icon
التغطية الحية

ذا تايمز: الدرس الذي تعلمه بوتين من سوريا.. القصف حل ناجع

2022.02.02 | 12:20 دمشق

قصف روسي غربي حلب- المصدر: الإنترنت
قصف روسي غربي حلب- المصدر: الإنترنت
تايمز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لروسيا جيش سريع التعلم، فقد تعلم سريعاً (خلال هذا القرن على الأقل) من أخطائه في ساحات الوغى، فعدل تكتيكاته لتتواءم مع تقنية جديدة وابتدع أساليب تبقي جيوش الأعداء في حالة تكهن.

بعد القصف الروسي لسوريا الذي بدأ في أواخر عام 2015 وأوائل 2016، لم يتوقف القادة العسكريون الروس إلا قليلاً لمسح الغبار عن أحذيتهم قبل أن يلقوا محاضراتهم لتعليم الجيل المقبل في الكليات التي تُخرّج تابعين لهم، وذلك لأن ما حدث في الشيشان والاعتماد على السرعة والخداع عند ضم القرم في عام 2014، وتدمير طائرات الاستطلاع التابعة للدبابات الروسية خلال الحرب على الحدود التي نشبت في العام الماضي بين أرمينيا وأذربيجان، كل تلك الأحداث خضعت للتحليل في وقتها.

وهذا ما جعل موسكو تتفوق وتتميز في مواجهتها مع أوكرانيا، إذ تجلى ذلك في قدرة جيشها على طرح حلول إبداعية، حتى ولو كانت متوحشة، أمام الكرملين، بدلاً من الاعتماد على مكر فلاديمير بوتين وخبثه الذي فاق كل الحدود، وهذا ما جعل روسيا تتميز في هذا المضمار.

 احتمالات ثلاثة

ثمة فرضيات غربية ترى بأنه يتعين على بوتين إما أن يبرم اتفاقاً ليبدأ بعد ذلك بسحب جنوده رويداً رويداً من محيط أوكرانيا، أو أن يصعد الأمور عبر انتزاع مناطق على أمل إبرام اتفاقية أفضل، أو أن يشن غزواً كاملاً مع تحويل جيشه إلى قوات احتلال. ولقد اعتمدت الاستراتيجية الغربية حتى الآن على إيجاد السبل لزيادة تكاليف الخيار الثالث، وذلك عبر إرسال أسلحة مضادة للدبابات وطائرات استطلاع يمكنها اختراق الدبابات للأوكرانيين، إلى جانب تشييد جدار من العقوبات الجديدة، مع زيادة فرص دعم المقاومة الشعبية المناهضة لروسيا.

ولكن حتى الآن لم يبد أي خبير عسكري ما يؤكد احتمال قيام غزو شامل، فلقد تم نشر القوات الروسية كما تتمدد قطعة من اللبان حول الحدود الطويلة مع أوكرانيا، إلا أن الجيش ليس مستعداً للقيام باحتلال شامل، كما أن الروس تصرفوا بشكل أخرق عندما احتلوا أفغانستان وشرق أوروبا، وذلك لأن القوات الروسية خارج حدودها تتصرف وكأنه ليس لها "عقول وأفئدة".

لا غزو يلوح في الأفق

كنت من المشككين بأمر الغزو، لا سيما عندما تباطأت تحركات الجنود الروس العابرة للحدود في أواخر شهر كانون الأول الماضي، إذ بدت روسيا وكأنها لا تقوم بزيادة أعداد جنودها بشكل كبير وخطير، بل إن وجود عدد ضئيل من قوات الاستكشاف الذين تم نشرهم بين الحدود البيلاروسية وصولاً إلى كييف بدا أمراً مبالغاً به. إلا أن تعداد الجيش الأوكراني بلغ عملياً 255 ألفاً، إلى جانب 900 ألف جندي احتياط، ما يعني بأن كييف محصنة. ومن الدروس المستفادة من الحملات على الشيشان هو أن المعارضة الداخلية للحرب يمكن أن تتحرك بسرعة وبهدوء بمجرد عودة الجنود في توابيت مصنوعة من التوتياء إلى القرى الروسية.

طبول الحرب تقرع

لكنني اليوم أصبحت أشك في الأمر، إذ ثمة دلائل واضحة تشير إلى تأهب جيش ما للتحرك، وعن ذلك يقول مايكل كوفمان الخبير العسكري بالشؤون الروسية لدى مركز أبحاث CNA: "لا يبدو بأن هذا الموقف سيدوم لفترة طويلة، إذ ثمة مزيد من التصعيد في شيء معين"، فوجود الوحدات اللوجستية وقيام ورشات لإصلاح الدبابات، وتشكيل وحدات طبية متنقلة، ووجود متبرعين بالدم، كل تلك الأمور بدأت تظهر منذ نهاية عيد الميلاد لدى الطائفة الأرثوذكسية.

فقد تم استدعاء جنود الاحتياط في المقاطعات الجنوبية القريبة من الحدود مع أوكرانيا، كما أخذت مجموعة فاغنر وغيرها من شركات التعهدات العسكرية الخاصة توظف مقاتلين سابقين في مهام الحراسة وذلك حتى يصبح بوسع الوحدات الفعلية أن تتقدم.

أما وزارة الدفاع الروسية فقد ذكّرت أهالي المجندين بأنه لن يسمح لأبنائهم باستخدام هواتفهم بعد عمليات نشر القوات، كما عليهم ألا يتوقعوا أن يتحدث المذياع عن أي شيء حول ذلك، ولكن أيضاً، وفي محاولة عرجاء لطمأنتهم، أكدت تلك الوزارة أن المجندين لن يتم إرسالهم إلى مناطق القتال، بيد أن الحد من التواصل مع الوطن كان الدرس المستفاد من الحروب في الشيشان.

وإضافة إلى ما سبق، وصلت آليات فتح الطرقات ومعدات بناء الجسور إلى الحدود مع أوكرانيا، ولعل ذلك استعراض بأن أي هجمة روسية لن يقف في طريقها أي شيء حتى الأحوال الجوية. بيد أن كل تلك الأمور تمثل أساليب وطرقاً معتادة تبنى على أساسها التوقعات بشأن اقتراب حالة الغزو، وإن حدث ذلك، بحسب رأي المختصين بعلوم الغزوات والحروب، فلن يحدث قبل 20-22 شباط الجاري، أي بمجرد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، واستكمال التدريبات المشتركة المعلنة رسمياً بين روسيا وبيلاروسيا.

فإذا تأخرت القوات الروسية عن ذلك الموعد، عندئذ سيحين الوقت أمام الأوكرانيين ليستثمروا في عتاد الحرب (وجلّه أتى من المساعدات العسكرية الألمانية التي وصلت لأوكرانيا حتى الآن).

أهم درس مستفاد لروسيا من سوريا

بيد أن أهم درس تعلمته روسيا من تدخلها في سوريا هو سرعة القصف الدقيق وقوته التدميرية، إذ لدى روسيا قاذفات صواريخ باليستية قصيرة المدى من نوع اسكندر 52 وقد نشرتها على الحدود مع أوكرانيا، ومن الأهداف المحتملة التي يمكن لتلك الصواريخ أن تصيبها مستودعات للوقود، وقواعد جوية ومراكز للدفاع الجوي. فقد تدربت القوات الجوية الروسية طوال أشهر على إصابة تلك الأهداف، كما شارك الأسطول الروسي في البحر الأسود في بعض التدريبات التي تتصل بعمليات الاستهداف.

خلال حملة القصف التي شنتها روسيا ضد خصوم بشار الأسد، قامت بتسوية ما زعمت بأنه أوكار لإرهابيي تنظيم الدولة، بشكل ضمن بقاء عميلها الديكتاتور على المستوى السياسي مع التقليل من حجم الخسائر التي تكبدتها روسيا.

وبالرغم من انزعاج الغرب من تدمير المشافي، فإن روسيا أصبحت تؤمن بالقوة الحاسمة للمواجهة والهجوم الجوي العابر للحدود.

لقد أثبت المئات من الضباط الروس من أصحاب الرتب الرفيعة جدارتهم في سوريا، وهذا ليس بمستغرب إن عرفنا بأنهم أتوا ليتفرجوا على شيء يجمع بين الهجوم الإلكتروني ونيران الصواريخ البعيدة، بوصف ذلك طريقة لترويض أوكرانيا والتوصل إلى حل سياسي سريع، وفي ذلك عاصفة صحراء أشد من تلك التي وقعت في أوكرانيا في عام 2014.

هل يمكن لحشد الجنود أن يشكّلَ تحوّلاً مُكلفاً وجزءاً من الخطة البديلة في حال أثار قصف مدن أوروبا الشرقية نقمة شعبية أكبر من تلك التي ثارت عند قصف روسيا لحلب؟ يعتقد بوتين أنه حقق ضربة نوعية في سوريا كما صار يفخر بإعادة القرم للحظيرة الروسية، ولا شك في أن ذلك جعله ينال إعجاب جنرالاته به، إلا أن كبار الضباط لن يتوجهوا له بأي شكر في حال انتهت الأمور بروسيا لتخوض احتلالاً دموياً طويل الأمد.

بقلم: روجر بويز

المصدر: تايمز