رأي عن الموقف الأميركي من التطبيع الإماراتي مع الأسد

2021.11.10 | 16:21 دمشق

254147177_254507933382194_8982844278686427127_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

"لم يحصل ذلك من دون ضوء أخضر أو موافقة أميركية". ما تزال الأدوات التحليلية المستخدمة لدى كثير من المتابعين والمحللين السوريين في قراءة الموقف الأميركي من تطبيع بعض الدول العربية مع نظام الأسد تبسيطية وتقليدية جداً، وتعتمد في غالبيتها على مدخل التبعية، المركز/ الأطراف في العلاقات الدولية.

تفترض هذه النظرية هامشية أدوار اللاعبين الإقليميين واضطرارهم الدائم إلى التطابق في المواقف مع اللاعبين الدوليين، أو العمل بالملفات الإقليمية بالوكالة عنهم من دون إقامة اعتبار أو وزن تحليلي لهوامش الحركة والقدرة على الاختلاف أو المبادرة خارج رغبة الفاعل الأقوى.

وفق هذا الفهم، فإن قيام الأردن سابقاً والإمارات لاحقاً وربما دول عربية أخرى بالتطبيع مع الأسد، لن يكون إلا تنفيذاً لرغبة أميركية، وإن إبداء الأخيرة معارضتها للخطوة لا يعدو كونه مناورة إعلامية من قبل الولايات المتحدة لخداع السوريين وحثهم على القبول بالمواقف الجديدة، وفي هذا تبسيط أيضاً.

من البديهي أن الولايات المتحدة قوة عظمى، وغالباً ما تتخذ مواقفها بشكل علني حتى في حالة الحروب أو الانسحاب من الحروب، ولا أعتقد أنها تقيم في تغيير مواقفها وزناً للمعارضة السورية أو الرأي العام المعارض، فهي ليست في موقف ضعف لإخفاء ذلك.

منذ عام 2012، كان الموقف الأميركي تجاه سوريا واضحاً مع بعض التغيير التكتيكي:

  • لا تدخل عسكري لإسقاط النظام
  • لا تطبيع معه من دون تسوية سياسية تمنع على الأقل مرحلياً تجدد الصراع، وإذا لم يتحقق ذلك يجب حصر الصراع داخل حدوده لأنه سيكون طويلاً
  • الاعتماد على العزل الدبلوماسي والعقوبات

الموقف السابق بحد ذاته لم يكن مناصراً للثورة السورية بمقدار ما هو ضغط نسبي على النظام لمنع الانتصار الكامل على الثورة أو حل الأزمة من دون تسوية سياسية.

وللأسف فإن المحددات الرئيسية لهذا الموقف الأميركي لم تتغير لا في عهد أوباما، أو ترامب، ولا يبدو أنها ستتغير في عهد بايدن.

إن الاختلاف يتعلق بمستجدات الصراع لا بأسسه، ويظهر من خلال النبرة الدبلوماسية فقط والتعامل مع المتدخلين الكثر في الصراع

إن الاختلاف يتعلق بمستجدات الصراع لا بأسسه، ويظهر من خلال النبرة الدبلوماسية فقط والتعامل مع المتدخلين الكثر في الصراع دولاً كانوا أو فاعلين من غير الدولة. وقد أُبلغت المعارضة السياسية والعسكرية بهذا الموقف بشكل صريح مراراً وتكراراً، لكن الأخيرة كانت وما تزال تعوّل على دور أكبر لواشنطن.

تم اختبار الموقف الأميركي في مناسبات عدة، أولها عام 2018 بعد زيارة عمر البشير إلى دمشق، إذ قاد جهداً إماراتياً مصرياً حينذاك لإعادة النظام إلى الجامعة  العربية، وثانيها، بعد عام 2019 مع بروز ملامح جديدة في الموقف السعودي، وثالثها في عام 2020 بعد الاتصال الرسمي بين محمد بن زايد وبشار الأسد، هذا عدا المطالب المستمرة لكل من العراق، ولبنان، والجزائر بعودة النظام إلى الجامعة العربية.

في جميع المواقف السابقة، كانت الولايات المتحدة الأميركية تعلن موقفاً بسيطاً تقليدياً ترفض الخطوة وتحث الراغبين على التفكير مليّاً. هذا الموقف البسيط عادة ما يمثل ذخيرة معنوية لبعض الدول الرافضة لإعادة تعويم النظام، وتتسلح بها لمواجهة فرضه كأمر واقع في الجامعة العربية.

بكلمات أخرى، إذا طرحت هذه القضية للتصويت الآن في الجامعة العربية فإن دولة عربية واحدة أو دولتين على الأكثر ستعارضها فقط، وسيقبل الباقون أو يمتنعون عن التصويت. لكن قرار التجميد أو الإعادة يحتاج إلى إجماع كامل تسعى واشنطن إلى منع حصوله.

بالانتقال إلى الإمارات، فالانحياز إلى النظام ليس وليدَ اليوم، هو في العلن منذ عام 2018 ولا مفاجأة بالزيارة للمتابعين سوى بفجاجتها، وترتيبات إقليمية تريدها الإمارات فيما يبدو حتى خارج الرغبة أو الموافقة الأميركية.

الإمارات مُبادِرة وتستفيد من تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، لكن لا تحظى جميع سياساتها بمباركة أو موافقة أميركية.

تبنّت الإمارات سياسة مواظبة ولافتة للنظر في دعم الديكتاتوريات ونجحت في إعادة تشكيل المشهد العربي بطريقتها خلال العقد الأخير. كما اتبعت سياسة براغماتية لا حدود لها في معاندة كل القضايا التي تحظى بجماهيرية عربية.

وأعلنت الإمارات رسمياً انتصارها على الشعوب في مسألة الربيع العربي، وتحاول في القضية الفلسطينية رسمَ مشهدٍ جديد كلياً. فالإمارات مُبادرة وتستفيد من تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، لكن لا تحظى جميع سياساتها بمباركة أو موافقة أميركية.

والخلاف في الموقف والتوجهات قائم حتى بين حلفاء الولايات المتحدة، وهذا مفهوم للأخيرة ضمن هوامش الفعل الدولي. ولا يستقيم تحليل في العلاقات الدولية يركز على المستوى الدولي ويتجاهل التفاعلات على مستوى الإقليم والدولة، وخصائص صانع القرار.

ليس الغرض من العرض السابق تأكيد ما خلص إليه من نتائج رغم أن هذه المسألة تمثل هاجساً واهتماماً لكاتبها، لكن على الأقل فتح مساحات أخرى في التحليل خارج التعميم والجزم السائد في الساحة السورية.