي السد ودرعا البلد ومخيم درعا، والذي يربط تلك الأحياء بقرى وبلدات ريف درعا الشرقي.

وبعد ذلك، قال عضو اللجنة المركزية بدرعا المحامي عدنان المسالمة، إن الإجراءات العقابية التي فرضها نظام الأسد في درعا سببها موقفها الرافض لانتخابات النظام الرئاسية، كما ذكر أن المطالب الروسيّة ترمي إلى زعزعة استقرار المحافظة وهي محاولة لكسر إرادة أهالي المنطقة.

وأصدرت لجان مركزية وأهلية مختلفة في محافظة درعا، بياناً في 27 حزيران حمّلت فيه مسؤولية "زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي في حوران" لكل من الروس ونظام الأسد في حال عدم فكّ الحصار المطبق على درعا البلد، مشيرة إلى أن ذلك العقاب "يعتبر خروجاً عن وظيفة الضامن الروسي لاتفاق التسوية ومخالفاً للقرارات الدولية ذات الصلة".

ومطلع شهر تموز الجاري أطبقت قوات النظام حصارها على درعا البلد بعد أن أغلقت طريق الصوامع الذي يصل المنطقة بالريف الشرقي للمحافظة، وهو الطريق الذي كانت تمر عبره سيارات الخضار والمواد التموينية إلى درعا البلد وطريق السد ومخيم درعا.

الأسباب البعيدة للحصار

قال الصحفي المقيم في درعا البلد، عبد الله أبازيد، إن اللجنة الأمنية التابعة لنظام الأسد في محافظة درعا، اتخذت أواخر شهر أيار الماضي عدة إجراءات عقابية بحق أهالي حوران، من ضمنها فصل أحياء درعا المحطة عن أحياء درعا البلد بشكل تدريجي.

وفي 31 أيار تم إغلاق أول حاجز يفصل بين المنطقتين، ويسمى السرايا، والذي يعتبر الشريان الرئيسي لمنطقة درعا البلد، ثم بدأت قوات النظام تغلق المعابر واحداً تلو الآخر، بدءاً من حاجز المشفى الوطني، ومعبر الجوية الذي يمر بمخيمات درعا، وحاجزي الصوامع وقصاد المؤديان إلى الريف الشرقي من المحافظة.

ووفقاً لـ "أبازيد" فإن الإجراءات العقابية بدأت بعد خروج مظاهرات في درعا البلد بتاريخ 25 أيار، تحت عنوان "لا مستقبل لقاتل السوريين"، تعبيراً عن رفض الأهالي لمسرحية الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام، وكذلك بعد العصيان المدني في عموم المحافظة بتاريخ 26 أيار، الأمر الذي منع النظام من فتح صناديق الاقتراع بالمنطقة.

وحالياً لم يبق سوى منفذ وحيد في درعا البلد، وهو معبر حي سجنة، الخاضع لسيطرة قوات الفرقة 15 في النظام، إضافة إلى ميليشيا محلية تابعة لفرع الأمن العسكري، معظم عناصرها كانوا ضمن صفوف فصائل المعارضة قبل إجراء عملية "التسوية" في شهر تموز من عام 2018.

حصار بدعم إيراني

أكد "أبازيد" في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن الفرقة 15 التابعة للفيلق الأول في نظام الأسد، تنتشر على جميع محاور درعا البلد.

وأضاف أن الفرقة تحاصر درعا البلد بمساندة ميليشيات محلية تتبع لفرع الأمن العسكري ومكتب أمن الفرقة الرابعة، بعضها بقيادة المدعو مصطفى المسالمة، الملقب بـ"الكسم"، وتتمركز مجموعاته في حيي سجنة والمنشية، وأخرى تتبع للمدعو شادي البجبوج، الملقب بـ"العو".

وذكر أن مجموعات "البجبوج" تابعة أيضاً لفرع الأمن العسكري، بقيادة العميد لؤي العلي، كما توجد مجموعات أخرى بقيادة محمد المسالمة (أبو تركي) والذي يتبع بدوره لمكتب أمن الفرقة الرابعة تحت قيادة اللواء علي محمود.

وتنتشر هذه القوات في عموم أحياء درعا المحطة من أجل التعرف إلى أهالي درعا البلد والتعرض لهم واعتقالهم أو إهانتهم والانتقام منهم، بحسب "أبازيد".

ولفت إلى مشاركة ميليشيات إيرانية وميليشيات تتبع لحزب الله اللبناني، في حصار درعا البلد، حيث شوهد عناصر لميليشيا "الرضوان"، في حيي سجنة والمنشية، وأحياء الضاحية جنوب غربي مركز المدينة.

بدوره ينشر اللواء "313" التابع لميليشيا "حزب الله" اللبناني عناصره في مدينة إزرع بريف درعا الشمالي.

تحذيرات من كارثة إنسانية.. نقص في الدواء والغذاء

حذّر الناطق باسم "تجمع أحرار حوران" الصحفي، أيمن أبو نقطة، من كارثة إنسانية وشيكة في منطقة درعا البلد، في حال واصلت القوات الروسية وقوات النظام حصارها للمنطقة ومنع إدخال المواد الغذائية والطبية إليها.

وأفاد "أبو نقطة" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، بأن 11 ألف عائلة تقطن في درعا البلد، بينها نحو 11 ألف امرأة، والآلاف من الأطفال وكبار السن، مشيراً إلى أن ما يفاقم المعاناة، هو دمار البنية التحتية في درعا البلد وطريق السد ومخيم درعا، بنسبة 90 في المئة، كما أن تلك المناطق تفتقر إلى المراكز الصحية والطبية.

ويضيف أن الحصار بدأ يؤثر سلباً على السكان، وخاصة الأطفال والمرضى من كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، والنساء الحوامل، حيث أكد عدم توافر أي أدوية لأمراض السرطان، أو معدات طبية لغسيل الكلى.

وتابع: "المشكلة الكبرى هي المخاطر التي باتت تُهدد النساء الحوامل، إذ في كل المنطقة لا يوجد إلا قابلة قانونية واحدة فقط، ولا تتوافر لديها المعدات الطبية المطلوبة، كما لا توجد حواضن للأطفال الخدّج مع عدم توافر مشاف ومراكز صحية مؤهلة بجميع المعدات واللوازم الطبيّة".

من جانبه قال الصحفي "أبازيد" إن مناطق درعا البلد، دخلت في الأسبوع الثالث من الحصار الكلي، حيث أوضح أن معبر سجنة مخصص لاستفزاز وإهانة الأهالي، كما يعد مصدرا خطرا، حيث تم اعتقال شخصين من عائلة المسالمة، والاعتداء على أكثر من شخص في المعبر.

وأدى الحصار - بحسب أبازيد - إلى ارتفاع حالات البطالة، وسط عجز معظم العائلات عن تأمين قوت يومها، من جراء انقطاع الطرق وعدم تمكن آلاف الأشخاص من الذهاب إلى أعمالهم، كما أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار معظم المواد الأساسية، ومن أهمها المواد الطبية، التي بدأت بالتناقص أيضاً.

مستجدات درعا البلد

يبدو أن النظام ومن خلفه روسيا، يصران على مطلبيهما، بتسليم سكان درعا البلد 200 قطعة سلاح فردي خفيف، إذ قال رئيس لجنة "المصالحة" التابعة لنظام الأسد، وأمين حزب "البعث" في محافظة درعا، حسين الرفاعي، إن قرار جمع الأسلحة من أهالي المحافظة "مطلب شعبي اتخذ ولا رجعة عنه".

ويوضح "أبازيد" أنه لا توجد أي مستجدات في درعا البلد، بعد تهديد الجنرال الروسي "أسد الله" بجلب الميليشيات الإيرانية، في حال رفض أهالي المنطقة تسليم السلاح الخفيف.

وتلقت لجنة درعا طلباً من الطرف الروسي وطرف النظام للاجتماع فيما بينهم، لكن اللجنة قابلت الطلب بالرفض، واشترطت فك الحصار عن الأهالي قبل الحديث عن إمكانية عقد الاجتماع.

ويواصل حاجز سجنة ممارسة ضغوطات كبيرة على الأهالي، في حين تنتشر دوريات أمنية في أحياء درعا المحطة، ومن أهمها حي المطار وحي الكاشف، إذ توقف المارة وتطلب هوياتهم الشخصية، ثم تجري عمليات تفتيش في حال كانت البطاقات الشخصية تحمل قيود درعا البلد.

وأصدر محافظ درعا مروان إبراهيم شربك، بتاريخ 7 تموز الجاري، قراراً بمنع حركة الدراجات النارية داخل مدينة درعا مهما كانت تبعيتها وتحت أي مسمى، وبحسب "أبازيد" فإن هذه القرارات تأتي ضمن حزمة من الإجراءات العقابية، تتخذها اللجنة الأمنية بحق الأهالي.

خيارات الأهالي ومآلات الحصار

يؤكد "أبازيد" أن أهالي درعا البلد ما زالوا متمسكين بقراراتهم المتمثلة برفض تسليم السلاح، ورفض الحصار، ومنع تفتيش المنازل، مشيراً إلى أن مجلس عشيرة درعا ولجنته تتعامل مع مجريات الأمور بحسب المستطاع.

من جهته قال الكاتب الصحفي المنحدر من درعا ياسر الرحيل، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إن نظام الأسد غير راض عن بنود التسوية المبرمة في درعا عام 2018، لذلك يحاول خلق تسوية جديدة تتناسب معه، ودفع روسيا للضغط في هذا السياق.

وعن مآلات التصعيد، تحدث "الرحيل" عن عدة خيارات بالنسبة لروسيا والنظام، ومنها التصعيد العسكري المحدود في درعا البلد، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم وصوله إلى حد الانفجار.

في المقابل، وضع "الرحيل" احتمالاً بأن تُقدم اللجنة المركزية في درعا، والأهالي، على تسليم جزء بسيط من السلاح، كبادرة حسن نية، لقاء وضع شروط جديدة تضاف إلى اتفاق التسوية السابق، لضمان عدم التصعيد مجدداً، وقطع الطريق على روسيا في حال طالبت بتسليم المزيد من الأسلحة.

لكن الصحفي أيمن أبو نقطة، ذكر أن الخيار الوحيد المطروح حالياً من قبل اللجنة المركزية في درعا، هو فك الحصار، موضحاً أن فك الحصار يعد شرطاً لبدء أي مفاوضات جديدة، خاصة أن موقف الأهالي هو الصمود، ورفض تسليم أي قطعة سلاح.

ويحاول النظام تكرار أحداث درعا البلد في مدينة الصنمين شمالي درعا، حيث عمم أسماء عشرات الشبان من المدينة، وطالبهم بتسليم أسلحتهم، مهدداً إياهم باعتقالهم عبر مداهمة منازلهم، في حال لم يخضعوا لشروطه، على الرغم من أن القوائم تضمنت أسماء مدنيين لم يتبعوا لأي جهة عسكرية سابقاً.

وسيطرت قوات النظام بدعم روسي على محافظة درعا، شهر تموز 2018، وذلك بموجب اتفاق "تسوية" ومصالحات مع الفصائل، أدّى بعضها إلى تهجير المقاتلين برفقة عائلاتهم إلى الشمال السوري، لكن ذلك الاتفاق لم يسهم في استقرار الأوضاع، حيث سجل "مكتب توثيق الشهداء في درعا" ألف عملية اغتيال بالمحافظة، منذ شهر آب عام 2018، حتى نهاية شهر حزيران عام 2021، أدت إلى مقتل 23 طفلاً، و161 من عناصر فصائل المعارضة الذين أجروا "تسوية" مع النظام ولم ينضموا إلى قواته، و249 عنصراً كانوا سابقاً ضمن الفصائل، وأجروا "تسوية" وانضموا إلى صفوف النظام، إضافة إلى العشرات من الأطباء الذين عملوا في المشافي الميدانية قبل "التسوية"، وناشطين في الحراك المدني والإعلامي.