icon
التغطية الحية

خوف بين أوساط اللاجئين السوريين في الأردن من الإعادة القسرية

2023.07.20 | 20:56 دمشق

أطفال لاجئون سوريون يلهون أمام خيمة في مخيم للاجئين السوريين قريب من العاصمة الأردنية عمان- تاريخ الصورة: 5 حزيران 2023
أطفال لاجئون سوريون يلهون أمام خيمة في مخيم للاجئين السوريين قريب من العاصمة الأردنية عمان - تاريخ الصورة: 5 حزيران 2023
Associated Press- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بما أن الأردن احتضن اجتماعاً لمباحثات إقليمية خلال الربيع الماضي هدفها إنهاء العزلة المفروضة على سوريا بعد مرور أكثر من عقد على الحرب، لذا فقد أصبحت اللاجئة السورية سوزان دبدوب تشعر بضغط كبير أصبحت تحس به في دماغها وأذنيها بحسب ما وصفت لنا وهي تتحدث عن الخوف الذي لم تشعر به منذ وصولها إلى الأردن قبل عشر سنوات.

قبل ذلك الاجتماع، وافق بشار الأسد على السماح بعودة ألف لاجئ سوري يعيشون في الأردن بسلامة إلى بلدهم، وفي ذلك العدد مجرد عينة اختبار قبل ترحيل أعداد أكبر من اللاجئين. بيد أن كبار الدبلوماسيين في الأردن لم يتحدثوا إلا عن العودة الطوعية، ومع ذلك انتشر الخوف بين صفوف الطبقة العاملة شرقي عمان، حيث أسست سوزان هي وغيرها من السوريين حياة جديدة في تلك المنطقة التي تسودها أبنية طابقية إسمنتية، وتضيف سوزان، 37 عاماً، التي سُوّي بيتها بالأرض بسبب الغارات الجوية على مدينة حمص السورية: "أفضّل الموت هنا على العودة إلى سوريا".

ضغط غير مباشر وتغير أردني جذري

فرت سوزان إلى عمان برفقة أولادها الخمسة، وزوجها الذي يعمل محاسباً، والذي فر هرباً من الخدمة العسكرية، إلى جانب شقيقتها التي تخلت هي الأخرى عن وظيفة لدى الدولة.

تحدثنا سوزان عن مشاعرهم اليوم، فتقول: "نحس بخوف شديد وذلك لأن الحكومة الأردنية ستضغط ولو بشكل غير مباشر علينا حتى نرحل".

بما أن دول الشرق الأوسط التي ضاقت ذرعاً بأعداد اللاجئين الكبيرة لديها أخذت تعيد العلاقات مع الأسد، لذا فإن معظم السوريين الذين فروا من سوريا أصبحوا يشعرون اليوم بذعر شديد من فكرة العودة إلى بلدهم التي دمرتها الحرب والتي يحكمها رئيس مستبد سحق ثورة عام 2011 بكل عنف ووحشية.

وحتى في الوقت الذي زادت فيه حالة العداء الشعبية والأزمة الاقتصادية في دول الجوار من الضغط على اللاجئين السوريين، ما تزال قلة قليلة منهم تطالب بالعودة إلى سوريا، ولذلك بقي عدد اللاجئين السوريين المسجلين في الأردن وتركيا ولبنان نفسه تقريباً طوال السنوات السبع الماضية بحسب أرقام الأمم المتحدة.

على أمل تسريع عودة اللاجئين، رحل لبنان وتركيا المئات من السوريين منذ شهر نيسان الماضي ضمن ما اعتبرته منظمات حقوقية خرقاً للقانون الدولي.

والآن جاء دور الأردن، الذي يعتبر حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة، والذي أثنى عليه كثيرون لاستقباله ملايين اللاجئين من الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، ليغير موقفه هو الآخر.

تكشفت مبادرة الأردن خلال شهر أيار الفائت عن تشجيع للتعاون مع الأسد حول قضية عودة اللاجئين، بعدما توجت عمليات الاتجار غير المشروع بالمخدرات حالة التحول المؤلمة لهذا البلد، بحسب ما يراه من يدافعون عنه، إذ تغير الأردن من دولة تعتبر من أكثر الدول التي استقبلت حشوداً من اللاجئين إلى أكبر المؤيدين لفكرة إعادة اللاجئين إلى بلدهم.

وحول ذلك يعلق آدم كوغل، وهو نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، فيقول: "رحب الأردن باللاجئين منذ أمد بعيد، ولكن اليوم أصبح الخطاب الرسمي موجهاً نحو تأييد فكرة عودتهم، وذلك أمر مثير للقلق إلى حد بعيد".

أعلنت منظمات حقوقية بأن عودة اللاجئين إلى سوريا لا تزال غير آمنة لأنهم عرضة للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والإعدام الميداني في سوريا، بل إن أوفر العائدين حظاً لا بد أن يقف على طوابير الخبز الطويلة، ويتعرض لحالة انهيار العملة السورية وانقطاع الكهرباء بعد مرور سنوات طويلة على النزاع الذي قتل فيه نصف مليون إنسان تقريباً، وتشرد بسببه نصف الشعب السوري الذي وصل تعداده قبل الحرب إلى 23 مليون نسمة.

يقول محمد، 34 عاماً، وهو نجار هرب من سوريا في عام 2013 وافتتح معرضاً للأثاث الخشبي المنحوت يدوياً في عمان يشبه طبق الأصل ورشة أبيه في دمشق: "أهلي يقولون لي إن الحرب انتهت، ولكن انتهى معها أيضاً كل شيء آخر".

لم يقبل محمد أن نذكر اسم عائلته لدواع أمنية، لكنه أخبرنا بأنه لا يرغب في العودة بتاتاً، واستشهد بقصص حول اعتقال قوات الأمن السورية للعائدين بهدف سحب آلاف الدولارات من أهاليهم على شكل رشى، كما أن ابنتيه اللتين تبلغ إحداهما أربع سنوات والأخرى عشر سنوات، لا تعرفان بلدهما الأم، ويعقب على ذلك بقوله: "عرفت هنا كيف يعيش المرء بكرامة".

بما أن المملكة الأردنية الهاشمية تتمتع بسمعة طيبة لكونها قطباً من أقطاب الإنسانية، وواحة الاستقرار النسبي وسط الشرق الأوسط المتقلقل، تؤوي المملكة نحو 1.3 مليون نسمة من أصل 5.2 ملايين لاجئ سوري توزعوا على دول المنطقة بحسب ما أوردته الحكومة الأردنية من أرقام.

ولكن في الوقت الذي لم تقم فيه قوات الأمن الأردنية بمداهمات بهدف تسريع عمليات الترحيل خلال الشهور القليلة الماضية، رحلت حكومة الأردن الآلاف من السوريين على مدار السنين، معظمهم بسبب جرائم ارتكبوها أو بسبب عدم تسجيلهم لدى السلطات. وبما أن نسبة البطالة والتضخم قد زادت كثيراً، فقد أدى ذلك إلى تأجيج المشاعر المعادية للاجئين بين الأردنيين كما أخذت الحكومة تتحدث عن إعادتهم بصراحة أكبر، فبات تاريخ الأردن مع ترحيل السوريين يثير الذعر بين اللاجئين السوريين في الأردن.

تخبرنا سوزان التي قتل صديقها برصاصة على يد قوات النظام في مدينة درعا إثر ترحيله في عام 2016 بأنهم جميعاً تقريباً يعرفون شخصاً: "تم ترحيله لسبب غير مفهوم"، فهذا الصديق الذي رحله الأردن اتهمته قوات الأمن الأردنية مع آخرين غيره بالتواصل مع جماعات متطرفة ومعارضة في سوريا، بحسب ما أوردته منظمات حقوقية.

يخبرنا سامر كردي الذي يعمل لدى مشروع الإصلاح العرضي الذي يقدم مساعدات للاجئين في عمان بأنه: "بوجود تجاوزات لقوات الأمن في الأردن والمنطقة، لم يعد هنالك ثقة بالحكومة الآن، كما أن إعادة الأسد للحضن العربي لن يفيد السوريين بشيء".

منذ أن حضر الأسد أول قمة عربية له بعد 13 عاماً من القطيعة، أخذ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يصف آمال بلده بعودة اللاجئين بأنها النتيجة الحتمية لإعادة تأهيل الأسد.

الأردن: تجاوزنا حدود طاقتنا ومستقبل اللاجئ في بلده

بالنسبة للأردن، فإن استقبال عدد كبير من اللاجئين وبقاءهم في هذا البلد لأجيال وأجيال، يلقي بظلاله على مليونين ومئتي ألف من اللاجئين الفلسطينيين، وذلك لأن تجربة هؤلاء اللاجئين، الذين فر أهلوهم أو أجبروا على الرحيل بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 لقن الأردن درساً لن ينساه وهو أنه كلما طال أمد بقاء اللاجئين، ضعف احتمال عودتهم، وذلك بحسب رأي حسان مومني وهو أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية، إذ يقول هذا الرجل: "بقي هذا الخوف في الذاكرة الجمعية للأردن".

بيد أن وزيري الخارجية والإعلام الأردنيين رفضا التعليق على عودة اللاجئين السوريين، وتحدثا فقط عما ورد في التصريحات الرسمية الأخيرة، إذ قال الصفدي في مؤتمر حول سوريا عقد ببروكسل خلال الشهر الماضي: "لقد تجاوزنا حدود طاقتنا بأشواط، ولهذا ندق ناقوس الخطر".

وفي مطلع هذا الشهر، زار الصفدي دمشق وأجرى محادثات مع الأسد، وعلق بالقول: "إن الشيء الذي أصبحنا واثقين منه هو أن مستقبل اللاجئين يكمن في بلدهم".

يبدو أن بعض السوريين الذين فروا من الحرب إلى الأردن يتفقون معه بالرأي، لأن عدداً قليلاً من اللاجئين السوريين في الأردن يرغب فعلاً في العودة طوعاً إلى سوريا، وقد وصل عدد هؤلاء إلى 4013 شخصاً في عام 2022، أي أن العدد نقص عما كان عليه في عام 2021 عندما بلغ عددهم 5800 لاجئ، وذلك بحسب أرقام الأمم المتحدة.

وفي مسح أجرته مفوضية اللاجئين في شهر شباط شمل نحو ثلاثة آلاف لاجئ سوري في عموم المنطقة تبين بأن 1.1% فقط من اللاجئين يرغبون في العودة إلى سوريا خلال العام المقبل في الوقت الذي أعرب فيه معظمهم عن أمله بالعودة إلى بلده في يوم من الأيام، ومن بين المشاركين في الأردن، هنالك فقط نسبة 0.8% ذكروا بأنهم يعتزمون العودة إلى بلدهم خلال السنة المقبلة.

وقد علق دومينيك بارتش، ممثل المفوضية في الأردن، على هذه النتيجة بالقول: "إن هذا مؤشر مهم يدل على أن الظروف الراهنة اليوم لن تفضي لعودة اللاجئين"، إذ حتى في الوقت الذي تصر فيه الحكومة الأردنية على العودة الاختيارية لجميع اللاجئين، يمكن للخط الفاصل ما بين العودة الطوعية والإجبارية أن يصبح غير واضح المعالم.

إذ بعد عام 2016، أي عندما أغلق الأردن حدوده مع سوريا عقب هجوم انتحاري عبر الحدود، رفضت السلطات السماح للسوريين الذين غادروا الأردن لفترة قصيرة بالعودة إليه. وفي حالات أخرى، رُحل لاجئون بسبب اتهامهم بانتهاكات في مجال العمل، وسُجل أهلهم الذين لحقوا بهم إلى سوريا بعدما خسروا مصدر دخلهم في الأردن على أنهم عائدون طوعاً.

ويعلق كردي على ذلك بقوله: "ما نراه اليوم بعد مرور 12 عاماً هو أن معظم السوريين في الأردن ممن يرغبون فعلاً في العودة هم من العجائز والكبار في السن".

المصدر: Associated Press